10 توصيات للقاء منتصف الطريق في البحرين

عشية الرابع عشر من فبراير وتزامناً مع الذكرى السابعة لانطلاق الاحتجاجات في البحرين أعلن مساعد الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية “المنحلة” الشيخ حسين الديهي، عن “مشروع سياسي وطني جديد”. قبل ذلك، وعلى مدى أسابيع، أثارت خطابات التقارب مع مؤسسة الحكم على لسان رجل الدين الثاني في الطائفة الشيعية السيد عبدالله الغريفي جدلاً واسعاً، وهو ما أعتبر وساطة تهدف في سقوفها الدنيا إلى حث ملك البلاد على استخدام صلاحياته الدستورية في تعليق أحكام الإعدام.

وفي انتظار أن تكشف كُبرى جمعيات المعارضة عن مشروعها السياسي الجديد، يبدو الأمل ضعيفاً في أن تستجيب الدولة لهذا المشروع؛ ذلك أن الظروف المحلية والإقليمية والخبرة السابقة بمؤسسة الحكم تؤكدان أن الأخيرة – وليس أحد سواها – مَن يملكُ القدرة والشرعية على تقديم مشروع سياسي جديد في البلاد. وعليه، لن تقبل مؤسسة الحكم التفاعل مع مشروع تقدمه أي مؤسسة من مؤسسات المعارضة، فالذي لم يفعل ذلك وقت الشدّة من الأجدى أن لا يفعله وقت القوة.

إن تقدير موقف واضح وشفاف يحلّل النّتائج ويستطلع الخيارات لا مفرّ من أن يخلص على نتيجة قارة، كما كانت المعارضة قبل 15 مارس 2011 من يحدد الأولويات، ويضع الشروط، ويطلب الضمانات، على المعارضة التعامل ورسم خياراتها اليوم بناءاً على نتيجة معادلة قوامها: الدولة من يحدد الأولويات، ويضع الشروط، ويطلب الضمانات. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الدولة – وإن حاولت إيهامنا بذلك –في معزل عن ضغوط داخلية وخارجية ستجبرها على الاستجابة والتّفاعل الإيجابي مع تغيير دراماتيكي تقوم به قوى المعارضة في الداخل.

الإيجابي حتى الآن هو أن حواراً داخلياً قد بدأ داخل مؤسسات المعارضة نحو إعادة فهم ما حدث في البلاد، على أمل أن يتضمن المشروع المزمع الإعلان عنه توليفة صحيحة من العناصر القادرة على تذويب هذه الأزمة وتجاوزها. ورغم أن عديد الملفات التي من شأنها تذويب الأزمة تمسك بها مؤسسة الحكم وحدها إلا أن تنميط الأزمة بثنائية حادة ومغلقة (النظام – المعارضة) هو تسميم خطير للأزمة وتشويه متعمد لحقيقتها وتمثلاتها على الأرض، وهو أيضاً، استمرار في سياسة ترفيع الأزمة عن مستوى وتفاصيل ومجريات الحياة اليومية في البلاد، وهو – على أي حال – ترفيع مخل وغير دقيق، بل يقدم الأزمة في صورة مُختلقة وبعيدة عن الواقع.

يبقى الهاجس الأكبر وفق هذه التطورات هو تحديد نقطة اللقاء بين المعارضة والدولة؛ والسيناريو الذي قد تؤول إليه الأمور، فيما يلي 10 توصيات قد تسهم في إيصال مؤسسة الحكم والمعارضة إلى لقاء في منتصف الطريق:

  • من “التباهي والوفرة” إلى “الواقعية”

من الضروري أن يتجاوز مشروع المعارضة المزمع تقديمه فخ “الوفرة الوهمية”، وهو تعبير متداول في إدارة الأزمات، يُلخِّص المصطلح مجموع الأساليب النفسية التي تُستخدم للتّغطية على الأزمات ومفاعليها. والأجدى في ذات السياق تجاوز حالة “الوصاية” والتنبؤ الافتراضي بمزاج شارع المعارضة، وتحميله مجموعة الشعارات والخيارات التي لا يمكن الجزم بأنهٌ يتبناها.

إنّ تجاوز الأزمة وتبريد الساحة وإلغاء أحكام الإعدام أو الإفراج عن المعتقلين وإعادة الطائفة إلى مواطنتها هو أيضاً رغبة رائجة بل وملحّة أيضاً. على أن خيار “الواقعية” الذي نقدمه بديلاً لخطاب التباهي والوفرة لا يجب أن يتمثّل على الأرض خطاب هزيمة أو انهيار بل تكتيكات وخيارات سياسية جديدة يتم اعتمادها في إدارة الأزمة وإدارة يومياتها ومستقبل التفاعل فيها.

  • الأزمة متعددة الأطراف

لطالما كان خطاب المعارضة الثنائي الحربة (المعارضة – الدولة) يتعمد تهميش باقي المكونات الاجتماعية في البلاد. أما بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميين والدوليين، تتراوح المعارضة بين اعتبارهم لاعبين مؤثرين في الأحداث تارة، ومتحكمين بها تارة أخرى.

لابد من الاعتراف بأن مجريات الأحداث على مدى سبع سنوات ونيف أثبتت أن مختلف اللاعبين في الداخل (ما تطلق عليه أدبيات المعارضة جماعات الموالاة) والخارج (دول الخليج وبريطانيا والولايات المتحدة) يؤثرون في الوضع السياسي؛ يؤثرون ويتأثرون. وعليه، لا يجب أن يكون المشروع الذي تعتزم “الوفاق” تقديمه مجرد مبادرة تطلب فيها من مؤسسة الحكم مجموعة من المطالب والشروط التي على الأخيرة القبول بها وتنفيذها. إن مثل هذا المشروع لن تقبل مؤسسة الحكم به شكلاً، قبل أن ترفض مناقشته أو تداوله مضموناً.

تحتاج المعارضة إلى إدارك أن الأولوية القصوى اليوم هي عودتها كلاعب في قلب العملية السياسية في البلاد. وأن هذه العودة لا يبدو أن الطريق لها سيمر من خلال اتفاق مكتوب، أو نتيجة لحوار تخوضه، أو تسوية سياسية تنجزها. قد يختزل بعض شارع المعارضة مثل هذه العودة بأنها تنازل أو إعلان صريح بالهزيمة. ما أعتقده، هو أن الهزيمة الحقيقية هي في تدشين المعارضة مشروعها كما دشنت وثيقة المنامة؛ وفق قاعدة (تقبل به مؤسسة الحكم أو ترفضه). حينها لن تجد المعارضة من جانب السلطة رداً أكثر من “التجاهل”.

  • السياسة لا تنتهي

إن سيناريو مماثل لسيناريو المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد العام 2001 لا يبدو متوقعاً. وبين عدد محدود من الحلول وضرورة المضي مع أقلها ضرراً، لا تتيح هذه الأزمة فرصة حقيقية لأصحاب القرار في المعارضة لممارسة “ترف” التأجيل والمماطلة في القبول بتدخلات جراحية لا مفر منها.

من السلبيات البارزة في قوى المعارضة إصرارها مع بدايات الأزمة على أن لا أفق أو قبول بتقديم أي تنازلات في هذه الأزمة التي صدرت لها المعارضة في توقيت ما شعاراً يقول: “فلتطل، لكن فلتكن الأخيرة”.

في الحقيقة، السياسة لا تنتهي، ولا يوجد أزمة أخيرة في أي تجربة من التجارب السياسية في أي بلد من البلدان، وفي شتى أشكال الحكم وأنماطه. وعليه، الأجدى على الحالة الذهنية للمعارضة تجاوز مثل هذه الشعار والقبول بأن السياسة لا تنتهي. وأن الحياة السياسية حالة متحركة، تمر بمراحل صعود وهبوط، مكاسب وخسارات، هو تغيير من شأنه خلق فضاءات أكبر للمناورة والحركة.

  • تفتيت الأزمة

تقترح أدبيات علوم إدارة الأزمات تقنية “تذويب الأزمة” في التعامل مع الأزمات بالغة الشدة والخطرة. ومن ما تقترحه هذه التقنية “دراسة جميع جوانب الأزمة لمعرفة القوى المُشكّلة لتحالفات الأزمة وتحديد إطار المصالح المتضاربة والمنافع المحتملة ومن ثم تقديم زعامات جديدة (مؤقتة) وإيجاد تحالفات جديدة متعارضة مع استمرار التحالفات الأزموية”. وهو ما يفيد في تحويل هذه الأزمات الكبرى إلى “أزمات صغيرة مفتتة”؛ يسهل التعامل معها وحلحلتها.

حريٌ بالمعارضة في هذا السياق تفهم ضرورة خلق مسارات بديلة تستطيع احتواء الأزمة والتقليل من أخطارها. وهو ما يتطلب وبوضوح، الانفكاك عن خطابات التضاد والمشروع والمشروع البديل وفق الثنائية الكلاسيكية في معالجة الأزمات السياسية والاجتماعية. جدير بالإشارة هنا إلى أن الدعوة/ المبادرة/ الرؤية/ الوساطة التي تقدم بها السيد عبدالله الغريفي حول أحكام الإعدام هو تطبيق عملي لتقنية “تذويب الأزمة”.

 

  • نظام اتصالي جديد وتحييد “المرجعيات الدينية”  

لا شك أن المضي في تغيير جوهري لن يكتب له النجاح دون انحياز جماهيري داعم. خصوصاً وأن هذا التغيير – وهي مثلبة لا يمكن إغفالها – لا يستجيب لانتظارات الشّارع وتطلّعاته.

إن إطلاق مشروع جديد في المعارضة دون تبيئته من خلال مكنة اتصال فعّالة ومؤثّرة يقدم شروحاً وافية من خلال نظام اتصالي قوي لإنتاج رسالة مؤثرة وواضحة وكفيلة بالإجابة على العديد من التساؤلات، إن إطلاق مشروع دون كل ما ذكرناه لن يكتب له النجاح والتأثير؛ خصوصاً وأن استسهال المعارضة هذا الجانب بالتعويل على الشخصيات الدينية الوازنة في التسويق لخياراتها ومشاريعها أو خيار وتكتيك أضر بها وبالمرجعيات الدينية، على حد سواء.

نُذكر هنا بأن سياسة حرق الأوراق المتسارعة منذ عام 2011 والزج بالمرجعيات الدينية في تبرير وتبني خياراتها السياسية قد تسبب في خسارات كبرى وفادحة؛ ليس أقلها توريط شخصيات دينية وازنة مثل آية الله الشيخ عيسى قاسم في معترك العملية السياسية بصفة مباشرة وشخصية، وهو خطأ إستراتيجي يجب أن تدرك “الوفاق” أنها تتحمل مسؤوليته كاملة.

  • التنازلات الموجعة لا مفر منها

يجب أن يكون هناك إدراك بأن تحولاً حقيقياً لن يحدث في خطاب المعارضة وخياراتها وتكتيكاتها، وبالتالي واقعها المعاش على الأرض، دون أن تكون مستعدة لتقديم ما يساهم في إعادة الثقة بينها وبين مؤسسة الحكم ومجمل الفاعلين في العملية السياسية في البلاد. يجب أن لا يتنكر مشروع المعارضة إلى سجل الخسائر الثقيل وأن يقترح وبوضوح خياراته وطريق عودة قوى المعارضة إلى فاعليتها في الداخل ، وهو ما قد يتيح لها لاحقاً السيطرة والتحكم في مسار الأحداث والتأثير فيها.

ليس المقصود من هذا “الاستعداد” التراجع عن أي مطالب ديمقراطية مشروعة بقدر ما هو إعادة ترتيب قائمة الأولويات بغية إعادة مجمل العملية السّياسيّة في البلاد إلى مسارها الصحيح. المسار الذي تستطيع أن تعمل من خلاله على ذات الشعارات والأهداف الديمقراطية دون تحميلها وتحميل شارعها تكلفة باهضة دون أي مردود.

  • نسج الحبال المقطوعة

يجب المضي في جهد دبلوماسي حثيث نحو إعادة وصل الحبال التي تقطعت بين قوى المعارضة وعواصم غربية جراء ضربها بعرض الحائط رسالة العام 2014 الواضحة: “عليكم القبول بالتسوية والمشاركة في الانتخابات أو الخروج من هذه الأبواب دون عودة”.

محاولات التشبيك مع العواصم الغربية يجب أن لا تكون استفزازية لمؤسسة الحكم التي كانت ولا تزال ترفض تدويل الأزمة وإدخال أطراف خارجية فيها. مراعاة هذه “الحساسية المفرطة” كفيل بتحويل هذا التشبيك إلى عامل دفع وتشجيع وتحفيز لمؤسسة الحكم وباقي المكوّنات الوطنية في التدافع الإيجابي نحو حلول ناجعة وسريعة. لا مفر هنا من الإشارة إلى أن مشاركة المعارضة في الانتخابات النيابية أواخر هذا العام من شأنها أن تعيد الاعتبار إلى هذه العلاقات.

التشبيك مع العواصم الغربية يجب أن يعزّزه إنهاء للقطيعة التاريخية مع تيّار “الشيخ المدني”، بل ومحاولة التشبيك معه والاستفادة من علاقاته الوثيقة مع مؤسسة الحكم وباقي المكونات الاجتماعية في البلاد. وكذلك هو الحال مع بقية المكونات الاجتماعية التي لا مفرّ من مد الخيوط معها، دون استثناء.

الانعزالية السياسية هي واحدة من أخطر نتائج الأزمة الرّاهنة، ولا تقتصر خطورتها على المشاركة السياسية في نطاق الدولة وحسب، بل وداخل النّطاق الشيعي – الشيعي أيضاً.

  • الإجماع مستحيل

نذكر هنا بمآلات مبادرة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في الأيام الأولى من الأزمة، تلك المبادرة التي قُوبلت من جانب المعارضة بالتردد جراء رغبة قيادات المعارضة التحرك تحت إجماع كامل وشامل بين مختلف مكونات المعارضة.

تُخطئ المعارضة إن أرادت وهي تصيغ مبادرتها الجديدة إرضاء مختلف مكونات المعارضة وتشظياتها. وعليه، الأولى هو أن تكون المبادرة تعبر وبوضوح عن خيار الأكثرية المنحازة إلى خيار التّدرج في الإصلاح وأولوية الخروج من عنق الزجاجة التي دخلها جمهور المعارضة منذ سنوات.

  • ضرب التوقعات

لمؤسسة السّلطة في الدولة – أي دولة – سلسلة من التوقعات المسبقة والتكتيكات التي تعتمدها لتجرّ خصومها إلى القيام بها. المعارضات ومؤسسات المجتمع الدني لا يجب أن تخضع لهذه المعادلة ومعطياتها، إذ غالباً ما تسعى هذه المؤسسات إلى مخالفة التوقعات، واستلام زمام المبادرة، وتحديد الأولويات في البيئة السياسية التي تشتغل فيها.

بحرينياً، تتوقع الدولة أن لا تشجع قوى المعارضة قيام وفودٍ “أهلية” من القرى والمدن بزيارات إلى الديوان الملكي لطلب استخدام الملك صلاحياته الدستورية في تعطيل أحكام الإعدام والعفو عن المعتقلين؛ فلتفعل ذلك.

تتوقع الدولة أن ممارسة المزيد من الضغوط سيجبر قوى المعارضة على مقاطعة الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة، فلتشارك.

تتوقع الدولة أن لا تهتم المعارضة بإنشاء مؤسسات مدنية جديدة بعد حل الجمعيات السياسية؛ قُم بذلك.

إن ضرب التوقعات وادخال العملية السياسية إلى فضاءات لم تألفها من شأنه تغيير هذه البيئة وتنشيطها والخروج بنتائج جديدة؛ وغير متوقعة.

  • المساعدة في الإجهاز على الداخل

المقترح بقانون الذي تقدم به أعضاء في مجلس النواب مؤخراً والذي يهدف إلى منع أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية المنحلة من الترشح والتصويت في الاستحقاق الدستوري أواخر هذا العام، هو إجراء ينسجم مع مخطط الإجهاز على المعارضة في الداخل، خصوصاً مع تنامي فرضية دخول جمعيات المعارضة المعترك الانتخابي. يأتي ذلك بالتوازي مع انتقال عدد من قيادات جمعية الوفاق “المنحلة” إلى الإقامة في العاصمة اللبنانية بيروت، يتقدمهم نائب الأمين العام للجمعية الشيخ حسين الديهي.

على المعارضة أن لا تتردد في اعتبار الانتخابات البلدية والنيابية والمشاركة فيها مدخلاً هاماَ لبقائها في الداخل. خصوصاً وأن خسارة هذا التمثيل البلدي والنيابي هو قرار متسرع وخطير ومساعدة مجانية للدولة في مشروع إنهاء وجود المعارضة في الداخل، وتحويلها إلى كنتونات في الخارج، موزعة على عواصم عربية وأجنبية.

تحاول أدبيات المعارضة التسخيف من أهمية المشاركة في الاستحقاق الانتخابي أواخر العام 2018، وتؤكد أن المجلس النيابي عقيم وفاقد للصلاحيات والتأثير.

مثل هذا القول لا يزيد في حقيقته عن كونه كلمة “حق” يُراد بها “باطل”. فلئن كانت المشاركة ليست حلاً للأزمة السياسية بالتأكيد، وصلاحيات المجلس محددة ومحكومة، إلا أنها أيضاً، مفتاح من مفاتيح الحل سياسياً؛ كما أن ما يتضمنه تقرير منجزات كتلة الوفاق النيابية (2006-2010) شاهد ودليل على جدوى المشاركة وفاعليتها.

منشورات أخرى للكاتب