هل تنجح قمة الرياض في إنجاز المصالحة الخليجية؟
يثير إعلان وزارة الخارجية الكويتية منذ منتصف نوفمبر الماضي جدلاً واسعاً حول مآلات الأزمة الخليجية ومشاركة قطر في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية المزمع عقدها في العاصمة السعودية الرياض 9 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. يأتي ذلك بعد تأكيد الكويت على لسان نائب وزير خارجيتها خالد الجار الله أن القمة ستشهد حضور جميع الدول الأعضاء؛ بما في ذلك دولة قطر.
تفاؤل الكويت التي تقود الوساطة الخليجية لم يحدد في البيان مستوى تمثيل قطر التي شاركت سابقاً اجتماع القمة العربية العادية في دورتها التاسعة والعشرين أبريل الماضي بوفد ترأسه السفير سيف بن مقدم البوعينين مندوب دولة قطر الدائم لدى الجامعة العربية. والذي جرت عليه العادة؛ تحدد دول الخليج مستوى التمثيل عبر مؤشرات عدة ولا تحسم مستوى التمثيل إلا تطورات الأيام أو حتى الساعات الأخيرة من القمم الخليجية والعربية على حد سواء.
وتدفع تسريبات غير مؤكدة تحدثت عن مغازلات سعودية للدوحة وعن مقترحات زيارات دبلوماسية سعودية رفيعة إلى الدوحة مع استفحال أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض باسطنبول، في اتجاه تفاؤل بعض المحللين بأن مصالحة خليجية قد أصبحت وشيكة، وأن ضغوطاً أمريكية على مختلف الأطراف تحاول الخروج بقمة تصالحية استثنائية في الرياض.
وعلى أي حال، ورغم هذه الأجواء التي تبدو ايجابية بشكل مفرط، لا يبدو من السهل أو القريب تجاوز مناخ الأزمة المستفحلة التي كاد أن يصل إلى التدخل العسكري مُكتفياً بحصار سياسي واقتصادي واجتماعي على الدوحة. يأتي ذلك بالتوازي مع حرب اعلامية مسعورة تجاوزات من الخطوط الحمراء ما لم تكن تجرأ عليه سابقاً. لقد قطعت يوميات وتداعيات الأزمة الخليجية منذ حزيران/يونيو عام 2017م فعلياً كل مسارات التفاهمات وخيوط المصالحات المُمكنة بين دول الأزمة.
لقد فرضت الأزمة الخليجية الخانقة على منطقة دول الخليج العربية واقعاً مغايراً وقواعد صراع مغايرة ومستحدثة على المنطقة. ثمة واقع مأزوم وليس أمام دول الخليج وشعوبها إلا تقبل يومياته وتداعياته، ربحاً وخسارة. هناك خارطةٌ سياسيةٌ جديدةٌ يُعاد تشكيلُها، وتنبؤات متضاربة حول مستقبل دول المنطقة وخارطة تحالفاتها. وهذا التشكيل الجديد والخارطة المُستحدثة لا يبدو أنها ستنتظم سريعاً فضلاً عن أن تنتهي، أو تعود بدول مجلس التعاون الخليجي الى ما قبل منتصف 2017م.
لا يجب النظر الى أن أياً من الفرص والتحديات المستجدة ومنها هذا التفاؤل بمشاركة قطر في قمة مجلس التعاون لدول الخليج المقبلة – إلا باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من تفاعلات وتعقيدات المشهد ككل. بمعنى؛ أن واقع دول الخليج ومستقبلها هو مجموعة من التفاعلات والأزمات التي لا يجمعها تشكّلٌ واضح، بل هي تشكيل معقد لمصالح ومواقف متداخلة ومتناقضة، ولا يمكن لهذه المتناقضات والخيارات المتناقضة أن تنتظم من جديد.
تذهب نتيجة هذه القراءة السياسية الى أن السيناريو الأفضل؛ وهو مشاركة قطر بوفد رفيع المستوى يترأسه أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قمة الرياض المقبلة، لن يكون كافياً لتجاوز الأزمة أو الدخول في مصالحة خليجية شاملة. وأن أقصى ما يمكن الوصول اليه؛ هو تبريد مؤقت للأزمة؛ لا تجاوزها أو المرور منها.
وكما ذكرنا؛ لا يمكن النظر الى تفاعلات وتعقيدات المشهد الخليجي بنسق واحد منتظم؛ ولا إلى مواقف دول الخليج باعتبارها مواقف ثابتة أو مستقرة. كان للعاصمة القطرية الدوحة موقفٌ غير معلن يؤكد رغبتها في استثناء السعودية من الأزمة، بل واستعدادها لتقديم تنازلات وازنة في سبيل الوصول الى مصالحة سعودية قطرية، هذا الموقف طرأ عليه تغيير دراماتيكي منذ اكتوبر الماضي مع تورط الرياض في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وفي السياق ذاته، لا تبدو الدوحة مهتمة بمصالحة البحرين، ولعلها تتفق مع غريمها الرئيسي (أبوظبي) في التشدد، وفي النظر الى أن المصالحة بين البلدين غير مرحب بها، البتة.
في الجانب الآخر؛ تبدو السعودية في موقف دولي محرج يجبرها على تخفيف حدة الأزمة الخليجية مع قطر، بل وفي تبريد صراعاتها الإقليمية جميعاً. رغم ذلك، تستمر الإمارات على خيارات المواجهة والتحدي لقطر والتدخل في الحرب اليمنية دون هوادة، وتبقى كل من البحرين ومصر متأرجحتين بين الموقفين السعودي تارة والإماراتي تارة أخرى.
يبدو السيناريو الأكثر تفاؤلاً خلال الأيام المقبلة هو توافق خليجي بتبريد الأزمة الخليجية والحد من تداعياتها. وهو ما قد يصل حد الوصول إلى فاعلية أكبر للوساطة الكويتية والتخفيف من الحصار/ المقاطعة المفروضة على الدوحة، خصوصاً من الجانب السعودي. لكن ذلك لن يعني بأي حال من الأحوال عودة أجواء الثقة بين العواصم المتناحرة، أو أن أحداً سيغلق ملف الصراع المفتوح تحت الطاولة، ذلك الصراع الذي سرعان ما سيعود الى الواجهة في أقصى حالات الحدة والخطورة مع أول تحدٍ يستجد، أو أي خطأ حساباتٍ فادحٍ يقعُ فيه أي طرف من الأطراف.