كيف نفهم توزيع الأرباح في قانون شركة النفط الوطنية العراقية؟

إنشاء شركة تختص بجميع العمليات النفطية في العراق ليست فكرة جديدة بل تعود إلى عام 1964 عندما تم تأسيس “شركة النفط الوطنية العراقية”. كانت تدفع نصف أرباحها إلى خزينة الدولة. أما النصف الثاني فيخضع لضريبة الدخل. ورغبة في تنمية رأسمالها قرر القانون تمتعها بإعفاء ضريبي لمدة خمس سنوات. كانت الحكمة الأساسية من هذه الشركة تطبيق سياسة نفطية وطنية للخروج من سيطرة “شركة نفط العراق” المملوكة لدول أجنبية كبرى.

وفي عام 1967 صدر قانون جديد تم بموجبه تعديل توزيع الأرباح. فبعد تكوين رأس المال والاحتياطي يتعين على الشركة دفع جميع أرباحها الصافية لخزينة الدولة.

وفي عام 1987 صدر قانون آخر ألغيت بمقتضاه الشركة. وتقرر حصر الصناعة النفطية بوزارة النفط. تدرج الإيرادات النفطية الإجمالية في الإيرادات العامة لميزانية الدولة. كما تحتسب مصروفات العمليات النفطية ضمن نفقات الدولة.

في الخامس من آذار المنصرم صوت مجلس النواب على قانون شركة النفط الوطنية العراقية. وفي الخامس والعشرين منه تمت المصادقة عليه. وجاء بنظام جديد لتوزيع الأرباح النفطية. حسب هذا القانون (المادة 13. ثالثا. 1 و2) ترصد نسبة لا تزيد على 90% من الأرباح الصافية للشركة لخزينة الدولة. أما النسبة المتبقية فتتقاسمها أربع مؤسسات مستحدثة بموجبه. ترى ما هي تداعيات هذا التوزيع؟

90% للخزينة العامة

كثر الحديث في العراق عن دور الشركة في زيادة الإيرادات العامة عن طريق تحسين الأرباح النفطية. لكن العوائد النفطية كما هو معلوم تعتمد على مؤشرين أولهما الأسعار وثانيهما الإنتاج. تتحدد الأسعار بموجب عوامل السوق ولا علاقة للشركة بها إلا بحدود مكانة العراق المرتبطة بحجم إنتاجه. ولا يرتفع الإنتاج لمجرد انتقال الصناعة النفطية من الوزارة إلى الشركة. ناهيك عن أن وزارة النفط (قبل تأسيس الشركة) توزع مهام هذه الصناعة على الشركات الوطنية كشركة نفط البصرة وشركة نفط الشمال وشركة تسويق النفط وشركة الحفر العراقية وشركة الناقلات العراقية. من هذه الزاوية تتولى الشركة الجديدة مسؤولية إدارة هذه الشركات. بل أن ميزانية الدولة ستستلم أرباحاً اقل من الإيرادات الحالية. ولا يعود الأمر إلى عمليات حسابية فحسب (أرباح صافية بدلاً من إيرادات إجمالية) بل كذلك بسبب تخصيص على الأقل 10% من الأرباح لمؤسسات أخرى أنشأت جميعها حديثاً بموجب قانون الشركة.

وعلى هذا الأساس سيزداد عجز الميزانية العامة وما يترتب عليه من اللجوء مجدداً إلى القروض الخارجية فتتفاقم المديونية العامة ويهبط مستوى المعيشة.

والسؤال الذي يتعين طرحه هو التالي: ما هي الأسس التي ارتكز عليها واضعو القانون لتحديد نسبة 90% من الأرباح للخزينة العامة؟

لا توجد أجوبة مقنعة ومنسجمة مع خصوصيات العراق. يتعين البحث عن دولة اعتمدت على هذا الأسلوب تأثر بها القانون. عندئذ يبدو واضحاً بأن التشريع العراقي اقتبس الفكرة العامة من التشريع الكويتي. فقد حدد القانون المنظم لمؤسسة البترول الكويتية حصة الحكومة بنسبة 80% من أرباح الشركة. وخصص 10% لتكوين الاحتياطي العام للشركة مع منح السلطة للمجلس الأعلى للبترول في تعديل هذه النسبة. أما النسبة المتبقية وقدرها 10% فهي مرحلية ورصدت لتكوين الاحتياطي الإجباري للشركة. وحذف هذا الاعتماد الأخير عندما وصل الاحتياطي الإجباري إلى نصف رأسمال الشركة. وهكذا وبعد إضافة هذه النسبة للحصة الحكومية باتت هذه الأخيرة تستحوذ على 90% من الأرباح. كما يعطي النص العراقي كالنص الكويتي الصلاحية لمجلس الوزراء في تعديل الحصة الحكومية. لذلك يصبح تثبيت نسبة معينة في القانون عديم الجدوى بسبب هذه الصلاحية.

وتجدر الإشارة إلى وجود تشابه آخر في الجانب الإداري بين الشركة العراقية والشركة السعودية. فقد نصت المادة السادسة من القانون العراقي على تشكيل مجلس إدارة الشركة من رئيس وعشرة أعضاء. وهو نفس العدد المنصوص عليه في قانون شركة آرامكو.

10% لأربع مؤسسات

وهي الشركة وصندوق المواطن وصندوق الأجيال وصندوق الإعمار. ولم يقر القانون نسبة محددة لكل مؤسسة وذلك على عكس مشروعه. وهكذا ستتغير النسبة المخصصة لهذه المؤسسات سنوياً.

أولاً: الشركة. في مشروع القانون تتكون مالية الشركة من قيمة موجودات الشركات المملوكة لها. إضافة إلى 5% من الأرباح الصافية تخصص لاحتياطي الشركة الذي يستغل لتطوير أنشطتها. وكذلك رأسمال قدره عشرة ترليونات دينار. في حين تتكون مالية الشركة في القانون من قيمة موجودات تلك الشركات. إضافة إلى نسبة غير محددة من الأرباح. ورأسمال قدره 400 مليار دينار. وهذه مبالغ ضئيلة لا تتناسب مع الثقل النفطي للعراق وما تتطلبه الصناعة النفطية من أموال ضخمة. ستضطر الشركة إذن إلى اللجوء إلى القروض. لذلك نص القانون على حقها في الاقتراض من الداخل والخارج لتمويل استثماراتها بعد موافقة مجلس الوزراء. وكما هو معلوم تقود القروض إلى تفاقم المديونية العامة التي باتت تمثل مشكلة اقتصادية خطيرة. عندئذ يصبح نجاح الخصخصة عسيراً من جهة وتتراجع مختلف المؤشرات الاقتصادية من جهة أخرى.

ثانياً: صندوق المواطن. ينص القانون على تخصيص حصة من أرباح النفط لكل مواطن مقيم في العراق. يثير هذا الحكم عدة مشاكل في مقدمتها أن القانون يفرق بين العراقيين المقيمين بالداخل والعراقيين المهاجرين. وهذا يخالف الدستور. كما انه لا يفرق بين العراقيين حسب أعمارهم أو حسب حالتهم الاقتصادية. وهذا لا ينسجم مع التوزيع العادل للأموال العامة.

أما قيمة الحصة فسوف تعتمد على أربعة مؤشرات: حجم الإنتاج النفطي وأسعار النفط وعدد السكان والنسبة المخصصة من أرباح النفط لصندوق المواطن. بتطبيق هذه المؤشرات نستنتج بأن قيمة الحصة ستكون ضئيلة جداً لا يكفي مبلغها السنوي لتغطية نفقات بضعة أيام.

والمشكلة الأكثر خطورة هي أن هذا الصندوق سيكون ذريعة لإلغاء الحصة التموينية التي تتناقص مفرداتها سنوياً. بمعنى آخر أن صندوق المواطن يمثل في نهاية المطاف خسارة مالية للمواطنين.

ثالثاً: صندوق الأجيال. من الناحية المبدئية لابد من إنشاء مؤسسة استثمارية تابعة للدولة هدفها الحصول على إيرادات إضافية. لكن غالبية المواطنين مقتنعون بأن الفساد المالي المستشري يحول دون نجاح هذا الصندوق. لذلك يتعين معالجة هذه المشكلة قبل تأسيسه.

ولما كان القانون قد اقر صندوق المواطن فإن صندوق الأجيال ينصرف فقط إلى الأجيال القادمة. ولا توجد مثل هذه التفرقة في الدول التي تعرف الصناديق السيادية. فقد كان من الأفضل دمج الصندوقين في مؤسسة واحد تجنباً للإسراف في الإنفاق خاصة وأن القطاع الحكومي يعاني من انتفاخ إداري شديد ومضر.

إذا افترضنا بأن النسبة المخصصة لصندوق الأجيال تعادل 2.5.% من أرباح الشركة فإن ذلك يعني إنشاء صندوق سيادي صغير الحجم.. إذ أن المبلغ السنوي لهذه النسبة يعادل 1.7 مليار دولار في افضل الحالات. عندئذ سيحتاج الصندوق العراقي إلى 235 سنة للوصول إلى حجم الصندوق الكويتي. علماً بأن هذا الأخير ليس أهم صندوق سيادي خليجي. وعلى هذا الأساس سيصل رأسمال الصندوق بعد عشر سنوات إلى حجم لا يسمح له بتحقيق أرباح تفوق المليار دولار في السنة. وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بالصناديق السيادية الخليجية.

رابعاً: صندوق الإعمار. يهدف إلى “تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فيها نشاط نفطي للشركة”. وفق هذا النص القانوني سينقسم العراق إلى قسمين: القسم الأول يتكون من مناطق تجري فيها أنشطة للشركة وهي التي يتم فيها إنشاء تلك المشاريع. والقسم الثاني يحتوي على مناطق غير نفطية وبالتالي لا تستفيد من هذه المشاريع. وهذا التقسيم لا يستقيم مع السياسة الاقتصادية الرشيدة التي لا تحابي المحافظات وفق مصادرها الطبيعية بل وفق حاجاتها.

ويلاحظ أن المحافظات النفطية تحصل كذلك على حصة من إيرادات النفط المستخرج منها بموجب قوانين الميزانية العامة. وبالتالي لا توجد حكمة من محاباة هذه المحافظات بإنشاء صندوق خاص بها.

ولم يشر القانون إلى الأسس التي يتعمد عليها لتوزيع الأرباح بين المحافظات. بل اكتفى بالإشارة إلى تخصيص نسبة من الأرباح بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية. علماً بأن مشروع القانون حدد هذه النسبة حسب مساهمة المحافظة في الإنتاج.

يستجيب النص الحالي لاعتبارات المصلحة العامة اكثر من نص المشروع. لأن المشاريع الاقتصادية يجب أن تستند إلى معايير حاجة المحافظة والجدوى الاقتصادية وليس إلى مؤشر الإنتاج النفطي. ولكن النص الحالي سوف يقود إلى زج المحافظات في تنافس غير مثمر من اجل الحصول على أعلى نسبة من الأرباح.

سوف لن تستطيع شركة النفط الوطنية العراقية تحسين الإيرادات العامة بل بالعكس ستفضي إلى تزايد العجز المالي. كما سوف لن تكون المؤسسات التي أحدثها قانون هذه الشركة قادرة على تحقيق عوائد مجدية للمواطنين الحاليين وللأجيال القادمة. إن انتقال الصناعة النفطية من وزارة النفط إلى الشركة يشكل المرحلة الأولى لعملية واسعة النطاق وخطيرة وهي الخصخصة.

منشورات أخرى للكاتب