الضرائب المباشرة في السعودية: حصيلة ضئيلة وعدالة مفقودة
تعاني حصيلة الضرائب المباشرة في السعودية من الضعف الشديد الأمر الذي يؤثر على مساهمتها في تمويل الإنفاق العام. كما يفتقر النظام الضريبي إلى الكثير من مقومات العدالة. ولن يعالج “برنامج تحقيق التوازن المالي” هذه المشكلة لأن اهتماماته تنصب على الضرائب غير المباشرة.
نتيجة هبوط أسعار النفط وارتفاع الإنفاق العام نظمت الميزانية العامة للسنة الثالثة على التوالي بعجز بلغ 198 مليار ريال (53 مليار دولار) في العام الجاري 2017. وقد أصبح مؤكداً أن مستوى هذه الأسعار لن يتحسن قريباً. كما لا يشجع الوضع الإقليمي والداخلي على تقليص النفقات العسكرية والأمنية. أمام هذه الحالة بات من اللازم القيام بإصلاحات مالية واسعة النطاق لإعادة التوازن إلى الميزانية العامة. وبدون هذه الإصلاحات تتفاقم الديون الداخلية والخارجية وينضب الاحتياطي النقدي وما يترتب على ذلك من أزمة مالية خطيرة.
لذلك تبنت الدولة برنامج تحقيق التوازن المالي الذي يسعى إلى توازن الميزانية العامة بحلول عام 2020. ويتبين أن الضرائب تلعب دوراً مهماً في هذا البرنامج. لكنه وعلى عكس السياسات المالية الحديثة لا يشير إلى ضرورة مراعاة مبادئ العدالة. كما يعاني من تناقض واضح: فهو يرفض فرض ضرائب على دخول السعوديين ويستحدث ضريبة على القيمة المضافة. والنتيجة واحدة في تأثير هذه الضريبة أو تلك على القدرة الشرائية.
تتجه الإيرادات الضريبية السعودية نحو الارتفاع المطرد. انتقلت من 46.8 مليار ريال في عام 2010 إلى 77.5 مليار ريال في عام 2016 أي بزيادة معدلها السنوي 10.9%. وشملت جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة. باتت السعودية تحتل من حيث الحصيلة الضريبية المركز العربي الثالث بعد مصر والجزائر.
لكن النظام السعودي يتسم بسمة أساسية وهي انخفاض الضغط الضريبي (العلاقة بالنسبة المئوية بين الإيرادات الضريبية والناتج المحلي الإجمالي) الذي يشير إلى أهمية هذه الإيرادات في اقتصاد البلد وبالتالي في ميزانيته. فقد بلغ هذا الضغط 3.2% فقط وهي نسبة متدنية جداً مقارنة بالبلدان الأخرى. وصل الضغط الضريبي إلى 12.6% في مصر و13.4% في الجزائر و22.2% في تونس. وتجاوز 35% في هولندا وألمانيا وبريطانيا و45% في الدانمارك وبلجيكا وفرنسا.
ويتسم النظام السعودي أيضاً بضعف الضرائب المباشرة التي لا تشكل سوى 36.7% من الحصيلة الكلية للضرائب. إذ بلغت حصيلة الزكاة 14 مليار ريال وحصيلة ضريبة الدخل 14.5 مليار ريال. في حين تعد السعودية من الدول ذات الدخل الفردي المرتفع على الصعيد العالمي وهي في مجموعة العشرين.
وتقتصر جميع الإجراءات الإصلاحية الحالية والمستقبلية على الضرائب غير مباشرة باستحداث الضريبة على القيمة المضافة وبزيادة أسعار الرسوم الجمركية. الأمر الذي يقود إلى تراجع المكانة المالية للضرائب المباشرة إذ ستهبط مساهمتها في العام القادم 2018 إلى 23.7%. ستفضي هذه السياسة إلى ارتفاع التضخم وتدهور مستوى معيشة أصحاب الدخول الثابتة والضعيفة.
ضريبة الدخل بدائية
تفرض على الفرد الأجنبي المقيم في السعودية وكذلك على الشركات المملوكة لغير السعوديين المسجلة فيها. في حين لا تعتد التشريعات الحديثة بالجنسية بل بالإقامة سواء كان الشخص مواطناً أم أجنبياً. وتسري على دخول المكلف بها الناجمة في السعودية. في حين تفرض التشريعات الحديثة الضريبة على دخول المقيم المتحققة داخل وخارج بلد الإقامة.
الضريبة السعودية على الدخل نسبية وقدرها 20% وتطبق على الأفراد والشركات على حد سواء. في حين أن الضرائب الحديثة على دخول الأفراد تصاعدية وليست نسبية. أي يزداد سعرها بارتفاع شرائح الدخل. ومن المسلم به أن الأسعار التصاعدية تمتاز بغزارة حصيلتها وعدالة معاملتها مقارنة بالأسعار النسبية.
كما لم نجد في نظام ضريبة الدخل وفي لائحته التنفيذية حداً أدنى للدخل المعفي من الضريبة. وهذا أمر خطير لا يتفق مع العدالة الضريبية. وتؤكد المصادر الفقهية والتاريخية على أن تطبيق الجزية في الدولة الإسلامية كان يراعي الحالة المالية والصحية والمهنية للمكلف بها وهو الذمي. علماً بأن ثلثي الأجانب المقيمين بالسعودية مسلمون. أضف إلى ذلك افتقار القانون السعودي للإعفاءات العائلية. فالأعزب يعامل معاملة المتزوج. ولا فرق بين من له ومن ليس له أطفال. والضريبة السعودية من هذه الزاوية تشبه أول ضريبة دخل فرضت في العراق عام 1927. لكنها ألغيت في عام 1939 وحلت محلها ضريبة تأخذ بنظر الاعتبار الأعباء العائلية. جميع التشريعات الحديثة تراعي هذه الأعباء وتعتبرها من أساسيات العدالة الضريبية.
إن الأسعار النسبية وعدم الاعتراف بالحد الأدنى للمعيشة المعفى من التكليف وعدم تطبيق الإعفاءات العائلية يجعل من ضريبة الدخل السعودية ضريبة بدائية تحتاج إلى إصلاحات جذرية. علماً بأن الرؤية السعودية 2030 وبرنامج تحقيق التوازن المالي والتعليمات الوزارية لا تهتم إطلاقاً بهذه المؤشرات.
التهرب من الزكاة
الزكاة فريضة إسلامية وركن من الأركان الخمسة للدين. لكنها أيضاً فريضة مالية وبالتالي تنطبق عليها ما ينطبق على الضرائب الأخرى. فمن الثابت في العلوم المالية أن التهرب الضريبي يوجد بوجود الضريبة المباشرة ولا يزول إلا بزوالها. وبسبب طبيعة هذه الممارسة وما يترتب عليها من عقوبات يصعب تحديد حجمها خاصة في الدول النامية كالسعودية. هنالك عدة كتابات تشير إلى هذا التهرب وطرقه لكنها لا تتطرق إلى حجمه. وفيما يلي محاولة لتقدير هذا الحجم.
الزكاة تفرض على السعوديين وعلى رعايا دول مجلس التعاون بسعر نسبي قدره 2.5% كقاعدة عامة. ومن المعلوم أن الناتج المحلي الإجمالي هو الوعاء العام لهذه الفريضة. ولما كان حجم هذا الناتج 2411 مليار ريال في عام 2016 فأن حصيلة الزكاة يجب أن تكون 60.2 مليار ريال (حاصل ضرب الناتج المحلي الإجمالي بسعر الزكاة). في حين أن الحصيلة الفعلية 14 مليار ريال فقط. الفرق بين المبلغين يمثل التهرب الضريبي. ويبدو أن حجمه أكبر من ذلك. لأن الزكاة لا تفرض على الدخل فقط بل على رأس المال أيضاً.
والتهرب من الزكاة يقلص دور الدولة في توزيع الأموال ويقود إلى تردي أحوال المحتاجين. فالزكاة هي الأداة المالية الوحيدة التي لا تقتصر على الحصيلة بل تشمل الإنفاق أيضاً. في السعودية هنالك حوالي 800 ألف أسرة فقيرة يفترض أن تستفيد من الزكاة. كلما هبطت حصيلتها انخفضت دخول هذه الأسر. فعلى افتراض أن نصف الحصيلة الفعلية للزكاة يخصص لها فسوف تحصل كل عائلة على 8750 ريالاً في السنة. ولا يمثل هذا المبلغ سوى 6% من الحد الأدنى الضروري لمعيشة الأسرة السعودية. وعلى افتراض صحة حسابنا أعلاه لو لم يكن التهرب موجوداً لتضاعف هذا المبلغ أربع مرات على الأقل.
لا ينجح الإصلاح المالي إلا عبر معالجة الأسباب التي تفضي إلى تفاقم التهرب الضريبي. الإصلاح لا يعني بالضرورة إقحام ضرائب جديدة مباشرة كانت أم غير مباشرة والتي ستقود إلى تعقيد النظام الضريبي. كان من الأفضل الاكتفاء بالضرائب القديمة مع إعادة النظر في تنظيمها وإدارتها وتحصيلها لمعالجة مشاكلها.
معاملة ضريبية متباينة
عند تساوي المقدرة التكليفية تستوجب العدالة خضوع الشخص لعبء ضريبي يعادل ذلك الذي يخضع له شخص آخر. وهذا من مسلمات السياسة المالية السليمة التي لا تسمح باختلاف المعاملة الضريبية حسب جنس المكلف أو لونه أو معتقداته أو جنسيته.
أجرينا حساباً للعبء الضريبي المباشر فتبين أن الفرد السعودي يدفع زكاة معدلها السنوي 673 ريالاً (حاصل قسمة إيرادات الزكاة على عدد السعوديين). في حين وصل المعدل السنوي للأجنبي من ضريبة الدخل إلى 1407 ريالات (حاصل قسمة إيرادات ضريبة الدخل على عدد الأجانب المقيمين). ولما كان الدخل الفردي للسعودي أعلى بكثير من الدخل الفردي للأجنبي يصبح العبء الضريبي المباشر المفروض على الثاني أعلى بكثير من ذلك المفروض على الأول. حسب الإحصاءات الأخيرة لوزارة العمل بلغ متوسط الراتب الشهري في القطاع الخاص 4967 ريالاً للسعودي مقابل 1154 ريالاً للأجنبي. أي يمثل العبء الضريبي 1.1% من راتب السعودي و 10.1% من راتب الأجنبي. وعند الرجوع إلى الأسعار الضريبية المذكورة أعلاه نلاحظ أن الأجنبي يخضع لسعر يعادل ثمانية أضعاف السعر الذي يخضع له السعودي.
سوف لن يقود برنامج التوازن المالي إلى إزالة هذا الجور بزيادة العبء الضريبي المباشر على السعودي وبتقليص العبء الضريبي المباشر على الأجنبي. لأن هذا البرنامج ينص صراحة على منع فرض ضريبة على دخل السعوديين. ولا توجد أية بادرة للتخفيف من ثقل الضرائب على الأجانب. النظام الضريبي لا يمكن أن يكون مناسباً إلا استطاع إقامة نوع من التوازن بين هدفه في الحصول على الإيرادات واعتبارات العدالة.