لماذا لم يدعم الإصلاحيون الاحتجاجات الإيرانية؟
حالة فريدة هي الثورة الإسلامية في إيران التي مر علی قيامها أکثر من 39 عاماً، والتي تعتبر واحدة من أهم التغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم على مدى العقود القليلة الماضية. لكن ما هو سر قدرة إيران ونظامها السياسي على البقاء رغم عديد التحديات والصراعات ومحاولات الإسقاط التي تعرضت لها.
بعد مرور 39 عاماً وفي نهایة عام 2017، اندلعت موجة من الاحتجاجات في العدید من المدن الإیرانیة. بدأت الاحتجاجات في مدينة مشهد تحت سقف مطالب اقتصادية ومعيشية، ولكن على مدى أسبوع واحد تغير نهجها، ورفع المحتجون شعارات لم يسبق لها مثیل في تاريخ الاحتجاجات الشعبیة بعد الثورة الإسلامية في إيران، ومنها هتافات تطالب بتغییر الحکومة الإیرانیة التي أتت بعد الثورة. هذه الاحتجاجات لم تکن علی غرار الاحتجاجات السابقة فی العام 2009 التي بدأها الاصلاحیون وسمیت في ما بعد باسم الحرکة الخضراء.
فی تقریر لها حول هذه الاحداث وصفت الداخلية الإيرانية استمرار “أنشطة أعداء إيران … السبب الرئیسي لهذه الاحتجاجات”. السبب الثاني حسب تقریر الداخلیة الإیرانیة هو تراجع ثقة الناس فی الحکومة لعدة أسباب، بما في ذلك ضعف المنظمات والمؤسسات في الاستجابة إلى المشاکل الاقتصادیة والإدارة غير السليمة للرأي العام وارتفاع التوقعات الشعبیة من الدولة جراء الوعود الانتخابیة فی المنافسات الرئاسیة دون النظر إلى قدرة الحکومة على تحقیق هذه المطالبات، تراكمت المشاکل والوعود التي لم تتحقق، وأَدَّت هذه الحالة الی الاستياء الشعبي.
وقالت وزارة الداخلية الإيرانية أن 59٪ من المحتجین الذین شارکوا فی الاحتجاجات لم یکن لدیهم شهادات جامعیة قبالة 14٪ يحملون شهادات جامعية، كما أن 84٪ منهم لم تتجاوز أعمارهم 35 عاما ولم یکن لدیهم ملفات أمنیة من قبل.
التیار المحافظ في إيران اعتبر الاحتجاجات فتنة جدیدة من قبل الدول المعادیة لإیران. قال الرئیس الإیرانی حسن روحاني أن حكومته تتعامل مع المظاهرات على أنها فرصة لتحسين الوضع، مؤكداً علی أن بعض المحتجین لديهم مطالب محقة وليسو جميعاً مُرتبطين بالخارج.
لكن لماذا لم تنجح هذه الاحتجاجات التي راح ضحیتها 20 شخصاً؟ تجدر الإشارة إلى أن هذه الاحتجاجات لم تحظی بدعم جميع التيارات الفكرية والسياسية في المجتمع الإيراني. تعد الهتافات التي طالبت باسقاط النظام الإیراني في هذه الاحتجاجاتت أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أدت الی تراجع الدعم من قبل التیار الاصلاحي في البلاد، ذلك أن الإصلاحيين والمحافظين، وعلى الرغم من الاختلافات الحادة في الکثیر من القضایا، إلا أنهم مجتمعين یُجمعون على ضرورة الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية والوحدة الوطنية بين الإيرانيين.
السبب الثاني هو التأیید والدعم الذي حظيت به الاحتجاجات من قبل منظمة “مجاهدي خلق” والحرکات الانفصالیة ومؤيدو وداعمو “الملکیة”، أدى دخول هذه المجموعات الثلاث – التي لا تحظى بشعبية في إيران – الی تراجع التأييد الداخلي خصوصاً من جانب التیار الإصلاحي والطبقة المثقفة الإیرانیة.
ما تجهله الدول التي دعمت هذه الإحتجاجات اعلامياً، وفي مقدمتها السعودية، أن منظمة “مجاهدي خلق” التي تحظی بدعم أنظمة عربیة وتشارك شخصیات سیاسیة سعودیة في مؤتمراتها، وتستضيف قنوات عربیة قياداتها، هي منطمة لا تحظی بالدعم الشعبي في إیران. بل أن هذه الجماعة ومن خلال دعمها للرئيس العراقي السابق صدام حسین في الحرب العراقية الإيرانية وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في إيران جعلت من نفسها منظمة إرهابیة لا تحظی بقاعدة جماهیریة أو تأیید شعبی داخل ایران. ببساطة، الرهان على هذه المنظمات في الخارج هو رهان على ما من ليس لديه في داخل ايران ناقة ولا جمل.
من جهة اخری، تدرك الطبقتين المتوسطة والمثقفة خطورة الوضع في منطقة الشرق الاوسط، ويعلمون أن دعم هذه الاحتجاجات التي ليس لها مطالب محددة ولا قيادة واضحة كان يمكن أن يؤدي الی أزمة أكبر في البلاد وأن تتحول إيران إلى سوريا او ليبيا أخرى. ولئن كانت الطبقة المثقفة فی إیران تدعو الى ضرورة احترام حق الإيرانيين فی التعبير عن أرائهم والاحتجاج السلمي إلا أنها أيضاً لا ترى أن خلق الفوضی هو الطریق الأمثل للوصول إلی أهدافها الاصلاحیة.
یدرك المعارضون في داخل إيران من المؤسسات والأفراد ضرورة الوحدة الوطنية، والحفاظ على استقرار الإقليم. ويؤمنون أيضاً، أن تحقیق مطالب الشعب يجب أن یؤخذ على محمل الجد، وأن المشارکة في الانتخابات والعملیة السیاسیة هو الطریق الأمثل لتحقیق هذه الاهداف.
مع وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البیت الأبیض وتنامي سياسات الدول العربية المعادیة للمصالح الإيرانیة، يُدرك الإيرانيون من الطبقة الوسطى والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية أن تحسين الوضع الإقتصادي والإجتماعي لن یأتي عن طریق الفوضى، ویطالبون بتعزيز الأمل والابتعاد عن الإسالیب التي قد تؤدي إلی رفع کلفة النقد في المجتمع.
على أي حال، وبعد الهدوء النسبي الذي عم البلاد يتعين على التیار الاصلاحي الذي یتولی السلطة منذ خمس سنوات مضت، أن یحاول بناء الثقة مع الشعب وأن یسعی الی القضاء على المشاكل الاقتصادية التي تعد من أهم التحدیات في إيران.