ما جدوى الطاقة النووية في الإمارات؟

يرتفع الاستهلاك السنوي للطاقة الكهربائية في الإمارات بنسبة 9% أي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، وقد وصل في العام المنصرم إلى 130 تيرا وات/ ساعة (مليار كيلو وات/ ساعة) أي أعلى من الاستهلاك السنوي للمغرب والجزائر وتونس مجتمعة.
للتصدي لهذا الوضع تتولى الدولة زيادة القدرة التشغيلية للمولدات العاملة بالغاز الطبيعي لذلك لا تعاني الإمارات من نقص في العرض. وبدلاً من الاستمرار بهذه السياسة ورغبة في تلبية الحاجات المتزايدة وتحت وطأة عدم كفاية إنتاج الغاز الطبيعي مقارنة بالاستهلاك اختارت الدولة الطاقة النووية.

أربعة مفاعلات
في عام 2009 عقدت الإمارات اتفاقاً مع شركة كيبكو الكورية يتضمن تزويد البلد بأربعة مفاعلات (أي بي آر) سعة كل منها 1400 ميغا وات. وفي عام 2012 بدأ تشييد محطة براكة الواقعة غرب أبوظبي لاستقبال هذه المفاعلات. ووصل الإنجاز الإجمالي حالياً إلى 74%. وسيكون المفاعل الأول جاهزاً اعتباراً من السنة الجارية، 2017. وبذلك، تصبح الإمارات أول دولة عربية منتجة للكهرباء بالطاقة النووية. وستكون المفاعلات الأربعة عاملة في عام 2020.
من المعلوم أن الميغا وات يولد طاقة كهربائية قدرها ميغا وات/ ساعة. بمعنى أن المفاعل الواحد لمحطة براكة يولد 33.6 جيجا وات/ ساعة في اليوم أي 12.2 تيرا وات/ ساعة في السنة. لكن المفاعل النووي لا يعمل طيلة أيام السنة بل يتوقف عن الإنتاج لمدة شهرين تقريباً لإجراء عمليات الصيانة. وبالتالي، فإن الإنتاج الفعلي السنوي 10.1 تيرا وات/ ساعة. وعلى هذا الأساس، فإن عدد المفاعلات اللازمة لتغطية الاستهلاك الكلي (حاصل قسمة الاستهلاك السنوي على الإنتاج الفعلي للمفاعل الواحد) سيكون 13 مفاعلاً سعة كل منها 1400 ميغا وات. بيد أن الخطة الحالية تكتفي بالمفاعلات الأربعة الحالية ولا توجد نية لزيادتها.
بموجب هذا الحساب تلبي محطة براكة 31% من حاجات البلاد. أما مؤسسة الإمارات للطاقة النووية فتشير إلى 25% لأن حساباتها تعتمد على الاستهلاك الكهربائي لعام 2020.

انخفاض سعر الشراء
بلغت القيمة الكلية للمفاعلات الأربعة 20.4 مليار دولار. وهكذا حقق المفاوضون الإماراتيون مكسباً مالياً لا يستهان به، إذ أن أسعار المفاعلات المماثلة المنتجة في دول أخرى أعلى من ذلك.
هنالك عدة أسباب لعبت دوراً في موافقة كيبكو على هذا السعر، فقد كانت الشركة تعاني من مديونية مرتفعة مما دفعها إلى البيع بأسعار منخفضة، كما تمثل الإمارات أول صفة خارجية لهذه الشركة التي أرادت توسيع أنشطتها التجارية وبالتالي تحسين مركزها المالي وسط منافسة دولية حادة وأزمة اقتصادية عالمية خانقة.
وتشير تقارير فرنسية إلى أن المفاعلات الكورية لا ترقى من حيث جودتها إلى المفاعلات الفرنسية. يتعين التعامل مع هذه المعلومات بحذر شديد لأن فرنسا كانت تأمل بيع مفاعلاتها للإمارات، لكن الاختيار وقع على الشركة الكورية بسبب ارتفاع أسعار المفاعلات الفرنسية.
لا شك أن كوريا الجنوبية من الدول المتطورة في صناعتها النووية والكهربائية منذ عدة عقود، لكن المفاعلات المباعة للإمارات تعتمد على تكنولوجيا أمريكية مملوكة لشركة وستنكهاوس التي باعت رخصة التصنيع لكيبكو. ويلاحظ أن كوريا بدأت بإنتاج مفاعل 1400 ميغا وات في عام 2008 إذ أن سعة مفاعلاتها قبل هذا التاريخ تقل عن ألف ميغا وات وتنتمي إلى الجيل الثاني. وهكذا اشترت الإمارات مفاعلات من الجيل الثالث غير عاملة أساساً في البلد المنتج. في حين يستوجب المنطق شراء معدات معروفة عملياً في البلد المنتج. وعلى الرغم من انخفاض سعر الشراء فأن كلفة الطاقة النووية مرتفعة جداً قياساً بالمصادر الأخرى للطاقة.

ارتفاع الكلفة
إلى جانب سعر المفاعل النووي هنالك عناصر عديدة تدخل ضمن كلفة الطاقة الكهرونووية وهي التشغيل والتفكيك والحوادث. فمصاريف التشغيل ضرورية للإنتاج وتتكون من أجور العاملين وثمن اليورانيوم المخصب ونفقات الصيانة السنوية.
وفق البيانات الرسمية ستشغل محطة براكة حوالي 2200 شخصاً. وعلى الرغم من أن غالبية المهندسين والباحثين والفنيين أجانب ستكون هذه الطاقة عاملاً مشجعاً لتأهيل جدل جديد من المواطنين للعمل في المحطة.
وتحتاج المفاعلات الإماراتية إلى كميات كبيرة من الماء للتبريد وتهدئة سرعة النيترونات. وهذه مشكلة في دولة تستهلك قسطاً كبيراً من وقودها لتحلية المياه.
تعمل المفاعلات باليورانيوم غير المتوفر في الإمارات. كما يتعين تخصيب هذه المادة وهي صناعة غير موجودة في الإمارات ودول الخليج الأخرى. بل أن السلطات العامة تمنع صراحة التخصيب على أراضيها. وتعتبر هذه الصناعة غير مجدية نظراً لقلة عدد المفاعلات. لذلك تستورد الدولة اليورانيوم المخصب فتصبح تابعة للتكنولوجيا الأجنبية ليس من حيث تصنيع المعدات فحسب بل من حيث تشغيلها أيضاً.
لقد اختارت الدول الصناعية الكبرى الطاقة النووية للحد من استيراد الوقود الاحفوري. وبذلك أحرزت تقدماً كبيراً في استقلالها الطاقي. في حين أن المفاعلات النووية في بلد غير صناعي وغني بالنفط والغاز الطبيعي كالإمارات تخلق تبعية طاقية وتكنولوجية.
كما سيخزن البلد كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب لضمان الإمدادات. وهذا الوضع الضروري للتشغيل يطرح مشكلة سلامة وتمويل التخزين. وتجدر الإشارة إلى أن الدولة أبرمت عقوداً قيمتها ثلاثة مليارات دولار مع شركات روسية وأمريكية وكورية لتزويد محطة براكة باليورانيوم المخصب لمدة 15 سنة. بمعنى أن المفاعل الواحد يحتاج إلى كمية من اليورانيوم قيمتها 50 مليون دولار في السنة.
وأما الصيانة الدورية فتجري لتأمين سلامة المفاعل. وترتبط بقطع الغيار والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والتوقف السنوي عن الإنتاج. وبكيفية عامة تقدر المصاريف السنوية لتشغيل مفاعل قدرته 1400 ميغاوات بنحو 240 مليون دولار. أي ستصل نفقات المحطة الإماراتية إلى مليار دولار سنوياً.
صممت مفاعلات براكة للعمل لمدة ستين سنة. وقد تتخذ السلطات العامة قبل نهاية هذه الفترة قراراً للخروج كلياً أو جزئياً من الكهرباء النووي لسبب أو لآخر. عندئذ ينبغي تفكيك المفاعل. وهذه عملية معقدة وتتطلب خبرات عالية ووقتاً طويلاً يفوق عادة فترة الإنشاء وتستوجب رصد أموال طائلة. في ألمانيا قدرت كلفة التفكيك بمليار يورو لكل ألف ميغاوات من القدرة التشغيلية. بمعنى أن تفكيك محطة براكة سيكلف (بالأسعار الحالية) حوالي ستة مليارات دولار أي 29% من سعر الشراء.
ولابد من معالجة النفايات النووية بتخزين ومراقبة اليورانيوم المستنفذ. ولا يجوز بحال من الأحوال غض الطرف علن احتمال حدوث خلل في مفاعل قد يفضي إلى كارثة إنسانية ومشكلة اقتصادية خطيرة. ناهيك عن احتمال تعرض المحطة النووية للتخريب المتعمد رغم الوسائل الدفاعية المتطورة التي تسهر على سلامتها والتي تتطلب اعتمادات إضافية.
لقد أصدرت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية بياناً ذكرت فيه أن محطة براكة تطلبت لحد الآن ثلاثة أضعاف كمية الخرسانة المستخدمة في برج خليفة وستة أضعاف كمية الحديد المستخدمة فيه. والواقع أن هذه المقارنة غير منطقية. فلا يجوز قياس محطة نووية بعمارة تجارية. كان من الأولى إجراء المقارنة مع محطة نووية فرنسية أو أمريكية أو روسية.
تقتضي الحادثة الخطيرة للمفاعل النووي معالجة المصابين وتعويض المتضررين. وإعادة تأهيل المناطق المنكوبة. والتصدي لتردي الوضع الزراعي. وقد تصاب دول مجاورة بالشعاع النووي. يتطلب هذا الوضع إنفاق أموال تعادل أضعاف ما تم صرفه لشراء المحطة النووية. وينبغي أن يعلم المواطن الإماراتي أن في مقابل هذه الكلفة العالية والمخاطر المحتملة ستقود الطاقة النووية إلى انخفاض فاتورة الكهرباء بنسبة 15% فقط من المبلغ الذي يدفعه حالياً.
أن عدم كفاية إنتاج الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي لا يبرر خيار الطاقة النووية. علماً بأن الإمارات تحتل المرتبة العالمية السابعة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي الذي يكفيها لمدة تفوق قرناً. ستقود الطاقة النووية إلى تزايد التبعية التكنولوجية وانخفاض الاستقلال الطاقي. أمام هذا الأمر الواقع تقتضي الحكمة الاكتفاء بمحطة براكة والعمل على تنمية الطاقة الشمسية والاستمرار بتحسين القدرة التشغيلية للمولدات العاملة بالغاز الطبيعي وترشيد الاستهلاك. أما في حالة حدوث خلل في مفاعل ما فيتعين تفكيك المحطة فوراً والتخلي كلياً عن الطاقة النووية.

منشورات أخرى للكاتب