المغرب والسعودية: فتور دون قطيعة

تميزت العلاقات المغربية السعودية منذ عقود بقوتها ومتانتها، فقلما برزت على السطح خلافات عميقة بين المملكتين. وهي العلاقة التي تعمقت بشكل مضطرد منذ ستينيات القرن الماضي، نتيجة التحالف بين المملكتين لمواجهة المد القومي الناصري الذي أعلن العداء للأنظمة الملكية، وهو المد الذي اجتاح شمال افريقيا وجزء كبير من الشرق الأوسط، ولم تسلم منه في شمال أفريقيا إلا الملكية المغربية.

هذه المتانة عبرت عنها المواقف المتطابقة في أغلب القضايا الإقليمية والدولية، والتي بلغت سنة 2011 مع اندلاع شرارة الربيع العربي حد اقتراح انضمام المغرب رفقة الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي.

غير أنه ومنذ تصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمشهد السياسي بالسعودية تمر العلاقات بين المملكتين بفتور غير مسبوق، وهو الفتور الذي يعكس وجود أزمة صامتة بين الرباط والرياض. وهي الأزمة التي يمكن رصدها من خلال العديد من المؤشرات:

  • دعم السعودية للملف الأمريكي المشترك لاستضافة نهائيات كأس العالم لسنة 2026، على حساب المغرب؛
  • إلغاء العاهل السعودي لعطلته السنوية المعتادة بمدينة طنجة؛
  • اقتصار آخر زيارة للعاهل المغربي بعد بداية الأزمة الخليجية على الإمارات وقطر دون السعودية؛
  • رفض المغرب الاستجابة لمطلب السعودية بتجميد حسابات مصرفية لأمراء سعوديين، عقب حملة الاعتقالات في فندق “الريتز كارلتون”؛
  • توقيف المغرب لمشاركته في الحرب اليمنية ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية؛
  • امتناع المغرب –على خلاف عادته- عن إعلان دعمه وتبنيه للرواية السعودية عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما فعلت بعض الدول العربية؛
  • استثناء ولي العهد السعودي للمغرب من زيارته التي تشمل دول المغرب العربي، وهو أمر يبدو أنه عائد لتحفظ مغربي على الزيارة.

ويمكن إجمال الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الفتور في العلاقات بين البلدين إلى سببين رئيسين، وهما الموقف من الحركات الإسلامية، والموقف من الأزمة الخليجية.

الموقف من الحركة الإسلامية

تختلف التجربة المغربية في تعاطيها مع الحركة الإسلامية عن مثيلاتها في غالبية الدول العربية، فالمغرب انتهج منذ سنوات طويلة خيار الإدماج تجاه جزء من الحركة الإسلامية، وسمح له بالعمل العلني، وبتأسيس أحزاب سياسية، وبالولوج لمؤسسات الدولة المنتخبة. والمغرب في هذه الحالة شبيه ببعض الدول المشرقية كالأردن، وببعض الدول الخليجية كالكويت والبحرين؛ ولم يكن هذا الأمر يشكل في السابق أزمة في العلاقة مع السعودية.

لكن، ومنذ انطلاق الربيع العربي وما تمخض عنه من تصدر للحركة الإسلامية في دول الربيع للمشهد السياسي، ووصولها أو مشاركتها في الحكم، بدأت العلاقات المغربية-السعودية تتجه بشكل تدريجي نحو الفتور، على خلفية الرفض السعودي للربيع العربي ومخرجاته السياسية، وما تبعه من إعلان مواجهة مفتوحة مع الحركات الإسلامية، ومع كل الحركات المشاركة والمساندة للربيع العربية من ليبراليين أو يساريين.

غير أن المغرب شكل استثناءاً في مسألة استمرار الإسلاميين في قيادة العمل الحكومي، حيث استمر هؤلاء ممثلين بحزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة، وحتى عندما أتيحت الفرصة لإسقاط الحكومة سنة 2013، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي أياما قلائل بعد انقلاب الثالث من يوليو في مصر، استمر الحزب في رئاسة الحكومة بعد انتقال حزب التجمع الوطني للأحرار -المصنف كحزب إداري مقرب من السلطة- من المعارضة إلى الحكومة، ولايزال الحزب ممثلا بأمينه العام الحالي سعد الدين العثماني يرأس الحكومة، كما يشرف الحزب على تسيير كل المدن الكبرى، وغالبية المدن الصغرى والمتوسطة منذ انتخابات 2015.

ومن الملاحظات التي يجب الوقوف عليها كذلك، هو ضعف التأييد المغربي للانقلاب العسكري في مصر، والذي تجلى في امتناع ملك المغرب عن زيارة مصر، والتأجيل المتكرر لزيارة الرئيس السيسي للمغرب، فضلا عن الموقف غير المسبوق الذي اتخذه الإعلام الرسمي المغربي حين قام بمهاجمة النظام المصري، واصفا ما قام به السيسي سنة 2013 بالانقلاب العسكري.

كما كان المغرب ثاني دولة بعد قطر تدين محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، خلال الساعات الأولى لبداية المحاولة، في الوقت الذي كانت وسائل الاعلام السعودية والاماراتية تتحدث عن نجاح الانقلاب.

الموقف من الأزمة الخليجية

وهو من الأسباب الرئيسية في الفتور الذي يعتري العلاقات المغربية-السعودية، فالموقف المغربي من حصار قطر كان مفاجئا للقيادة السعودية، التي كانت تنتظر مساندة مطلقة من المغرب لإجراءاتها بحق قطر. فعلاوة على الموقف الذي أعلنه المغرب بعيد بداية الحصار، والمتمثل في الحياد بين أطراف النزاع، وعرض الوساطة من أجل حل الخلافات بينها، أرسل المغرب مواد غذائية عاجلة لقطر. وبالإضافة لرمزية الموقف المغربي، فهو رسالة بالغة الأهمية بأنه غير متفق مع السياسة الرباعية بقيادة السعودية بحق الدوحة؛ غير أن أهم ملاحظة مستنتجة من القرار المغربي هو إسهامه في وصف الاجراءات بحق قطر بالحصار، وهو الوصف الذي ترفض الدول الرباعية القول به، وتعتبر إجراءاتها بحق قطر مقاطعة وليست حصارا.

وقد أبانت تفاعلات العلاقات المغربية السعودية بعد حصار قطر عن أزمة صامتة وغير مسبوقة بين البلدين، بحيث كان العاهل المغربي أول قائد عربي –بعد أمير الكويت- يزور الدوحة بعد الحصار، وهي الزيارة التي قوبلت بحفاوة قطرية كبيرة، وأثارت غضب السعودية.

وبالرغم من عدم التعبير الرسمي عن الغضب السعودي، إلا أنه غضب تم تصريفه من خلال وسائل الإعلام السعودية وفي مقدمتها قناة العربية التي وصفت الصحراء المغربية بوصف “المحتلة”، وهو موقف مخالف للتوجه السعودي الداعم للمغرب في قضية الصحراء. وجاء ملف احتضان كأس العالم لسنة 2026 ليكشف بشكل رسمي عن الغضب السعودي، بدعم الملف الأمريكي المشترك، وربط “تركي ال الشيخ” المستشار في الديوان الملكي صراحة بين الموقف السعودي المدعم للملف الأمريكي وبين موقف المغرب من حصار قطر.

ومن العلامات البارزة على التوتر في العلاقة بين المملكتين، هو ملف “جمال بنعمر” الذي تعرض لانتقادات سعودية وإمارتية كثيرة إبان شغله لمنصب المبعوث الأممي لليمن، والذي يشغل في الوقت الحالي عضوا بالبعثة المغربية بالأمم المتحدة بدرجة وزير مفوض. بحيث تدور معركة قضائية بين “بنعمر” و “إليوت برويدي” صديق ترمب والعضو البارز بالحزب الجمهوري، وذلك بعد اتهام “برويدي” لبن عمر بالتواطؤ مع قطر في تسريب بريده الشخصي، وهي التسريبات التي كشفت دور “برويدي” رفقة “جورج نادر” في القيام بحملة لصالح السعودية والإمارات ضد قطر، ومحاولة اقناع ترمب بإقالة وزير الخارجية السابق “تيريلسون” لموقفه المعارض لحصار قطر. وهي المحاكمة التي تواجه صعوبة كبيرة نتيجة إعلان البيت الأبيض أن “بنعمر” يتمتع بالحصانة الدبلوماسية1. كما تعرض “بنعمر” لحملة كبيرة بوسائل الاعلام السعودية والاماراتية والتي بلغت حد اتهامه بالعمالة لقطر.

والخلاصة هي أن العلاقات المغربية السعودية تمر بأزمة صامتة، لن تصل لمرحلة القطيعة، لأن ما يجمع المملكتين أكثر مما يفرقهما، وهي أزمة ناتجة عن سوء قراءة وفهم سعوديين للنسق السياسي المغربي، وموقع المؤسسة الملكية داخله، وعلاقة هذه الأخيرة بالإسلاميين، ولعدم إدراك القادة الجدد للسعودية للمنطلقات المحددة للسياسة الخارجية للمغرب، والمتمثلة في مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول إلا لماما.

1- https://www.washingtontimes.com/news/2018/nov/15/jamal-benomar-defendant-in-hacking-case-shielded-b/

منشورات أخرى للكاتب