دول الخليج 2018: ثقل السلاح وقرع الطبول أسقط الجياد وأنهى الحرب

ليس ثمة ما يشي بأن حرباً ستجتاح منطقة الخليج؛ ذلك أن خير وسيلة لمنع الحرب هو الإستعداد لها. أنفقت دول الخليج العربية والجمهورية الإسلامية في إيران خلال العامين الماضيين على صفقات السلاح – العاجل منها والمؤجل – ما يزيد عن 600 مليار دولار بحسب اكثر الاحصاءات تواضعاً، علاوة على ذلك، خصصت السعودية في ميزانيتها الجديدة هذا العام قرابة 83 مليار دولار لإنفاقها العسكري والأمني بعد صفقة هي الأكبر عربياً في مايو الماضي بكلفة تصل الى 110 مليار دولار مع واشنطن. قبالة ذلك، زادت إيران من انفاقها العسكري 8 مليارات دولار وهو ما يمثل زيادة تصل نسبتها الى 86% خلال العام الجاري 2018، اما صفقات السلاح القطرية فقد وصلت الى ما يزيد عن 25 مليار دولار تركزت في قطاع الطيران الحربي مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وإذا ما أضفنا مصروفات التسليح الإماراتية (5.2 مليار دولار) والكويتية (5 مليارات دولار) والبحرينية (3.8 مليار دولار) والعراقية (15 مليار دولار) الى ما أنفقته وستنفقه ايران والسعودية وقطر فهناك ما يكفي لشن حرب ابادة جماعية لسكان المنطقة لا رابح فيها، وهو ما يجعل من فرص الدخول في حرب أقل ما خلا أن يكون هناك لاعب من اللاعبين الإقليميين قد فقد عقله.

ورغم تصاعد الحرب الكلامية بين دول المنطقة تجاه دولة قطر وإيران من جانب التحالف السعودي الإماراتي ومن خلفهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، إلا أن أسباباً وحسابات أخرى عدة تقف حائلاً أمام حدوث أي تدخل عسكري في المنطقة، وهو ما يحيل الى أن كل من السعودية والإمارات ستستمران في الضغط السياسي والاعلامي على قطر لتركيعها. وبالتوازي؛ من المتوقع أن تستمر محاولات الرياض وأبوظبي اختراق الداخل القطري (المكون القبلي) وصولاً إلى قيادة إنقلاب عسكري تأملان له أن يطيح بالأمير الشاب تميم بن حمد آل ثاني.

ما قد يستجد في ملف الأزمة الخليجية هو خروج الدوحة على مستوى مؤسسة الحكم والنخب السياسية ومكوناتها المجتمعية من فضاء الأزمة الى فضاء أكثر ايجابية وتعايشاً من الواقع الجديد، وذلك عبر صياغة تموضع جديد في المنطقة تواجه فيه التحالف السعودي الإماراتي المتربص بها، وهو ما يقتضي انفتاحاً أكبر تجاه ايران وتركيا والعراق مع الحفاظ على متانة وقوة علاقات الدوحة مع كل من الحليفين في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ الكويت وعمان.   

في المحور الإيراني، لا يبدو أن لدول الخليج (السعودية والإمارات والبحرين) أدوات حقيقية أو كروت اضافية لتلعبها سوى العمل على بذل المزيد من الضغوط على واشنطن لإعادة طهران في “عزلة” لا يبدو أن الأوروبيين متحمسين لها، وهو ما يجعل من ضغوط البيت الأبيض عديمة الجدوى في ظل وجود روسيا وقائمة من الشركاء الأوروبيين وسوق أسيوية مفتوحة أمام طهران.

ومع انخفاض فاتورة الحرب في العراق وسوريا والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن ايرانية عدة لا مفر أمام حكومة الرئيس الإيراني روحاني من المضي قدماً في اصلاحات اقتصادية داخلية أهملتها لسنوات عدة، وهو ما سيجعل إيران أكثر حذراً من الدخول في صراعات خارجية جديدة تزيد عليها معدلات السخط في الداخل، فالإحتجاجات الشعبية وإن تم إحتواؤها إلا أنها تمثل انذاراً حقيقياً وجاداً لمؤسسة الحكم في طهران، وقد يكون الحوثيون – الحلقة الأضعف في حلفاء طهران – من سيدفع فاتورة الإنكفاء الإيراني؛ إن حدث.    

يقابل فرص الحرب التي لا تبدو في أوجها في المنطقة خيار جديد يتمثل في حدوث تغيير دراماتيكي في سياسة الرياض الخارجية التي من تملك مفاتيح الاستقرار في المنطقة؛ خصوصاً وأن صعود ولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان آل سعود الى كرسي الحكم سيجبر الرياض على تهدئة ملفات الإقليم وصولاً لتثبيت حكم الملك الجديد، إذ لا يفترض بالملك الجديد أن يبدأ حكمه بحرب يُقتلُ فيها الآلاف من السعوديين، خصوصاً وأن تدخلاً عسكرياً مع ايران أو قطر لن ينتهي إلا بحرب اقليمية في منطقة تشتبك فيها مصالح دول الإقليم والدول الغربية الكبرى على حد سواء.

التناحر في الإقليم وإن كان في حدوده القصوى، وبما لا يمكن العودة به إلى ما كان عليه، إلا أنه في الوقت ذاته، تناحر لا يزال محسوباً بلغة السياسة ومحددات بقاء الأنظمة وديمومتها. ولئن كانت النتيجة الطبيعة لهذه الفوضى وهذا التناحر هي الحرب إلا أن الركض السريع المشحون بطبول الحرب أنهك القوى وأمات عنصر المفاجأة؛ فتساقطت جياد الحرب – بما أُثقِلت ظُهورُها – تباعاً قبل خط النهاية.  

منشورات أخرى للكاتب