ملف الصحراء: دول الخليج في الدبلوماسية المغربية

 خلال القمة الإفريقية الأخيرة (يوليو 2016) في العاصمة الرواندية كيغالي، تقدمت المملكة المغربية عبر مساعٍ دبلوماسية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي قصد استعادة عضويتها، وذلك إثر انسحاب من هذه المنظمة يعود إلى سنة 1984 قبيل انضمام جبهة البوليساريو (الفصيل الحاكم في الصحراء الغربية) بمقعد خاص تحت اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمنظمة الإفريقية. ورغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بتبعية الصحراء إلى السيادة المغربية إلا أن الرباط سعت عبر وساطات دبلوماسية وتحالفات بينية وإقليمية لجعل الصحراء مغربية.

وفي هذا الإطار تتنزل رغبة المغرب الملحّة في العودة إلى الحاضنة الإفريقية شرط التخلي عن عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية رغم أن الاتحاد ومن وراءه مجموعة الدول الداعمة لاستقلالية الصحراء تدفع قدماً نحو نيل سكان الصحراء استقلالهم الذاتي وحقهم في إجراء استفتاء لتقرير مصيرهم.

وأمام رفض كل من تونس ومصر الطلب المغربي بسحب عضوية جبهة البوليساريو من منظمة الاتحاد الإفريقي، أصبحت المملكة المغربية في عزلة سياسية ودبلوماسية في مجالها المغاربي والإفريقي خاصة مع تنامي التوتر مع جارتها الجزائر الداعم الرسمي لانفصال الصحراء عن المغرب.

التحالف مع دول الخليج يلقي بضلاله على قضية الصحراء

 في ظل هذه العزلة الإقليمية في المجالين الجغرافي المغاربي والإفريقي، عمد المغرب إلى توثيق علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي. ولأن علاقات المغرب الدبلوماسية ظلت لعقود أسيرة طرح يرتبط بقضية الصحراء، فإنّ سعي المغرب للانخراط في تكتل مجلس التعاون الخليجي وسعيه إلى إيجاد مجال لتحالف عربي يعكس حرص الرباط لتكوين تحالف بيني مغربي–خليجي يقوم أساساً على مصلحة الطرفين في الدفاع عن الوحدة الترابية واحترام السيادة الوطنية للبلدان المعنية بما في ذلك وحدة المغرب الترابية.

وفي هذا الإطار يتنزل البيان الختامي للقمة الخليجية المغربية[1] التي عقدت في أبريل 2016 بالعاصمة السعودية الرياض، الذي ابرز موقف دول الخليج الداعم للمغرب في قضية الصحراء مؤكدين أن موقفهم  من قضية الصحراء المغربية مبدأي كونها أيضاً قضية دول مجلس التعاون. كما أكد القادة الخليجيون في هذا البيان رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للمغرب وأي تهديد للأمن والسلم الإقليمي والدولي مؤكدين التزامهم بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم بالوقوف في وجه أية محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار ونشر نزعة الانفصال والتقسيم.

التعاون السياسي والعسكري

سعت المملكة المغربية أن تكون طرفاً في محور تحالف الملكيات السنية (دول الخليج والأردن) وهو تحالف ذو أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية سيكون واجهة أمام امتداد النفوذ الشيعي في المنطقة العربية.  ويتجلى هذا التوجه المغربي مؤخراً في دعم قرار البحرين إسقاط الجنسية عن رجل الدين الشيعي عيسى قاسم في يونيو 2016 من جهة، و دعم استقلالية البحرين ووحدتها الوطنية في صراعها مع إيران منذ العام 2009 الذي أسفر عن تصعيد مغربي نتج عنه قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والتي لم تستأنف إلا سنة 2015.

كما ويستفيد المغرب من التعاون السياسي مع دول الخليج في الحفاظ على نفوذه الإقليمي في منطقة المغرب العربي على حساب الجارة الجزائر الداعم الرئيسي لانفصال الصحراء عن المغرب والحليف الاستراتيجي لإيران في المنطقة في محاولة لعزلها في محيطها العربي لا سيما مع رفضها فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة ومعارضتها لتدخل قوات التحالف العربي في اليمن وليبيا.

أما عن تعاونه العسكري مع دول الخليج، يتحصل المغرب على دعم مالي سعودي على مدى 4 سنوات (2016-2019) للصناعة الحربية في المغرب بتوفير 22 مليار دولار قصد تعزيز قدرات الردع للقوات المسلحة الملكية المغربية وذلك بحسب التقرير الذي ورد بموقع أمريكي متخصص في الصناعة الحربية[2]، إلى جانب عدة تمويلات مالية من الإمارات والسعودية قصد اقتناء الأسلحة المتطورة.

ومن جانبه، أعلن المغرب خلال سنة 2014 دعمه الاستخباراتي والعسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجابهة تهديدات الدولة الإسلامية ومواجهة الإرهاب ويندرج هذا التعاون تحت إطار استراتيجية الحكومتين لمكافحة الإرهاب المعروفة باسم عملية “حذر” التي تقوم على نشر قوات الشرطة والعسكر في مختلف أرجاء البلاد لمراقبة النشاط الإرهابي المحلي وردعه.

ويأتي اتفاق التعاون البيني في المجال العسكري بعد دعوة مجلس التعاون للملكيات العربية المغرب والأردن للدخول في تحالف عسكري في أبريل 2014 وهو ما أفرز مشاركة لسلاح الجو المغربي بستة مقاتلات جوية في عملية عاصفة الحزم سنة 2015 التي نفذها تحالف ضم 10 دول بقيادة المملكة العربية السعودية في حربها على الحوثيين في اليمن.

التعاون الاقتصادي

أخذت العلاقات المغربية الخليجية منحى التحالف الاستراتيجي في مجال الاستثمار الاقتصادي، وخلال العام 2012 تم التوقيع في المنامة على مخطط عمل خماسي (2012-2017) يشمل مجالات متعددة بآليات تقارب آليات الشراكة التي تربط المغرب بالاتحاد الاوروبي، وبلغ حجم المنح الخليجية التي استفادت منها الحكومة المغربية العام 2013 حوالي 756 مليون دولار، مثلت 68 في المائة من مجموع المنح الخارجية التي استفاد منها المغرب خلال السنة نفسها.

و رغم الفتور الذي طبع علاقة الرباط بالدوحة لا سيما بانتهاج سياسة إعلامية اعتبرها المغرب معادية له بفتح المجال الاعلامي عبر قناة الجزيرة الإخبارية لزعماء جبهة البوليساريو وتوظيف قضية الصحراء توظيفاً سياسياً داعماً لانفصال الصحراويين، إلا أن بوادر تحسن العلاقة بين البلدين ظهرت مع تولي الأمير تميم السلطة وتوثقت أكثر إثر الزيارة التي أداها الملك محمد السادس إلى دول الخليج العام 2012 والتي أسفرت عن التزام قطر بتقديم معونات مالية للمغرب قدرت بــ 5 مليار دولار على مدى خمس سنوات.

وتتمثل الاستثمارات القطرية في المغرب في المساهمة في مشروع “وصال كابيتال البيضاء” في الدار البيضاء، الذي يسعى لإنجاز سلسلة مشروعات صناعية وسياحية وترفيهية بالعاصمة الاقتصادية للمغرب.

إلى ذلك، تحتل الإمارات المركز الأول من حيث إجمالي الاستثمارات العربية في المغرب بفضل التدفق الكبير للاستثمارات الإماراتية، وتستثمر الإمارات اليوم بأكثر من 20 شركة ومؤسسة في قطاعات المقاولات والعقارات والسياحة والتصنيع وتوليد الطاقة والنقل الجوي للركاب والبضائع وصيد الأسماك والنفط والغاز الطبيعي وصناعة الأدوية والمستحضرات الطبية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات والمغرب ما قيمته 1.25 مليار درهم خلال العام 2014، في حين سجلت تجارة الإمارات مع المغرب من المناطق الحرة 448.47 مليون درهم في العام ذاته.

وتقدر حجم الاستثمارات السعودية في المغرب بين سنتي 2015 و2016  بنحو 4 مليارات دولار في مشاريع مختلفة في قطاعات الطاقة والعقار والصناعة والزراعة والفنادق والتجارة.  أما التجارة البينية بين الرباط والرياض فقد قدرت بنحو ثلاثة مليارات دولار، وتعد السعودية خامس مصدّر للمغرب بعد إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين.

كما أعلن مجلس الأعمال المغربي السعودي في تشرين الثاني 2013 عن إنشاء “المملكتين للنقل البحري” وهي شركة للملاحة التجارية (يزيد رأسمالها عن مليار درهم مغربي) تربط بين ميناءي الدار البيضاء وجدة، وتهدف لتقليص كلفة النقل وزيادة قيمة المبادلات التجارية بين البلدين.

الحنين للحاضنة الإفريقية

ونظراً لما تمثله قضية الصحراء في السياسة الخارجية المغربية، سعى الملك المغربي محمد السادس مؤخراً إلى تعديل بوصلة علاقاته الدبلوماسية لا سيما مع الجزائر والدول الإفريقية، وشدد في خطابه بمناسبة إحياء الذكرى الثالثة والستين لثورة الملك والشعب في 20 أغسطس 2016، على انتماء المغرب العميق إلى محيطه المغاربي والإفريقي مبيناً العلاقات المميزة التي لطالما ربطت المقاومة المغربية بجبهة التحرير الجزائرية في مقاومة المستعمر الفرنسي، كما دعا إلى إحياء هذه الروح النضالية من جديد بين البلدين الشقيقين خدمة لقضايا المنطقة ودفعاً للتعاون التنموي والأمني المشترك المغاربي والإفريقي.

يؤكد الخطاب السياسي الجديد للملك محمد السادس حرص المغرب للعودة إلى الساحة الإفريقية بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود. والملاحظ مؤخراً في توجهات وأولويات السياسة الخارجية المغربية انفتاحها نحو أفريقيا لتكون قبلة استثماراتها الاقتصادية والمصرفية والتنموية وحتى الاجتماعية وذلك من خلال الزيارات التي أداها الملك محمد السادس برفقة فريق من رجال الأعمال المغاربة إلى عدد من الدول الإفريقية.

المغرب و إيران: صفحة جديدة

أما بالنسبة لعلاقة المغرب مع إيران، فرغم ارتباط المغرب بتحالفات سياسية واقتصادية مع دول الخليج العربية ومع السعودية أساساً، إلا أن مساعي كل من الرباط وطهران جادة في إحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كالتهنئة الرسمية التي قدمها الملك محمد السادس، في فبراير 2016، للرئيس الإيراني حسن روحاني بمناسبة ذكرى الثورة الإسلامية، وإعادة فتح السفارة الإيرانية بالمغرب، وتبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية. كما مثل موقف المغرب الحيادي تجاه الأزمة بين الرياض وطهران عقب إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر في يناير 2016 منعرجاً هاماً في السياسة الدبلوماسية مع طرفي الخلاف حيث دعت الرباط في بيان لوزارة خارجيتها البلدين إلى ضبط النفس وعدم الانزلاق نحو الصراع السياسي والعسكري.

إن تعاظم الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، جعل المغرب يراهن على حليف جديد يخفي وراءه رهاناً أعمق يمتد إلى محور تحالفات إيران كروسيا ودول أمريكا اللاتينية في مسألة دعم تبعية الصحراء للمغرب، خاصة أن إيران من الدول التي سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو الانفصالية. فحسب تصريح قدمه السفير الإيراني بالمغرب[3]، في يوليو 2016، أكد أن سفير بلاده بالجزائر “طرد مندوب البوليساريو” و أن إيران تعتبر هذا الملف “سبب قطع العلاقات بين البلدين” مؤكدا أن إيران تعتبر “الصحراء مغربية وجبهة البوليساريو مرتزقة وانفصاليين ولا يمكن لطهران الاعتراف بهم لأن التوجه الرئيسي في علاقات إيران الدبلوماسية مؤسس على لم الشمل وضد الانفصال الذي هو خطة غربية لتقسيم بلاد العرب والمسلمين”.

إن علاقات المغرب الخارجية تدور حصراً في فلك ملف الصحراء، و كما في سائر العلاقات الدولية التي يحكمها منطق المصلحة السياسية والاقتصادية والمذهبية والثقافية، فالمغرب من أجل ضمان مغربية الصحراء يعتمد دبلوماسية مزدوجة ومتغيرة مع الجميع حلفاء وأصدقاء وحتى الخصوم لتبقى العلاقة رهينة يحكمها تيرموميتر “مع الانفصال أو ضده”.

[1]www.alriyadh.com/1148813

[2]http://www.defenseindustrydaily.com/boeing-wins-10-year-contract-for-t-38c-support-saudis-pledge-big-to-help-morocco-develop-military-elbit-and-flextronics-battle-to-win-bid-for-imi-032337/

[3]www.analkhabar.com

منشورات أخرى للكاتب