بين طهران والرياض: فرص السلام أقوى من الحرب

منذ عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد (2005 – 2013) والعلاقات السعودية الإيرانية في أسوأ حالاتها. مسارٌ لم يُفلح الرئيس الإصلاحي حسن روحاني في تصحيحه تبعاً لثنائية قارة وثابتة، ترتهن فيها علاقات البلدين بمن يكون على رأس الحكومة الإيرانية.

مطلع يناير من العام 2016 نفذت الرياض أحكاماً إعدام بحق 47 محكوماً بالارهاب، بينهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر، تلت أحكام الإعدام تطورات دراماتيكية ومنها هجوم متظاهرين ايرانيين على السفارة السعودية في طهران وتخريبها، ما تسبب في قطع العلاقات – الباردة أساساً – بين الجارتين اللدودتين.

اليوم؛ تلقي تبعات الصراع الاقليمي الكبير في سوريا واليمن والعراق وغيرها من دول الصراع بظلالها على العلاقات بين الرياض وطهران، يُفاقم التوتر في المنطقة اصطفاف كل من الرياض وابوظبي والبحرين إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن عن مراجعة إتفاق إيران النووي (اتفاق لوزان النووي 2015)، مراجعة تأتي بالتوازي مع تغييرات جديدة في الإدارة الأمريكية تجلب المزيد من الصقور الى مراكز صنع القرار في واشنطن.    

لكن، هل يكفي كل هذا وتصاعد الحرب الكلامية بشكل يومي إلى التنبؤ بحرب جديدة في المنطقة بين الرياض وطهران؟ خصوصاً مع تزايد تداعيات حرب التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن حيث تقف إيران الى جانب جماعة أنصار الله (الحوثيون) التي تسيطر على العاصمة صنعاء وغالبية محافظات الشمال والمناطق الحدودية مع السعودية. دعوات الحرب تصاعدت مؤخراً وبشكل ملحوظ رداً على هجمات الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون على العاصمة الرياض ومدن سعودية أخرى، وتقول الرياض أنها صواريخ ايرانية التصنيع وتمثل تهديداً لأمنها وسلامة مواطنيها، وهو ما تنفيه طهران.

تاريخياً؛ مرّت العلاقات السعودية الإيرانية بهزات أكثر عنفاً بل وبمواجهات مباشرة على أراضي البلدين، نذكر من ذلك أحداث موسم الحج في مكة المكرمة عام 1987 التي أودت بحياة أكثر من 270 حاجاً إيرانياً و85 سعودياً. يضاف لذلك، اتهامات السعودية – وهو ما أكدته تحقيقات أمريكية – بأن طهران كانت المسؤول عن تخطيط وتنفيذ تفجير أبراج الخبر عام 1996 الذي أودى بحياة 19 جندياً أمريكياً. كما وتعتبر طهران أن الرياض ومعها دول خليجية أخرى، المسؤول الأول عن طأفنة المنطقة والحرب في سوريا والعراق، وعن توليد الجماعات الارهابية المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهي اتهامات ترد عليها الرياض بأن طهران كانت على الدوام تدير اتفاقات استراتيجية وقدمت خدمات لوجستية لتنظيم القاعدة عقب هجمات 11 من سبتمبر والملاحقة الدولية للتنظيم في افغانستان.   

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عبدالعزيز آل سعود وفي تصريح لمجلة “الإيكونوميست” بعد أيام من قطع العلاقات بين الرياض وطهران يناير 2016 – كان حينها ولياً لولي العهد ووزيراً للدفاع – كان قد أكد: “إن حرباً بين السعودية وإيران هي بداية لكارثة كبيرة في المنطقة، وستنعكس بقوة على بقية العالم. وبالتأكيد لن نسمح بأي شيء من هذا القبيل”. لكن اليوم، يقود الأمير محمد بن سلمان الى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريق ادارته تصريحات هجومية مباشرة تجاه إيران. والسؤال هنا؛ هل هي الرياض من يستجيب لضغوط واشنطن للتصعيد في الملف الإيراني؛ أم أن واشنطن من تستجيب لضغوط الرياض؟ في الحقيقة؛ يبدو أن كلا الطرفين يستجيب للآخر ولئن اختلفت أولويات الطرفين وأهدافهما.

فعلياً وبحسب موازين القوى والقدرات العسكرية؛ لا تمتلك السعودية أو إيران القدرة على حسم حرب حقيقية ومباشرة بينهما، لا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا حتى سياسياً. يضاف لذلك، أن هذه الحرب ستفرض على المتورطين فيها اللعب بالورقة الطائفية وتصديرها، وهي ورقة يدرك الطرفان جيداً أن خطرها لا يقتصر على جبهة العدو وحسب، بل وعلى الجبهة الداخلية أيضاً. وبما أن الحروب الطائفية هي بالضرورة حروب طويلة واستنزافية، تدرك كل من الرياض وطهران، أن لا أفق واضح لهذه الحرب، وأن لا فائدة تُرجى منها. ببساطة هي حرب يمكنك البدء فيها لكنك أبداً لن تكون صاحب القرار في إيقافها. وعلى حدّ تعبير سن تسو: “لم يسبق أن كان هناك حرب طويلة استفاد منها أي بلد”.

الأهم من ذلك؛ لا يبدو أن هناك ما يُلزم/ يُجبر أي طرف على الدخول في هذه الحرب. خصوصاً وأن الرياض تسعى الى تموضع جديد لدولتها الحديثة وبناء منظومة اقتصادية جبارة وفضاء استثماري كبير لا يمكن أن يكتب له النجاح في إقليم مشغول ومهدد بالحروب والصراعات العسكرية؛ كذلك هو الحال في الجمهورية الإسلامية في إيران التي لا يبدو أن من مصلحتها العودة لسنوات الحرب والحصار والضغوط والعقوبات الدولية مع ما تعانيه من صعوبات مالية واقتصادية باتت تمثل خطرأ حقيقياً على استقرار البلاد.  

الزاوية الجديرة بالاهتمام في سياق الصراع السعودي الإيراني هي أننا وباعتماد قاعدة صراع النفوذ والإرادات بين البلدين: “تبقى سورية أولوية إيرانية؛ وتبقى اليمن أولوية سعودية”، نجد تفسيراً معقولاً ومعتبراً لحالة الغضب والاستياء السعودية مع تزايد تعقيدات الحرب في اليمن واستنزافها، يقابل حالة الانزعاج السعودية حالة ارتياح ايرانية في سوريا حيث يقدم الحليف الروسي لإيران في سوريا ما لا يقدمه الحليف الأمريكي للسعودية في اليمن.

على أي حال؛ تبدو إيران الأكثر قدرة على تقديم مبادرات حسن النيّة لو أرادت ذلك؛ تستطيع طهران طمأنة السعودية في الملف اليمني وحلحلته لها. ذلك إن في تقديم طهران للرياض تفاهماً – معقولاً ومقبولاً مع الحوثيين – تستطيع تسويقه باعتباره حسماً أو انتصاراً سعودياً في اليمن، في ذلك ما قد يُمهدُ لتصحيح مسار العلاقات بين الرياض وطهران، أو على أقل تقدير؛ الحد من نزيف الثقة وسياسة الاضرار المتبادل بين البلدين سياسياً واقتصادياً؛ دون جدوى أو طائلة من ذلك.

منشورات أخرى للكاتب