هل يقود ترامب التیار المُحافظ في إيران إلى الرئاسة مجدداً؟

وأخیراً نفذ رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب تهدیداته ضد إيران. بعد سنتين من تنفیذ خطة العمل الشاملة المشتركة؛ خرجت واشنطن من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الدول الغربية وإیران أکتوبر/ تشرين الأول العام 2015.

وإذ يختلف الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة والتیار الأصولي في إيران في الكثير من الرؤى إلا أنهما یتفقان على مسألة واحدة، وهي معارضة الإتفاق النووي. وفي حين یصف التیار المحافظ في إیران الإتفاق النووي بالصفقة السيئة على شاكلة معاهدة تركمانجاي الثانیة (اتفاقية وقعت بين الإمبراطورية الروسية والدولة القاجارية أنهت الحرب الروسية الفارسية 1826-1828 ونصت على تنازل الدولة القاجارية عن إقليمي إيروان ونخجوان وأن تلتزم إيران بدفع 20 مليون روبل تعويضات كما منحت روسيا عديد من الامتيازات الاقتصادية والجمركية)، يصف دونالد ترامب أیضا الإتفاق بالسيء للغایة.

بعد الوصول إلی الإتفاق النووي، كانت مجموعة کبیرة من المحسوبین علی التیار المحافظ قد عبرت عن قلقها بشأن مصداقیة الولایات المتحدة وأعلنت أنها لا تثق في واشنطن، وحذرت أوساط سیاسیة من التیار الاصولي التي عُرفت في ما بعد بجبهة القلقین أن سیاسة واشنطن تجاه إيران وتحدیدا خلال أربعين عاماً مضت على انتصار الثورة الإسلامیة، هي سیاسة معادیة، لا يمكن للإيرانيين أن يثقوا بها.

الآن وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، يبدو أن توقعات وقلق التیار المحافظ کانا في محلهما. ولهذا، يلوح التیار المحافظ بخیار إنسحاب إيران من الاتفاق النووي مثلما فعلت واشنطن، أو على الأقل، التراجع عن بعض الخطوات التي قبلت بها ایران لعقد الصفقة النوویة. وفي النهایة، ترى هذه المجموعة أن علی ایران أن تضغط علی الدول الأوروبية لضمان تنفیذ الإتفاق النووي دون حضور الولایات المتحدة والتصدي لتنفیذ العقوبات الأمریکیة من قبل الدول الأوروبیة ضد إیران. خلاف ذلك، یجب علی طهران الخروج من الاتفاق والعودة الكاملة ببرنامجها النووي إلی ما قبل إتفاق فیینا.

يعتقد فريدون عباسي، رئيس سابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال فترة رئاسة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد وأحد معارضي الاتفاق النووي، في حدیثه مع الإعلام الإیراني أن الولايات المتحدة لم تفي بالتزاماتها على الإطلاق. وقبالة ذلك، لم يكن المسؤولون في دولة الرئیس حسن روحاني صریحین حیال هذه المسألة، ولم یکشفوا تملص الولایات المتحدة من تنفیذ التزاماتها في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة.

بعض المراقبين والمحللين المحسوبین علی التیار المحافظ متشائمون بشأن الوعود الأوروبية وتأکید كل من فرنسا وبریطانیا والمانیا بأنها ستبقى في الإتفاق النووي رغم إنسحاب واشنطن. وحسب تقدیریهم، فإن الدول الأوروبیة والولایات المتحدة مشترکون في خطة واحدة هدفها إجبار إیران على التفاوض حول سیاساتها الإقليمية وبرنامجها الصاروخي، وفي النهایة، يبدو أن الهدف الأساسي من هذه الخطة هو الحصول علی اتفاقيتين جديدتين حول الصواریخ الإیرانیة ودور طهران في الشرق الاوسط.

 

حُلم الرجوع إلى باستور

تشير الأجواء السياسية في طهران إلى أن عودة العقوبات الاقتصادية علی ایران وارﺗﻔاع وﺗﯾرة الإستیاء الشعبي عن دولة الرئيس حسن روحاني سوف تقدم فرصة ثانیة للتیار المحافظ للعودة إلى مقر الرئاسة الإیرانیة فی شارع باستور. رغم ذلك، لا يبدو طريق الوصول إلى الرئاسة في الانتخابات المقبلة دون عراقیل، فحصة التیار الأصولي شبه ثابتة في الانتخابات الرئاسیة في إیران والإصولیون یدخلون السباق الانتخابي بأکثر من مرشح ما يؤدي إلى خلق شرخ کبیر في صفوفهم. لا أحد يستطيع التنبؤ بحسم نتائج الإنتخابات الرئاسیة المقبلة لكن نستطیع القول بأن كل من إبراهیم رئیسي، وعلي لاریجاني، وسعید جلیلي، وعزت الله ضرغامي هم المرشحون الأبرز من جبهة المحافظین فی السباق الرئاسي القادم.

 

الأكثر توقعاً هو أن يراهن التیار المحافظ علی إبراهيم رئيسي بإعتباره المرشح الأوفر حظاً في الإنتخابات خصوصاً وأنه حصد 16 ملیون صوت في الانتخابات الرئاسیة السابقة. من جهة أخرى، سيكون ترشح علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني الحالي ممثلاً للتیار الأصولي المعتدل في الانتخابات تحدیاً حقيقياً لرئیسي.

في المعسكر الإصلاحي؛ يبدو أن مشارکة إسحاق جهانغيري النائب الاول لحسن روحاني في الإنتخابات الرئاسية المقبلة کمرشح للتیار الإصلاحي سوف تقلب الطاولة على التیار المحافظ. جهانغيري الذي شارك فی السباق الرئاسي السابق کتغطية لروحاني لقي إهتماما واسعاً من قبل الناخبين الاصلاحيين ما یجعل قادة التیار الإصلاحي یفكرون جدياً في دعمه کمرشح أساسي في الإنتخابات الرئاسیة القادمة.

غيرت الأحداث الأخيرة الخارطة والمعادلات السیاسیة في إیران بشكل ملحوظ وواسع. ومن شأن هذه الأحداث أن تؤثِّر علی رأي الناخب الإيراني ونسبة المشارکة في السباق الرئاسي القادم. وكقاعدة عامة، وفي كل مرة کانت نسبة المشارکة في الإنتخابات منخفضة كانت فرصة التیار المحافظ للفوز والحسم أفضل. ومع عودة العقوبات الأمریکیة ضد إیران وعجز الرئيس حسن روحاني عن حل المشاكل الاقتصادیة في البلاد، والوفاء بوعوده الانتخابية، هناك تخوف کبیر من انخفاض نسبة المشارکة الشعبیة في الإنتخابات ومقاطعتها. وفي هذا الحال، یمكن للتیار المحافظ أن یراهن علی فوزه في الانتخابات المقبلة والعودة إلی الساحة السیاسة من جديد.

منشورات أخرى للكاتب