دول الخليج خارج الحماية الأمريكية: أي خيارات؟
تعيش دول الخليجي العربي تحت انكشاف استراتيجي أمام الولايات المتحدة الأمريكية، بالنظر لاعتماد هذه الدول منذ عقود بشكل شبه كامل على الحماية الأمريكية.
فقد كانت منطقة الخليج تقع تحت دائرة النفوذ البريطاني، قبل أن تعلن بريطانيا أواخر الستينيات من القرن الماضي نيتها الانسحاب من المنطقة، الأمر الذي مهد قيام عدة إمارات مستقلة بالمنطقة (الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين)؛ وساهم في نفس الوقت في زيادة الحضور الأمريكي في المنطقة.
كما شكلت الثورة الإيرانية سنة 1979 حافزاً قوياً لكل من دول المنطقة والولايات المتحدة لتمتين العلاقات البينية؛ فدول المنطقة كانت متوجسة من تبعات الثورة الإيرانية، خصوصاً مع رفع الخميني لشعار تصدير الثورة، وفي المقابل تعززت السياسة الأمريكية بالمنطقة والمعروفة بعقيدة “كارتر” كرد مباشر على فقد الولايات المتحدة لأحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة، وهو شاه إيران سنة 1979[1]، وكرد فعل على الغزو السوفياتي لأفغانستان، وهي العقيدة التي اعتبرت أن أي محاولة للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب الباحث الأمريكي “جون غلاسر” فإن التواجد العسكري الأمريكي بمنطقة الخليج يسعى لتحقيق أربعة أهداف رئيسية[2]:
- ردع صعود أي قوة مهيمنة يمكن أن تتحكم في موارد الطاقة؛
- منع أي قوة أجنبية من الحصول على موطئ قدم بالمنطقة؛
- إخماد الخصومات الإقليمية ودرء الحروب التي يمكن أن تعطل إمدادات الطاقة؛
- ردع أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، والذي تعبر من خلاله 30% من منتجات النفط المنقولة عبر العالم.
وقد تسبب الاعتماد الخليجي شبه الكلي على الولايات المتحدة في تأمين أمنه الطاقي والعسكري في تحول هذا الاعتماد لعقيدة عسكرية خليجية، مما يحتم على دول الخليج إعادة النظر في هذه العلاقة. وقد جاءت صدمة الاتفاق النووي الإيراني لتظهر أن عقيدة كارتر تعرضت لاهتزاز عنيف، وأن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة لتأمين دول الخليج محفوف بالمخاطر، ويجعل هذا الدول عرضة للابتزاز الأمريكي الدائم، الذي بلغ مع الرئيس ترمب مستوى غير مسبوق.
التكامل الخليجي
يتواجد حاليا أزيد من 40 ألف جندي أمريكي بمنطقة الخليج، موزعين على الكويت (16 ألفا و592)، والبحرين (9335 فرد)، وقطر (11 ألف فرد)، والسعودية (850 فرد)، والإمارات (4240 فرد)، وعمان (32 فرد)[3].
ومن أهم الخيارات المطروحة أمام دول الخليج لتعزيز أمنها القومي بعيداً عن المظلة الأمريكية، هو خيار التكامل الخليجي؛ ذلك أن التعداد السكاني لدول الخليج من مواطني هذه البلدان يبلغ حوالي 26 مليون نسمة، مما يتيح لهذه الدول نسبة معقولة من الساكنة لتشكيل قوة خليجية على غرار قوات درع الجزيرة لتتولى مهمة الدفاع عن أمن دول الخليج، وهي القوة التي يمكن أن يصل تعدادها لمئة ألف جندي يتم توزيعها بناء على عدد سكان كل بلد من البلدان الخليجية، مع ضرورة تلافي الأخطاء التي ارتكبت مع قوات درع الجزيرة، والتي وصل تعدادها لأزيد من 30 ألف جندي. ولابد من توزيع هذه القوة على دول الخليج وفقا للتجربة العسكرية لهذه الدول، فيمكن لقطر والإمارات استضافة القوات الجوية، والبحرين وعمان استضافة القوات البحرية، ويمكن للكويت والسعودية استضافة القوات البرية، وتشكيل قيادة موحدة لهذه القوة ومنحها صلاحيات حقيقية كجيش نظامي، وتوزيع الأعباء المالية وفقا للقدرة المالية لكل بلد.
لكن تشكيل مثل هذه القوة يتطلب أولا وقبل كل شيء إجراء مصالحة خليجية شاملة، قوامها احترام سيادة كل دولة من دول الخليج، واعتماد مبادئ الحكم الرشيد تتيح للشعوب حق المشاركة في تدبير شؤونه بكل حرية، وتأسيس مجالس خليجية موحدة ذات سلطات تقريرية في مختلف المجالات.
وفي غياب مثل هذه الإجراءات سيستحيل إنشاء أي قوة خليجية موحدة لتأمين دول المنطقة.
ولابد من التفكير في توسيع نادي الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، وذلك بمنح العضوية لكل من اليمن والأردن، الأمر سيتيح لدول الخليج الاستفادة من قوة بشرية كبيرة قوامها ما يقارب 40 مليون نسمة، مما سيجعل التعداد السكاني للخليج يصل ل70 مليون نسمة، وهو رقم يحقق الاكتفاء الذاتي من ناحية توفير القوة العسكرية اللازمة لتأمين الخليج، وسيجعل دول الخليج تحقق التكافؤ السكاني اللازم مع إيران، بل سيجعل دول الخليج مع الأسلحة العسكرية المتطورة التي تمتلكها في موقع أفضل بكثير من إيران، ومن دول إقليمية بالمنطقة.
تنويع دون هيمنة
بدأت بعض الدول الخليجية في استضافة قواعد عسكرية لدول من غير الولايات المتحدة، فالإمارات تستضيف قوات فرنسية وأسترالية، في حين تستضيف البحرين قاعدة عسكرية بريطانية، أما قطر فتستضيف منذ بداية الحصار قاعدة عسكرية تركية، تطبيقاً لاتفاقية التعاون العسكري المشترك بين البلدين.
لكن الملاحظ أن كل هذه القواعد هي تابعة لحلفاء أمريكا التقليديين، وهي دول أعضاء بحلف الشمال الأطلسي–باستثناء أستراليا-.
وأول المداخل لتنويع الشراكات العسكرية لدول الخليج هو الاستقلال بسياساتها عن سياسات الولايات المتحدة، مما يقتضي سن سياسات خارجية يكون الهدف الرئيسي منها هو حماية مصالح هذه الدول وأمنها القومي، لا أن تكون هذه الدول مجرد لاعب في فلك الاستراتيجيات الأمريكية بالمنطقة.
والتنويع لا يقصد به استنساخ التجربة الجيبوتية التي تحولت لمقر لقواعد عسكرية من مختلف الدول والمتناقضة فيما بينها. فعلى خلاف جيبوتي التي فتحت مجالها البري والبحري أمام العديد من الدول لإقامة قواعد عسكرية من أجل عوائدها الاقتصادية، فدول الخليج لا تعاني ضائقة مالية حتى تفتح مجالها الترابي أمام تشكيلة واسعة من القوات الدولية.
وإنما المقصود به هو التنويع المدروس الذي لا يجعل دول الخليج رهينة في أيدي حلفاءها الجدد واستراتيجياتهم المتغيرة تبعا لتغير الأنظمة الحاكمة وتوجهاتها الاستراتيجية، كما وقع مع إدارة الرئيس أوباما تجاه إيران.
والخلاصة، أنه من الصعب على دول الخليج إحداث انعطافة مباشرة في علاقتها العسكرية مع الولايات المتحدة، لكن هذا لا يمنع هذه الدول من اعتماد استراتيجية متدرجة، تقوم في المقام الأول على تحقيق تكامل خليجي يعزز من اعتماد دول الخليج على مقوماتها الذاتية في حماية أمنها القومي، وعلى تنويع هذه الدول لشراكاتها العسكرية مع دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية.
[1] . بسمة المومني- العلاقات الأمريكية السعودية لا تتوقف عند دونالد ترمب- معهد بركنجر- 23 ماي 2017- على الرابط:
[2] . John Glaser– Does the U.S. Military Actually Protect Middle East Oil- CATO Institute- on January 9, 2017- Available at : https://www.cato.org/publications/commentary/does-us-military-actually-protect-middle-east-oil
[3] . القواعد العسكرية الغربية في الشرق الأوسط- موقع الجزيرة نت. 20 أبريل 2018- على الرابط:
http://www.aljazeera.net/encyclopedia/military/2018/4/19/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7