أخطاء كارثية في برنامج الإصلاح المالي في الكويت

في 13 مارس 2016 أعدت لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الوزراء الكويتي برنامجاً يتضمن “إجراءات الإصلاح المالي والاقتصادي” وينطلق من تأثير هبوط أسعار النفط على مستوى معيشة المواطنين. يقترح البرنامج التصدي لهذه المشكلة دون تقاعس. فقد حذر صراحة من مغبة تأجيل معالجة المشاكل المالية مبيناً أن كلفة الإصلاح ترتفع كلما تأخرت الحلول.

يسعى البرنامج إلى تحقيق التوازن الاقتصادي والمالي. ويتضمن ستة أبواب أولها باب الإصلاح المالي الذي يعنينا هنا. وبغض النظر عن موقف مجلس الأمة يمثل البرنامج السياسة الحكومية وتطلعاتها المالية المستقبلية.

يتناول البرنامج تقديراً للعجز المالي بمراعاة الإجراءات المقترحة وتقديراً ثانياً له دون مراعاتها طيلة الفترة بين 2016-2017 و 2021-2022. ففي السنة الأولى يبلغ العجز 11.5 مليارات دينار في حالة تطبيق الإجراءات ويرتفع إلى 12.5 مليارات دينار في حالة عدم تطبيقها (قراءة تقريبية للرسم البياني للبرنامج). ثم يهبط تدريجياً ليصل في نهاية الفترة إلى 1.1 مليار دينار في حالة تنفيذ الإجراءات أو 4.2 مليار دينار في حالة عدم تنفيذها.

ويشير البرنامج إلى أن العجز التراكمي خلال السنوات الست يبلغ 36.2 مليار دينار في حالة تطبيق الإجراءات ويرتفع إلى 50.6 مليارات دينار في حالة عدم تطبيقها. ستوفر الدولة إذاً أموالاً معدلها السنوي 2.4 مليار دينار. وسوف نعتبر هذا المبلغ الهدف الذي يسعى إليه البرنامج ليتسنى الحكم عليه بالنجاح أو الفشل. ونلاحظ أن البرنامج الكويتي على عكس نظيره السعودي لا يضع سنة مستهدفة للتوازن المالي.

افتراضات مبنية على أخطاء فادحة

تستند التقديرات المذكورة أعلاه إلى أربعة حسابات مغلوطة تؤثر تأثيراً بالغاً على مصداقية البرنامج بل وتثير التساؤل حول جدوى وجوده.

الخطأ الأول: سعر برميل النفط. تعتمد الافتراضات في الحالتين على إيرادات نفطية محسوبة على أساس 25 دولاراً للبرميل في بداية فترة الإصلاح. ويرتفع السعر سنوياً بمبلغ خمسة دولارات ليصل في نهايتها إلى خمسين دولاراً. في حين بلغ سعر خامات الكويت في مارس 2016 (بداية الفترة) 35 دولاراً (معدل أسعار خامات الكويت تقل بحوالي خمسة دولارات مقارنة بمزيج برنت لأن درجة كثافتها اقل ومحتواها الكبريتي أعلى). وفي يناير 2018 يفترض البرنامج أن يكون سعر خامات الكويت 35 دولاراً للبرميل في حين وصل إلى 65 دولاراً.

بمعنى آخر سترتفع الإيرادات العامة ارتفاعاً كبيراً دون اتخاذ أي إجراء. وبالتالي لا يصح ربط البرنامج بهذه النتيجة.

الخطأ الثاني: ثبات الإنتاج. مما لا شك فيه أن أسعار الخام تلعب دوراً محورياً في حجم الإيرادات العامة. ولكن لا يجوز إغفال مؤشر الإنتاج. البرنامج يحسب الإيرادات وفق الأسعار ويهمل الإنتاج لأنه يفترض ثبات حجمه. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار النفط لم ترتفع مؤخراً بسبب تحسن الطلب بل بسبب خفض الإنتاج.

الخطأ الثالث: حساب العجز المالي. تقوم التقديرات على العلاقة بين الإيرادات النفطية والنفقات العامة. وهذا خطأ فادح لأن العجز المالي هو الفرق بين الإيرادات العامة الكلية (وليست فقط النفطية) والنفقات العامة. لاشك أن إيرادات الدولة تعتمد اعتماداً أساسياً على النفط. بيد أن ذلك لا يبرر الخطأ الذي وقع فيه البرنامج. كما لا يجوز الاستهانة بالحصيلة غير النفطية التي تشكل حوالي 16% من الإيرادات العامة.

الخطأ الرابع: ثبات النفقات العامة. يفترض البرنامج عدم تغير حجم المصروفات العامة طيلة السنوات الست المذكورة أعلاه. كيف يمكن أن تكون ثابتة في حين يعمل البرنامج على تقليصها؟. إنها ترتفع أو تنخفض تبعاً لعدة معطيات.

ثم يقع البرنامج في تناقض عندما يدعو إلى تخفيض المصروفات “غير المؤثرة” على أداء الجهات الحكومية بنسبة 10%. علماً بأن هذا الوصف غير دقيق لعدم وجود آلية واضحة للتفرقة بين المصروفات المؤثرة والمصروفات غير المؤثرة على الأنشطة الحكومية. السياسة الرشيدة لا تضع نسبة عشوائية وموحدة لتقليص الإنفاق العام. إذ يتعين معاملة كل حالة على حدة وفق معايير الحاجة والإمكانية.

أن افتراض ثبات النفقات والاقتصار على حساب الإيرادات النفطية وعدم الاهتمام بمؤشر الإنتاج وسوء تقدير سعر البرميل تدل دلالة واضحة على إعداد البرنامج بطرق بدائية بعيدة كل البعد عن البحوث الرصينة والمؤشرات المالية والمعطيات العملية.

تصريحات رسمية غير دقيقة

حسب تصريحات وزارة المالية استطاعت الكويت بفضل الإصلاحات توفير اكثر من مليار دينار في عام 2016-2017 مقارنة بالعام السابق. نشر الإعلاميون الكويتيون هذا الخبر واعتبروه دلالة واضحة على نجاح الإصلاح.

والواقع حدث التوفير في النفقات العامة فقط. لكن المبلغ المقتصد ليس مليار دينار بل 538 مليون دينار وفق استنتاجاتنا المبنية على الحسابات الختامية الصادرة عن ديوان المحاسبة. أما الإيرادات العامة الفعلية للسنة المذكورة فقد هبطت بمبلغ 534 مليون دينار. وبالتالي فإن إيجابيات تقليص الإنفاق العام تلاشت نتيجة سلبيات انخفاض الإيراد العام. لذلك لم يحدث أي تغير يتعلق بحجم العجز المالي الأمر الذي يشير إلى إخفاق البرنامج. بل انه فاشل حتى وإن سلمنا بصحة تصريحات الوزارة لأن المبلغ المقتصد أقل بكثير من المبلغ المستهدف.

أن قسطاً كبيراً من التوفير جاء نتيجة الضغط على الاعتمادات الرأسمالية. في حين يفترض العكس تماما. لأن الإصلاح لا يقتصر على التوازن المالي بل يهتم كذلك بالتوازن الاقتصادي الذي لا يتحقق بتقليص الاستثمارات. كما وقع التخفيض على الوزارات باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع. علماً بأن أنشطة هاتين الوزارتين غير إنتاجية وتستحوذ على مساحة واسعة في مالية الدولة.

غياب الإجراءات الإصلاحية

تعتمد السعودية على الإيرادات غير النفطية في بلوغ هدفها وهو التوازن المالي في عام 2023. فقد طبقت الضريبة الانتقائية في منتصف العام المنصرم وضريبة القيمة المضافة في مطلع العام الجاري. كما زادت مختلف أنواع الرسوم خاصة تلك التي تفرض على الوافدين. وتسعى إلى زيادة رأس مال صندوقها السيادي للحصول على إيرادات إضافية للميزانية العامة. ناهيك عن تقليص الدعم الحكومي في عدة ميادين. وهنالك سياسة مالية مماثلة في الإمارات.

أما الكويت فقد اقتصرت على بعض الإجراءات الطفيفة لخفض الدعم الحكومي كرفع أسعار الوقود. إذ لم تجد الضريبتان المذكورتان تطبيقاً لهما. وهذه مخالفة لقرار قادة الخليج. كما تم غلق ملف الضريبة على الشركات التي اقترحها البرنامج لتفرض بسعر موحد على الشركات الكويتية والأجنبية. هنالك أسباب سياسية ترتبط بمعارضة مجلس الأمة تحول دون إدخال أية ضريبة جديدة. وقد وجدت هذه المعارضة مؤخراً تبريراً لموقفها في تحسن أسعار النفط.

كما لا تخطط الكويت لزيادة رأسمال صندوقها السيادي. بل لا تستفيد ميزانية الدولة كثيراً من أرباحه. ولا يعود السبب إلى تراجع الأرباح بفعل الركود العالمي بل كذلك لعوامل داخلية. لأن هذا الصندوق يتضمن احتياطي الأجيال القادمة الذي لا يمكن من الناحية القانونية سحب أي مبلغ منه لتغطية عجز الميزانية.

يعتمد البرنامج الكويتي إذن على تحسن أسعار النفط. انه (فيما يخص الإيرادات) لا يرتكز على جهد محلي بل على عامل خارجي يتعلق بالطلب. لكن ارتفاع الإيرادات العامة مؤخراً لم يقد إلى معالجة العجز المالي بل لم يفض حتى إلى تقليصه. وبالتالي لم يحقق البرنامج هدفه.

ففي نهاية العام الأول من تنفيذ البرنامج بلغ العجز المالي الفعلي 4608 مليون دينار. وهذا المبلغ لا يختلف إطلاقاً عن العجز في السنة السابقة. أما الميزانية الحالية فقد قدر عجزها بمبلغ 6600 مليون دينار (يرتفع العجز في الحالتين عند حساب حصة احتياطي الأجيال القادمة التي تقتطع سنوياً 10% من الإيرادات العامة). لذلك لا مفر من الاستدانة من الداخل والخارج ولا مفر من السحب من الاحتياطي العام فتتفاقم المديونية وتنخفض المقدرة المالية للدولة. وقد سبق لصندوق النقد والدولي وأن حذر الكويتيين من مغبة هذه السياسة التي ستقود إلى نفاذ الاحتياطي النقدي. وهذا دليل على إخفاق الإصلاح.

فشل برنامج الإصلاح المالي في الكويت بسبب ارتكازه على فرضيات مغلوطة من جهة وعدم تنفيذ الإجراءات الواردة فيه من جهة أخرى. أما تحسن الوضع المالي مؤخراً فلا يعود إلى السياسة المالية المحلية بل إلى عوامل خارجية استفادت منها جميع الدول المصدرة للنفط وهي ارتفاع أسعار الخام.

منشورات أخرى للكاتب