الصندوق السيادي السعودي في رؤية 2030: المهمة مستحيلة
بسبب اعتماد الميزانية العامة على الإيرادات النفطية وبالنظر لهبوط أسعار الخام وتزايد الإنفاق العام المدني والعسكري ظهر عجز مالي قدر في الميزانية الحالية بمبلغ 198 مليار ريال سعودي أي 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة عالية وفق المعايير المتعارف عليها. يترتب على ذلك تفاقم الديون الداخلية والخارجية من جهة وتباطؤ الاحتياطي النقدي من جهة أخرى. علماً بأن العجز التقديري قد يكون أقل من العجز الفعلي في الحساب الختامي. فعلى سبيل المثال، وحسب جداول وزارة المالية، قدر العجز لعام 2015 بمبلغ 145 مليار ريال. لكنه ارتفع فعلياً إلى 367 مليار ريال. لمعالجة هذا الوضع الخطير تقترح رؤية السعودية 2030 زيادة رأسمال الصندوق السيادي فترتفع أرباحه وتتحسن الإيرادات العامة غير النفطية. ويعود بالتالي التوازن (بموجب برنامج التحول الوطني) إلى الميزانية العامة اعتباراً من عام 2020.
تملك السعودية صندوقين: الصندوق الأول “ساما” برأسمال قدره 576 مليار دولار. ويصنف في المركز العالمي الرابع. والواقع لم تكن الحكمة الأساسية من إنشائه الاستثمار وتحقيق الأرباح بل قيادة السياسة النقدية للبلاد. إنها مؤسسة النقد العربي السعودي أي البنك المركزي الذي يستثمر احتياطاته النقدية في السوق العالمية، وبالتالي يتصرف عملياً كصندوق سيادي.
أما الثاني فهو صندوق الاستثمارات العامة. يبلغ رأسماله 160 مليار دولار ويحتل بذلك المرتبة العالمية الثالثة عشر. لديه استثمارات داخلية في المصارف والبتروكيماويات والتقنية والعقارات، واستثمارات خارجية في سندات الحكومات وأسهم الشركات.
يسهم الصندوقان مساهمة فاعلة في تمويل الإنفاق العام ويتمتعان بمكانة اقتصادية مرموقة، إذ يعادل رأسمالهما 114% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن تأثيرهما كبير في حالة الربح وفي حالة الخسارة، وهذا الدور يفوق بكثير الدور الذي يلعبه الصندوقان الصينيان (الثاني والسادس في العالم) لأن رأسمالهما لا يتجاوز 12% من الناتج المحلي الإجمالي للصين. رغم هذه المكانة، لا تشكل أرباح الصندوقين السعوديين سوى 11% من إيرادات الدولة. وهي غير كافية لتغطية العجز المالي.
زيادة رأس المال
تتضمن رؤية السعودية رفع رأسمال صندوق الاستثمارات العامة إلى سبعة ترليونات ريال أي 1870 مليار دولار ليصبح أكبر صندوق سيادي في العالم. يمثل هذا المبلغ 289% من الناتج المحلي الإجمالي. أنه مبلغ هائل. لو خصص نصفه للأنشطة الخارجية فسوف يكون كافياً لشراء مايكروسوفت الأمريكية وتوتال الفرنسية إضافة إلى خمس شركات تعادل كل منها قيمة دايملر الألمانية (مرسيدس).
ترى كيف يمكن توفير هذا المبلغ تحت ظل عجز مالي منذ ثلاث سنوات؟
بكل بساطة سيتم نقل ملكية أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة. ومن المعلوم أن رأسمال أرامكو يعادل الزيادة المستقبلية لرأسمال الصندوق. وعلى هذا الأساس لا يعني ارتفاع رأسماله نمو ثروة الدولة بل نقلها من إدارة إلى أخرى.
عند تتبع حركات رؤوس الأموال في أكبر الصناديق السيادية يتبين عدم وضوح الاتجاه نحو زيادتها. ففي عام 2016 مقارنة بالعام السابق ارتفع رأسمال صندوق أبو ظبي وتراجع رأسمال الصندوق السيادي لكل من النرويج وكوريا وقطر، وارتأت الكويت عدم تغيير حجم رأسمال صندوقها، وهي السياسة التي اتبعها الأمريكيون والهولنديون، وقررت الصين زيادة رأسمال صندوق الاستثمارات الصينية لكنها خفضت رأسمال صندوق سيف للاستثمارات. وسجل ساما هبوطاً هائلاً هو الأعلى في العالم وقدره 109 مليارات دولار. بمعنى آخر لا توجد قناعة أكيدة بجدوى زيادة رأس المال حالياً. التريث مطلوب تحت ظل تعثر قيم الأسهم والأزمة العالمية. لاشك أن السلطات السعودية تدرك تماماً هذا الوضع بسبب خبرتها في ميادين الاستثمار. زيادة رأسمال صندوق الاستثمارات العامة ستكون تدريجية وستستغرق عدة سنوات.
المبالغة في تقدير الأرباح
المشكلة الأساسية ترتبط بالأرباح المتوقعة من هذا الصندوق العملاق، إذ تخلو الرؤية من تقدير لحجمها وبالتالي يصعب التعرف على كيفية مساهمتها في تمويل ميزانية الدولة وعلى دورها في تنويع مصادر الإيراد العام. لكن تصريحات كبار المسؤولين التي أثرت بآراء بعض الخبراء والكثير من الكتابات تؤكد على أن الأرباح السنوية المتوقعة من هذا الصندوق لا تقل عن 8% من رأسماله. وبعملية حسابية بسيطة نستنتج بأنها ستفوق 150 مليار دولار. أما العجز المالي للسنة الجارية فلا يتعدى 53 مليار دولار. سيقود هذا الصندوق (حسب تلك التصريحات) إلى تغيير جذري في مالية الدولة التي ستنتقل من عجز إلى فائض. وفي تصريحات أخرى لمسؤولين مفادها أن ميزانية الدولة ستحقق فائضاً اعتباراً من عام 2020 حتى وإن هبط سعر النفط إلى 30 دولاراً للبرميل.
لا ينشر الصندوقان السعوديان حجم أرباحهما، الأمر الذي يفسر تدهور درجة الشفافية، فقد حصل كل منهما على أربع نقاط من عشرة حسب تقدير معهد صناديق الثروة السيادية. لذلك كان من اللازم العودة إلى الميزانية العامة التي ذكرت بأن إيرادات ساما بلغت 62 مليار ريال وإيرادات صندوق الاستثمارات العامة 15 مليار ريال. حجم الأرباح يعادل إذاً 2.8% من رأس المال، وهذا أقل بكثير مما يصرح به المسؤولون. والواقع تمثل هذه النسبة معدل أسعار الفائدة في السندات الحكومية الأوروبية والأمريكية التي تستحوذ على قسط كبير من الاستثمارات السعودية.
لاشك أن زيادة رأس المال إلى سبعة مليارات ريال لن تقود إلى ارتفاع هذا المعدل بل إلى تحسن قيمة الأرباح. عندئذ تصبح قيمتها 47 مليار دولار أي ثلث تقديرات المسؤولين. وهذا الثلث لا يحقق فائضاً مالياً بل لا يغطي العجز بمستواه الحالي. ناهيك عن أن زيادة أرباح الصندوق سيقابلها نقص في إيرادات الميزانية العامة المتأتية من أرامكو التي ستنتقل ملكية أصولها إلى الصندوق كما أسلفنا.
التوازن المالي
لنفترض أن الصندوق العملاق موجود حالياً وأن الضريبة على القيمة المضافة مطبقة منذ سنوات وأن سعر برميل النفط هبط إلى 30 دولاراً طيلة السنة الحالية. ترى كيف ستكون ميزانية الدولة؟
ستتقلص الإيرادات النفطية إلى 288 مليار ريال. ولما كان حجم الإنفاق العام 890 مليار ريال فإن تحقيق التوازن المالي يستوجب إيرادات غير نفطية بمبلغ 602 مليار ريال (الفرق بين الإيرادات النفطية والنفقات العامة).
أرباح الصندوق السيادي تبلغ 47 مليار دولار أي 175 مليار ريال. وحصيلة الضريبة على القيمة المضافة في أفضل الحالات 25 مليار ريال. وتبلغ الإيرادات الأخرى من الرسوم والضرائب والغرامات والزكاة وغيرها 122 مليار ريال، وبالتالي يصل مجموع الإيرادات غير النفطية إلى 322 مليار ريال. وهكذا، لا يمكن بلوغ التوازن المالي (من زاوية الإيرادات العامة) إلا في إحدى الحالات الثلاث التالية: الحالة الأولى، ارتفاع سعر البرميل إلى ستين دولاراً. والحالة الثانية، زيادة رأسمال الصندوق السيادي إلى 18 ترليون ريال، وهذا غير ممكن بحكم الوضع المالي للدولة والمؤشرات الاقتصادية العالمية. والحالة الثالثة، استحداث ضرائب جديدة إلى جانب الضريبة على القيمة المضافة والضرائب الأخرى والزكاة بحيث يدفع كل سعودي مبلغاً إضافياً قدره ألف ريال شهرياً، وهذا عبء ثقيل ويتناقض مع الرؤية التي تدعو إلى تحسين المقدرة الشرائية وزيادة المدخرات الفردية، كما تنص على ما يلي: “لن نفرض على المواطن أي ضريبة على الدخل أو الثروة أو السلع الأساسية”. علماً بأن مثل هذا الالتزام غير مريح لمالية الدولة ولا ينسجم مع المصلحة العامة.
أما حصيلة الخصخصة فلا تتسم بالدورية. إذ لا يعقل أن تبيع الدولة مؤسساتها سنوياً لسد العجز المالي، ناهيك عن سلبيات هذه العملية المتمثلة بارتفاع أسعار الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص وبتنصل الدولة عن التشغيل. وتجدر الإشارة إلى أن الرؤية تتضمن خصخصة مؤسسات عامة عاملة في ميادين تهم الحياة اليومية للمواطنين كالنقل والاتصالات والتعليم والصحة.
يتبين مما تقدم صعوبة الحصول على إيرادات غير نفطية تفوق 322 مليار ريال. لكن الرؤية تسعى إلى زيادة هذه الإيرادات إلى ترليون ريال. إنه رقم غير منطقي ولا يمت بصلة لواقع البلاد. إن زيادة رأسمال صندوق الاستثمارات العامة ستقود إلى ارتفاع أرباحه وبالتالي إلى تحسن الإيرادات غير النفطية، لكنها ستربط بصورة أوثق ميزانية الدولة بمصادر خارجية، كما لن تستطيع هذه الزيادة معالجة العجز ولن تقود من باب أولى إلى تحقيق فائض مالي.