اليمن 2018: السيناريوهات الجديدة

دخل اليمن فصلاً جديداً من الحرب بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2017، برصاص حلفائه في حركة “أنصار الله” الحوثية، بعد أن أنهى ثلاث سنوات من التحالف. وتسيطر تكهنات واسعة حول مسارات المعركة القادمة مع الحركة التي استفردت بالسلطة في صنعاء بعدما سلبوا القوة والنفوذ من صالح، في وقت تثار تساؤلات عدة عن شكل التحالفات الجديدة.
يحمل العام الجديد سيناريوهات متداخلة ومعقدة، بعد بروز حدثين هامين هما: مقتل صالح، ولقاء وليي عهد السعودية والإمارات، بزعيم حزب التجمع اليمني للإصلاح؛ حيث خطفا الأنظار، في وقت يشكل فيه هذان الحدثان رافعتين لرسم معادلة الصراع ضد الحركة الحوثية.

تصعيد عسكري

سيكون التصعيد العسكري، المسار السائد في المرحلة القادمة، وبشكل عنيف، خصوصا في مناطق الساحل الغربي، وقد تفضي إلى اقتحام التحالف العربي مدينة الحديدة (غربا)، بالتزامن مع تقدم للقوات الحكومية في الجبهات الأخرى، بإسناد من التحالف ذاته.
هذه العملية، ستحقق مكاسب هامة، منها: السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي (ثاني أهم ميناء في البلاد)، بما يحرم جماعة الحوثيين من إيراداته الضخمة، التي تمول بها حروبها الداخلية.
إذن، المعطيات على الأرض، تشير إلى انكماش الحركة الحوثية، بما يصب في مصلحة قوات الجيش الوطني الموالي لعبدربه هادي منصور، ومن ورائه التحالف العربي؛ بسبب الحملة العسكرية التي بدأت تجلياتها بالسيطرة على الخوخة، أولى مديريات الحديدة، على ساحل البحر الأحمر، وطرد المقاتلين الحوثيين من أخر معاقلهم في محافظة شبوة جنوب شرق البلاد.
إزاء ذلك، ستتجاذب الأزمة دعوات للتسوية السياسية، والتصعيد العسكري، وإذا مضت العمليات العسكرية بذات الوتيرة الراهنة، فإن العام القادم غير كاف للوصول إلى العاصمة صنعاء، إذا ما تجاوزنا العائق السياسي، الذي يضعه الغرب في طريق تحقيق هذه الغاية.
في المقابل، سيحرص الحوثيون على اثبات تماسكهم عسكريا، لمواجهة الحملة العسكرية ضد مواقعهم، بتصعيد مماثل، خاصة في الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية، بل من المتوقع إطلاق صواريخ باليستية أخرى في اتجاه المملكة.

مستقبل تركة صالح

أما مستقبل تركة صالح السياسية، المتمثلة بـ”حزب المؤتمر الشعبي العام”، فإن ذلك يتحدد بثلاثة سيناريوهات متداخلة، تضع الحزب أمام الانقسام والتشرذم، لأكثر من فصيل. حيث يشير الأول إلى أن جماعة الحوثي ستحتفظ بتحالفها مع حزب المؤتمر، رغم إعلان صالح عن إنهائه قبل مقتله، وذلك من خلال العمل على إعادة ترتيب وضع الحزب، مع من تبقى من قياداته الموجودة في صنعاء، وكانت حاضرة ضمن التحالف المعلن بينهما.
محاولة الحركة الحوثية تتركز على استنساخ حزب المؤتمر، في ظل احتفاظها بقيادات وازنة في صنعاء، منها: “النائب الأول، صادق أبو رأس”، الذي تمنحه اللائحة الداخلية للحزب، حق القيام بمهام رئيس الحزب، حتى انتخاب قيادة جديدة، وهذا ما يراهن عليه الحوثيون، هروبا من محاولات عزلهم سياسيا.
أما السيناريو الثاني: فإعلان الفصيل الموالي لصالح في حزب المؤتمر، الذي يوجد قطاع واسع منهم في الخارج، اعترافه بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والالتحاق بجبهة مواجهة الحوثيين، وهذا يعني التئام المؤتمر بجناحيه المؤيد لهادي والمعارض له سابقا.
لعل الفرصة متاحة، أكثر، أمام الرئيس هادي، ليرث تركة صالح السياسية، وانتشال الحزب من واقعه البائس، وهناك عوامل قوة تدعمه في مساره هذا، أبرزها موقعه السلطوي والحزبي، بوصفه رئيسا للبلاد، وانتماؤه للحزب؛ حيث شغل منصبي “النائب الأول” و”الأمين العام”، قبل استعادتهما من قبل صالح في اجتماع تنظيمي عقد عام 2015.
كما أن حالة القمع التي يتعرض لها أعضاء وكوادر الحزب، قد تجعل من الرئيس هادي طوق نجاة بالنسبة لهم، وهذا الوضع يمنحه القدرة على كسب ولاء قطاع واسع منهم؛ ولذلك سارع الرجل لفتح أبوابه للفارين من سطوة الحوثي، ووجه باستقبالهم في الأراضي الخاضعة لسيطرة حكومته.
في حال نجح الرئيس هادي في كسب ولاء قيادات المؤتمر التي كانت موالية لصالح، خصوصا أعضاء مجلس النواب، فإن ذلك يعد مكسبا مهما، يمكن حكومته من التحضير مجددا لعقد جلسة للبرلمان، لا سيما أن الفرصة متاحة لذلك، بعد مقتل صالح، الذي عرقل اكتمال النصاب القانوني لانعقاده في مدينة عدن (جنوبي البلاد)، في منتصف عام 2017، كون حزب المؤتمر يتمتع بأغلبية داخل البرلمان.
هذه الخطوة، ستتيح لحكومة هادي انتزاع أهم الأوراق التي منحت للحوثيين من قبل صالح، شرعية تشكيل المجلس السياسي الأعلى، وحكومة الإنقاذ غير المعترف بها، وكلاهما شكلا مناصفة بينهما نهاية عام 2016.
فيما يتجلى السيناريو الثالث، وهو الأخطر، الذي قد ينتهي بانقسام حزب المؤتمر الى أكثر من فصيل، وقد تحدده مواقف القيادات الموالية للراحل صالح من حركة “أنصار الله”، وحكومة هادي. حيث يتجلى ذلك في اتخاذها خيارا ثالثا، بمعنى “محايدا” بعيدا عن مواجهة الأول أو الالتحاق بالثاني.
هذا السيناريو، يضع الحزب أمام التشرذم الى ثلاثة فصائل: فصيل موال للحوثي، وفصيل مؤيد للرئيس هادي، الذي يضم قيادات بارزة، إلى جانب هذا الفصيل المحايد.

شكل التحالفات

مما لاشك فيه، أن مقتل صالح ترك فراغا كبيرا في الساحة السياسية؛ حيث كان لاعبا قويا؛ الأمر الذي سيعيد إنتاج المشهد اليمني. والمهمة هنا؛ حيث تقع على عاتق السعودية، قائدة التحالف العربي، والمتضرر الأكبر من هذه الحرب.
يمكننا القول إن الرياض أدركت خطورة قضاء حركة “أنصار الله” على حليفها صالح، وإكمال سيطرتها على صنعاء؛ ذلك أن الفرصة باتت سانحة لصياغة تحالفات جديدة لتشكيل ائتلاف واسع من القوى اليمنية الفاعلة، لمواجهة الحركة المدعومة من إيران.
وقد خطفت الأنظار، اللقاءات الأخيرة، التي جمعت وليي عهد السعودية والإمارات بزعيم حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي) منتصف كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وتشير إلى أن التحالف العسكري بدأ، فعلا، إعادة النظر في صياغة استراتيجيته تجاه هذا الحزب، مع الحاجة إلى إزالة المخاوف، التي كانت متحكمة في مواقف أبوظبي من حضوره في المشهد.
علاوة على ذلك، يدرك التحالف العربي أن حزب الإصلاح يعد الأقوى سياسيا وعسكريا في الساحة، عقب انكشاف حزب المؤتمر وانهيار قواه السياسية والعسكرية أمام قوات الحوثي، وتبخر أسطورة الحرس الجمهوري المتحالفة مع الحركة الحوثية؛ حيث كان الرهان عليها في ضربها من الداخل.
وإذ يسيطر الخوف والحذر على أجواء التفاهمات بين محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، مع قيادات حزب الإصلاح، في المرحلة المقبلة، وهذا ما يصعب التنبؤ بتطور ذلك، في ظل تسارع الأحداث في اليمن.
ويجدر الإشارة الى أن شكل التحالفات القادمة سيكون مرتبطا بتوجهات السعودية والإمارات، ولن يكون المشهد في الجنوب اليمني، بمنأى عن ذلك، في الوقت الذي بدأت الشكوك تتسرب الى المجلس الانتقالي الجنوبي (تشكل مطلع عام 2017 وينادي بالانفصال عن شمال البلاد) جراء مواقف حلفائهم في أبوظبي الأخيرة، خصوصا عقب اللقاء الذي جمع محمد بن زايد مع قادة حزب الاصلاح في العاصمة الرياض.
ولا يستبعد أن تفقد النخب الجنوبية ذات النزعة الانفصالية ثقتها بـ”أبوظبي” حتى وإن بعثت لهم رسائل تطمين، إلا أن أصوات جنوبية تعزز هذه الافتراض، وتدعو لمراجعة سياسات المجلس الجنوبي ومواقفه، واستثمار الوقت بخطوات متقدمة كان أخرها إعلان جمعية عمومية تابعة للمجلس.

عودة نجل صالح

في سياق أخر، مازال الحديث عن النجل الأكبر لصالح، العميد أحمد علي عبدالله صالح، وعودته إلى المشهد اليمني، لقيادة تركة والده السياسية، أمرا مثيرا. فنجل صالح، يمر، حاليا، بأخطر مرحلة، لا تؤهله لمواجهة الحوثيين، بعد ما فقد والده، ومعسكراته، التي أحكم الحوثيون قبضتهم عليها، منذ وقت مبكر، قبل تحالفهم مع والده.
فضلا عن ذلك، فإن الحضور العسكري للجنرال أحمد علي صالح، بات ضعيفا، وغير مؤهل لإحداث أي تغييرات على الأرض، بعيدا عن الجيش الوطني الموالي للشرعية. أما الاعتماد عليه في قيادة إرث والده السياسي “حزب المؤتمر”، فسيكون خطأ استراتيجيا يرتكبه التحالف؛ لأن الرجل لا يتمتع بأي ثقل سياسي، ولا يمتلك نفس الكاريزما والحضور، اللذين تمتع بهما والده، في التأثير على القبيلة، التي قد تتردد في دعمه بعد هيمنة الحوثي عليها.
كما أن نجل صالح مكبل بعقوبات دولية، فرضها مجلس الأمن الدولي، إلى جانب والده، وزعيم “أنصار الله”، وأخرين؛ ولذلك فإن الدفع به الى الواجهة، بحاجة الى إخراجه من القائمة السوداء، الذي أدرج فيها بموجب قرار أممي في نيسان/ إبريل 2015. وهذا المسار، مرتبط، كذلك، بموافقة الرئيس هادي، الذي يسعى لقيادة الحزب.

منشورات أخرى للكاتب