عام على الأزمة الخليجية: قطر متماسكة والخسائر عند 3% من قدرتها المالية

تملك قطر – ثالث بلد في العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي – ما يقارب 24.7 ترليون متر مكعب أي ما يعادل تقريباً الغاز الطبيعي لجميع الدول العربية الأخرى. وتصدر الدوحة 78 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال أي ثلث الصادرات العالمية. وتستحوذ البلدان الصناعية والناشئة خاصة اليابان وبريطانيا وكوريا الجنوبية والهند والصين على القسط الأكبر من الصادرات. كما تملك الدولة 25 مليار برميل من النفط وتنتج 0.7 مليون برميل يومياً.

ومن ابرز سماتها المالية صندوقها السيادي (جهاز قطر للاستثمار) الذي يبلغ رأسماله 320 مليار دولار. وهو بذلك يحتل المرتبة العالمية التاسعة والعربية الرابعة. يملك أسهماً في شركة رويال دوتش شل وبنك باركليز وشركة فولكسفاكن وشركة روسنفت ومطار سانت بطرسبورغ. وله نادي باريس سان جيرمان وشركة لوي فويتون وشركة فالنتينو وغيرها.

لا يمكن تحليل آثار الحصار المفروض على هذا البلد منذ الخامس من يونيو من العام المنصرم إلا من خلال هاتين السمتين التجارية والمالية. إذ ترتبط بهما جميع المؤشرات الاقتصادية ارتباطا وثيقاً.

الحصار ضد قطر مفروض من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر التي يطلق عليها القطريون مسمى (دول الحصار). انه تجاري ومالي واستثماري من ناحية وبري وبحري وجوي من ناحية أخرى. ناهيك عن كونه سياسي لأنه مصحوب بقطع العلاقات الدبلوماسية.

أدى الحصار إلى تدهور حجم التجارة البينية الخليجية مع قطر. لكنه لم يفض إلى إنهاء كلي للمبادلات. لذلك يتعين فحص ميزان المدفوعات الذي يعطي فكرة واضحة عن أحوال البلد. لهذا الميزان أهمية كبيرة في رصد تأثير الحصار على التجارة الخارجية والاستثمارات المختلفة والاحتياطي النقدي وبالتالي على جميع المؤشرات الاقتصادية.

عجز ميزان المدفوعات

يعتمد الميزان التجاري القطري اعتماداً أساسياً على الغاز الطبيعي المسال والنفط. كلما زادت أسعار الوقود الاحفوري في السوق العالمية ارتفع الفائض التجاري وتحسن مركز ميزان المدفوعات.

في الربع الثالث من عام 2016 بلغ هذا الفائض 24091 مليون ريال. وعلى إثر ارتفاع الأسعار في الربع الثالث من عام 2017 زاد الفائض ليبلغ 35901 مليون ريال. واستمر التحسن في الربع الرابع من عام 2017 فوصل إلى 36346 مليون ريال. تحققت هذه الزيادة الأخيرة رغم الارتفاع الكبير الذي شهدته الواردات السلعية.

بلا شك أضر الحصار بدول المنطقة بدرجات مختلفة. الإمارات أكبر المتضررين فقد كانت قبل الحصار اكبر شريك تجاري خليجي لقطر. انتقلت صادراتها لقطر من 760 مليون دولار في الربع الرابع من عام 2016 إلى 165 مليون دولار في الربع الرابع من عام 2017. في حين هبطت صادرات قطر للإمارات خلال هذه الفترة من 872 مليون دولار إلى 392 مليون دولار. وقد حققت عُمان نتائج إيجابية في تجارتها الخارجية لأنها عوضت النقص الحاصل في التجارة الخارجية القطرية الإماراتية.

وإذا كانت المبادلات السلعية قد سجلت انخفاضاً حاداً بين هاتين الدولتين لكنها لم تتوقف. في حين تكاد تصل المبادلات السلعية بين الرياض والدوحة إلى الصفر. الأمر الذي يمثل خسارة كبيرة للسعودية لأن صادراتها السلعية لقطر كانت قبل الحصار تعادل أربعة أضعاف وارداتها السلعية من قطر.

وسجل عجز العمليات الجارية الأخرى في قطر تراجعاً واضحاً. وتتكون هذه العمليات من الخدمات (كالسفر والنقل) والدخل (كأرباح الاستثمارات القطرية في الخارج وأرباح الاستثمارات الأجنبية في الداخل) والتحويلات وهي بالمقام الأول تحويلات العمال الأجانب العاملين في قطر. عند إجراء جرد شامل لهذه العمليات نستنتج بأنها تعاني من عجز مزمن ومهم. ولكن هبط هذا العجز خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحصار. ففي الربع الثالث من عام 2016 بلغ عجز هذه العمليات 31091 مليون ريال ثم تراجع في الربع الثالث من عام 2017 إلى 27911 مليون ريال. واستمر الهبوط في الربع الرابع من هذا العام ليصل إلى 26038 مليون ريال.

أدى قرار الحصار إلى غلق الحدود البرية بين السعودية وقطر. ومن المعلوم أن قطر شبه جزيرة تمثل السعودية منفذها البري الوحيد. وبالتالي لم تقتصر المقاطعة على توقف كلي لتجارة السلع بين البلدين ومن بينها أغلب واردات قطر من المواد الغذائية بل شملت أيضاً تنقل الأشخاص. لذلك تراجع عدد السياح الخليجيين من 271 ألف شخص في فبراير 2017 إلى 37 ألف شخص فقط في فبراير 2018. الأمر الذي أثر بشدة على العدد الكلي للسياح الأجانب فانخفض عددهم إلى النصف. يترتب على ذلك نتائج سلبية ترتبط بخدمات النقل والفنادق والمطاعم.

أما الحساب المالي فيمثل المشكلة الأساسية التي تعاني منها مالية قطر بعد الحصار. فقد مارس هذا الحساب ضغطاً شديداً على الاحتياطي النقدي. ويتضمن هذا الحساب رؤوس الأموال الداخلة إلى البلد والخارجة منه. ومن بينها الودائع المصرفية في قطر التابعة لرعايا وشركات دول مجلس التعاون.

في الربع الأول من عام 2016 سجل الحساب المالي فائضاً قدره 3692 مليون ريال. بمعنى أن هنالك زيادة لصالح قطر في الاستثمارات المباشرة واستثمارات الحافظة والودائع المصرفية لغير المقيمين. وعلى إثر قرار الحصار سحبت خلال فترة قصيرة جداً الاستثمارات والودائع من قطر. الأمر الذي أدى في الربع الثالث من عام 2017 إلى حدوث عجز غير مسبوق قدره 41127 مليون ريال.

وعند إضافة الحسابات سابقة الذكر نصل إلى نتيجة نهائية وهي عجز الميزان الكلي للمدفوعات بمبلغ قدره 31533 مليون ريال. وهذا يعني سحب مبلغ مماثل من الاحتياطي النقدي لتمويل هذا العجز. واستمر الضغط في الربع الرابع من عام 2017 ولكن بصورة أضعف. حيث انخفض عجز الحساب المالي ليصل إلى 13882 مليون ريال وبالتالي هبط عجز ميزان المدفوعات إلى 6939 مليون ريال.

استطاع مصرف قطر المركزي التصدي لهذه الهجمات المقصودة وغير المقصودة فضخ الكميات اللازمة من الدولارات للمصارف. وهكذا احتفظ الريال بقيمته التعادلية دون أي تراجع. أدى هذا الدفاع عن العملة إلى هبوط الاحتياطي النقدي بمبلغ قدره عشرة مليارات دولار.

لتقدير تأثير هذا المبلغ على مالية الدولة يتعين الأخذ بنظر الاعتبار القدرة المالية الكلية للبلد المتمثلة في الاحتياطي النقدي سواء كان مملوكاً للمصرف المركزي أم للصندوق السيادي. ولما كان المبلغ الإجمالي لهذا الاحتياطي يصل إلى 356 مليار دولار فإن المبالغ المسحوبة للدفاع عن قيمة الريال وسد عجز ميزان المدفوعات بسبب الحصار لا تشكل سوى 3% من القدرة المالية لقطر. لكن قطر تعاني من عجز آخر يتعلق بميزانية الدولة.

العجز المالي

بعد سنوات الفائض سجلت الميزانية العامة عجزاً في عام 2016 نتيجة هبوط أسعار صادرات النفط والغاز. بلغ حجم هذا العجز 46.5 مليار ريال مما أدى إلى اللجوء إلى القروض الداخلية والخارجية والسحب من الاحتياطي النقدي. عندئذ ارتفعت المديونية العامة وانخفض حجم هذا الاحتياطي. وفي عام 2017 وعلى إثر تحسن تلك الأسعار تصاعدت الإيرادات العامة وسجلت النفقات العامة انخفاضاً طفيفاً فتراجع العجز المالي إلى 28.4 مليار ريال. في عام 2018 ارتفعت الإيرادات العامة بنفس المبلغ تقريباً الذي ارتفعت فيه النفقات العامة مما أدى إلى انخفاض طفيف في العجز المالي ليصل إلى 28.1 مليار ريال.

لم يقد الحصار إلى تبني سياسة تقشفية. بل اتجهت المصروفات العامة نحو التصاعد لعدة أسباب: الرغبة في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. وزيادة المرتبات بنسبة 8.7%. والالتزام بتنفيذ المشاريع التي تتطلبها استضافة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وارتفاع الإنفاق العسكري والأمني بسبب الحصار والتوتر الإقليمي. وزيادة الصرف على المشاريع الإنتاجية لخلق مسارات جديدة بسبب الأزمة الخليجية.

والواقع لا يشكل العجز مشكلة خطيرة خاصة في العام الجاري لأنه لا يزيد على 5% من الناتج المحلي الإجمالي. كما سيشهد النصف الثاني من السنة الحالية تطورات مالية جديدة أهمها تطبيق ضريبة القيمة المضافة.

وسترتفع الإيرادات العامة بمعزل عن هذه الضريبة. فقد حدد سعر برميل النفط القطري بمبلغ 45 دولاراً لحساب الإيرادات المتوقعة في الميزانية الحالية. في حين يسجل سعر خليط برنت ارتفاعاً مهماً وصل في أبريل إلى 69 دولاراً. لاشك أن سعر النفط القطري يقل عن سعر برنت. لكن الفرق بينهما لا يتجاوز خمسة دولارات للبرميل. سوف ترتفع إذن الإيرادات العامة لأن السعر الحقيقي يفوق السعر المقدر. عندئذ يهبط العجز المتوقع وربما تحقق الميزانية فائضاً في نهاية السنة. عندئذ سيتحسن حجم الاحتياطي النقدي وتزداد أصول الصندوق السيادي. وفي أسوء الاحتمالات سوف لن يهبط هذا الاحتياطي وهذه الأصول بصورة تستحق الذكر.

ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار الاستهلاك

في 22 مارس 2018 قام مصرف قطر المركزي برفع سعر الفائدة ليصل إلى 1.75% أي بزيادة قدرها ربع نقطة مئوية. وقد سبق له وأن رفعها خلال العام الماضي. وظهرت تفسيرات غير دقيقة لدوافع هذا الإجراء. قالوا أن الدولة تسعى إلى جلب رؤوس الأموال الأجنبية. وإن ارتفاع هذه الأسعار دليل على خطورة التضخم. ناهيك عن أن الإجراء الجديد يقود إلى ارتفاع كلفة الاقتراض فيزداد عبء المديونية العامة خاصة في حالة استمرار عجز الميزانية العامة.

لكن هذا التحليل لا ينطبق على قطر. أنه يصح تماماً في دول كتونس. ويصح من باب أولى في مصر حيث قرر البنك المركزي في عام 2017 رفع سعر الفائدة بسبع نقاط نتيجة تفاقم التضخم الناجم عن تعويم الجنيه. أصبحت أسعار الفائدة حالياً في مصر 17.75%.

هنالك إذن فرق شاسع بين أسعار الفائدة في قطر وأسعار الفائدة في هذين البلدين. ما ينطبق على مصر وتونس لا ينطبق على قطر لأن المؤشرات الاقتصادية مختلفة تماماً.

جاء رفع سعر الفائدة في قطر لسبب واحد فقط يرتبط بعلاقة أسعار الفائدة على الريال بأسعار الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة. وبما أن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) رفع سعر الفائدة يصبح من اللازم اتباع نفس الإجراء في قطر. وهذا ليس حديث العهد ولا يقتصر على قطر بل يشمل أيضاً جميع دول مجلس التعاون التي اتخذت نفس الإجراء وبنفس النسبة.

وفي فبراير 2018 قياساً بالشهر نفسه من العام المنصرم ارتفعت أسعار استهلاك المواد الغذائية والخدمات الصحية والنقل. ولكن شهدت خدمات المطاعم والفنادق والاتصالات هبوطاً في أسعارها. كما سجلت أسعار الماء والكهرباء والوقود اكبر انخفاض لها. وشمل الانخفاض أسعار السكن نتيجة زيادة عرض العقارات الجديدة وتراجع الطلب عليها. بالحصيلة النهائية سجل التضخم السنوي زيادة قدرها 0.9%.

وهذا المعدل العام منخفض مقارنة بدول عديدة أخرى كدول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والسعودية والإمارات ومصر وتونس. وحسب بيانات وزارة التخطيط التنموي والإحصاء شهد الرقم القياسي للاستهلاك هبوطاً مهماً قدره 0.3% في شهر مارس قياساً بشهر فبراير من العام الجاري. وشمل الهبوط جميع السلع والخدمات المذكورة أعلاه باستثناء النقل. وبالتالي لم يلعب الحصار دوراً يستحق الذكر في ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم. بيد أن الوضع قد يختلف في حالة تطبيق الضريبة على القيمة المضافة في الأشهر المقبلة..

ضريبة القيمة المضافة

اعتباراً من العام الجاري باتت الضريبة على القيمة المضافة تلعب دوراً مهما في دول مجلس التعاون من حيث حصيلتها وتأثيرها الاقتصادي خاصة مساهمتها في ارتفاع معدلات التضخم. وتدخل الضريبة الانتقائية في هذا السياق أيضاً.

وتندرج ضريبة القيمة المضافة ضمن القرارات التي اتخذها القادة الخليجيون والتزموا بتطبيقها في مطلع العام الجاري 2018 بموجب الاتفاقية الموحدة لهذه الضريبة التي أبرمت في نوفمبر 2016. وهكذا قررت السعودية والإمارات البدء بتنفيذها اعتباراً من ذلك التاريخ.

في بداية مايو 2017 (قبل الحصار بشهر واحد) وافق مجلس الوزراء القطري على هذه الضريبة ولكن لم يتم لحد الآن تطبيقها. ثلاثة أسباب أدت إلى هذا العزوف.

السبب الأول أن الاتفاقية المذكورة عقدت في فترة سادها الاعتقاد باستمرار هبوط إيرادات النفط نتيجة تباطؤ الأسعار. الأمر الذي يقود إلى تزايد العجز المالي في ميزانيات دول المجلس وما يترتب على ذلك من السحب من الاحتياطي النقدي واللجوء إلى القروض الداخلية والخارجية والتأثير بصورة سلبية على الصناديق السيادية. لكن حدث العكس في عام 2017 حيث ارتفعت أسعار الوقود الاحفوري وازدادت الإيرادات العامة فانتفت الحاجة الملحة للضريبة على القيمة المضافة على الأقل في قطر والكويت.

السبب الثاني أن الحصار ضد قطر أدى إلى التوجه نحو التحرر من الالتزامات الجماعية الخليجية. وهذه مسألة خطيرة لا تؤجل فقط الضريبة على القيمة المضافة بل كذلك تلغي جميع المشاريع المشتركة.

والسبب الثالث نصت تلك الاتفاقية على سعر ضريبي قدره 5%. وهو من الأسعار المعتدلة مقارنة بالضرائب المماثلة في الدول الصناعية والنامية. ولكنها على أية حال تسهم في ارتفاع الأسعار.

يستوجب التصدي للحصار إذن تأجيل تطبيق هذه الضريبة. ولكن العزوف عنها لن يدوم طويلاً بسبب استمرار العجز المالي. يرى صندوق النقد الدولي أنها ستدخل في النظام الضريبي القطري في النصف الثاني من السنة الجارية. وكذلك الضريبة الانتقائية وزيادة بعض الرسوم على الخدمات الحكومية. الأمر الذي سيرفع معدل التضخم إلى 3.8% في العام الجاري.

هبوط التصنيف الائتماني

يقود هذا الهبوط إلى نتائج سلبية تؤثر على السمعة المالية للبلد. إنه يشير إلى وجود مخاطر استثمارية وإلى صعوبة سداد الديون. الأمر الذي ينعكس على شروط الحصول على التمويل الخارجي فترتفع أسعار الفائدة في القروض الجديدة.

لقد أجمعت الوكالات العالمية الكبرى (ستاندرد أند بورز وموديز وفيتش) على تخفيض التصنيف الائتماني لقطر من أي أي (قبل الحصار) إلى أي أي سالب (بعد الحصار). وقد أعربت هذه الوكالات عن قناعتها بأن الحصار سوف يستغرق وقتاً طويلاً وسوف يمارس بالتالي ضغطاً على الريال وقد يفضي إلى هبوط قيمته التعادلية. وهكذا استغلت بعض وسائل الإعلام هذا الخبر للدلالة على تردي الأوضاع المالية في قطر. لذلك يتعين توضيح معنى هذا التخفيض.

تعتمد الوكالات المذكورة على ترتيب متدرج يتضمن عشرين درجة بدايتها أي أي أي وهي أعلى الدرجات (100) ونهايتها دي وهي أدنى الدرجات (صفر). الدرجة أي أي تعني 95 نقطة وتنطبق على دول مثل فرنسا وبريطانيا. وأي أي سالب تعني 85 نقطة وتنطبق على دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية. بمعنى أن هبوط التصنيف القطري على هذا النحو يندرج ضمن التحول الطفيف الذي لا يؤثر كثيراً على ثقة المستثمرين بالاقتصاد القطري.

ويلاحظ أن صندوق النقد الدولي في بيانه المتعلق بمشاورات المادة الرابعة الصادر في 12 مارس 2018 يوضح أن سعر صرف الريال لم يتغير وأن الحصار سوف لن يفضي إلى تغير هذا السعر في السنوات الخمس القادمة. بمعنى أن الصندوق على عكس تلك الوكالات لا يرى في الأزمة الخليجية تأثيرات سلبية على العملة.

الترتيب القطري اضعف من ترتيب الإمارات والكويت. لكنه أعلى من ترتيب السعودية والبحرين وعمان. علماً بأن استمرار الأزمة الخليجية قد يدفع تلك الوكالات إلى إعادة النظر مرة أخرى في التصنيف القطري.

وعلى خلاف المؤشر الائتماني تظهر الاستطلاعات الداخلية تزايد تفاؤل رجال الأعمال بالأداء الاقتصادي القطري.

تحسن مؤشر ثقة الأعمال

يعكس هذا المؤشر ردود فعل رجال الأعمال المحليين على الأحداث التي يمر بها بلدهم. كما يسهل عملية التوقعات المستقبلية للأوضاع الاقتصادية. ويتمحور في سبعة ميادين: حجم الإنتاج وحجم المخزون من المنتجات وأسعار السلع والخدمات وحجم المبيعات ومستوى العمالة ومعدلات الربح والصادرات.

تتولى وزارة التخطيط التنموي والإحصاء بصورة دورية توزيع استمارات على رجال الأعمال لمعرفة آرائهم حول ما يجري في البلاد وتتناول أسئلة حول تلك الميادين. وتقوم الوزارة بمعالجة الأجوبة فتمنح نقطة إيجابية للارتفاع وسلبية للانخفاض. ومتوسط النقاط يمثل مؤشر الثقة.

وقد تبين في الربع الثالث من عام 2017 مقارنة بالربع الثالث من عام 2016 أن جميع الميادين سجلت نقاطاً إيجابية. وهكذا ارتفع المؤشر من 22.1 نقطة إلى 23.0 نقطة أي بزيادة قدرها 0.9 نقطة. واتضح أيضاً بأن النتائج الإيجابية شملت جميع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وفيما يخص النشاط الاقتصادي سجلت الصناعات التحويلية والتجارة ارتفاعا في حين هبط النشاط في قطاع التشييد.

كما أظهرت النتائج أن 59.6% من المنشآت لا ترى أي عائق أمام أنشطتها في الربع الثالث من عام 2017. علماً بأن هذه النسبة انخفضت قياساً بالربع الأول من العام نفسه. أما العقبات التي مرت بها المنشآت الأخرى فتتجلى بالدرجة الأولى في ارتفاع كلفة الإنتاج. ولم يمثل الحصار سوى 3.8% من المعوقات.

وفق هذا المؤشر لم يقد الحصار إلى نتائج سلبية. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنه أفضى إلى نتائج إيجابية. فلو لم يكن الحصار مفروضاً لتحسن مؤشر ثقة الأعمال بصورة اكبر.

لاشك أن صحة النتائج تفترض المصداقية في إجابات رجال الأعمال. كما تستوجب المعالجة الوزارية لهذه الأجوبة درجة عالية من الشفافية والموضوعية.

استطاعت قطر بلا شك التصدي للحصار بسبب متانة اقتصادها. ولكن تستوجب مصالح الدولة إنهاء هذه الأزمة بسرعة لأن استمرارها فترة طويلة يسبب ضغوطاً مالية شديدة. لذلك لا ترغب الدوحة في تصعيد المشاكل كأن تقطع إمداداتها الغازية عن الإمارات. بل قررت رفع شكوى ضد السعودية والإمارات والبحرين أمام منظمة التجار العالمية. ولا ترمي هذه الشكوى إلى خلق مناخ متأزم بل بالعكس تماماً.

ومن زاوية أخرى لا يخدم الحصار دول مجلس التعاون لأنه يقود إلى تدهور الوضع العسكري والأمني للمنطقة وما يترتب على ذلك من رصد مبالغ مالية طائلة. كما يقود إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية وارتفاع كلفة نقل وتأمين السلع الصادرة والواردة. أضف إلى ذلك أن استمرار الخلافات يخلق مناخاً سياسياً واقتصادياً جديداً يقود بالضرورة إلى انهيار المؤسسات المشتركة وإلغاء المشاريع المستقبلية. لذلك لابد من تكاتف الجهود لإنهاء الأزمة بأقصى سرعة ممكنة أو على الأقل التخفيف من حدتها.

منشورات أخرى للكاتب