المرأة في الانتخابات الكويتية: أوان “الكوتا”

يبدو أن رياح التغيير التي بثّها الكويتيون في المجلس النيابي الجديد، لم تهبّ على المرأة الكويتية ولم يكن لها نصيب فيها، فالانتخابات الكويتية البرلمانية التي أجريت في السادس والعشرين من شهر نوفمبر العام الماضي، تؤكّد أن الكويتيين لا يعتبرون تمكين المرأة وتغيير واقعها أولويّة. بل إننا قد نذهب، وبالرجوع إلى نتائج الانتخابات، إلى حدّ القول بأن الكويتيين غير مقتنعين بجدارة المرأة وكفاءتها التي قد تؤهّلها للظفر بكرسي تحت قبة قاعة عبدالله السالم، على الرّغم من إجماع أغلب المراقبين بأنّ التركيبة الجديدة التي خلصت إليها الاتخابات البرلمانية الكويتية تؤكّد رغبة الكويتيين في التغيير.

فمن أصل 15 امرأة ترشّحن للانتخابات، وحدها صفاء الهاشم نجحت في الفوز بمقعد في البرلمان الكويتي لتكون المرأة الوحيدة في التركيبة الجديدة للبرلمان على الرّغم من أن غالبية الناخبين من الجنس النّاعم.

نتيجة إن دلّت على شيء فهي تدلّ على تدهور منسوب الثّقة في المشاركة النسائية في الحياة السياسية فمنذ إقرار مجلس الأمّة سنة 2005 منح المرأة الكويتية حقّها في الانتخاب والتّرشح للانتخابات ما فتئت المشاركة النسائية تتقلّص، ذلك أنه في العام 2009 تمكّنت أربع سيدات من الظفر بمقعد في البرلمان الكويتي، ليتقلّص إلى ثلاث ممثّلات للشعب فقط في برلمان 2012 واقتصر برلمان 2013 على ممثّلتين فقط من أصل ثماني مرشّحات. وبالرجوع إلى حصيلة الحضور النّسوي في البرلمان الكويتي منذ إقرار حقّ المرأة في الانتخاب والترشّح سنة 2005 يتبين أن المرأة الكويتية تواجه صعوبات في الوصول إلى مجلس الأمّة الكويتي بعد أن نجحت بعد سنوات طويلة من النّضال في نيل مجموعة من الحرّيات والحقوق السياسية، صعوبات تحول دون ممارستها لهذه الحقوق بفاعلية.

الصّوت الواحد يعيق النّجاح

كافحت المرأة الكويتية طويلا من أجل افتكاك حقوقها المدنية والسياسية، فمنذ إقرار دستور سنة 1962 ما فتئت الكويتية تطالب بحقها في التّرشح والانتخاب إلا أن الاستجابة لهذه المطالب لم تتم إلا في سنة 2005. وتعود أسباب هذا التّأخر في التّمتع بالحقوق السياسية إلى مجموعة من العوامل أهمها التركيبة القبلية للمجتمع الكويتي بالإضافة إلى طغيان العنصر الذكوري وسيطرة التيارات الإسلامية الرافضة للمشاركة النسائية.

وعليه لطالما حكمت عملية الاقتراع في الكويت بعوامل فئوية وقبلية ونمطية وحتى طائفية بدل أن تكون محكومة بعامل الكفاءة والمهنية والقدرة على تمثيل الناخبين داخل قبّة البرلمان.   

وعلى الرغم من أنّ نسبة النّساء اللاتي أدّين حقّهن الانتخابي في انتخابات نوفمبر 2016 تفوق نسبة الرّجال، ذلك أن 52.31% من إجمالي عدد الناخبين هنّ نساء إلا أنّه لا مجال للشّك بأنّ أزمة ثقة تحكم العلاقة بين المرأة النّاخبة والمرأة المنتخبة في الكويت، وهي للأمانة أزمة لا تقتصر على الكويت وحسب وإنما تشمل البلدان العربية عموما.

وبالإضافة إلى مختلف هذه المعوقات التي لا تجعل الطريق إلى البرلمان الكويتي مفروشا بالورود، يبرز النظام الانتخابي في الكويت كأحد أبرز المعوّقات فنظام “الصوت الواحد” الذي يقضي بتصويت كلّ ناخب لفائدة مرشّح واحد لعضوية مجلس الأمة يجعل فوز المرأة بمقعد نيابي مهمّة صعبة، في ظل ما أسلفنا ذكره من صعوبات أخرى، كما يجعل منافسة المرأة للرجل ضمن اللعبة الانتخابية المحكومة بالتحالفات والتكتلات السياسية والمصالح الحزبية.  

وللإشارة فإنه ووفق النظام الانتخابي الكويتي، تتكون الكويت من خمس دوائر انتخابية يتم فيها اختيار 10 نواب لكل دائرة. ويحق لكل ناخب التصويت لمرشّح واحد لا غير في الدائرة المسجّل بها، وأي صوت يمنحه لأكثر من مرشح يعد باطلا.

ويتألف مجلس الأمة الكويتي من خمسين عضوا يتوزعون على الدوائر الانتخابية الخمس، ينتخبون عن طريق الانتخاب العام السّري المباشر لدورة تمتد لأربع سنوات، ويعد الوزراء أعضاء غير منتخبين في المجلس بحكم وظائفهم، على أن لا يزيد عددهم عن ثلث أعضاء المجلس.

“الكوتا”

ليس من الإنصاف القول بأن المرأة الكويتية أعطيت فرصها بطريقة عادلة فالمساواة لا تحقق العدالة إلا متى ما توفّرت الظروف التي تضمن تساوي الفرص. وفي ظل مجتمع لا يزال يستند إلى العلاقات العائلية والقبلية والطائفية في ممارسة العملية الدّيموقراطية، يبقى تكافؤ الفرص هدفا بعيد المنال إن لم نقل حقا يراد به باطل. والمرأة الكويتية التي أبلت بلاء حسنا على الرّغم من التمثيل المتواضع في البرلمان تستحقّ أن تمنح فرصا أوفر لتحقيق حضور أكثر فاعلية من جهة، ومن جهة أخرى من أجل ترسيخ ثقافة الوجود النسائي ضمن الممارسة السياسية في البلاد.

ومن هذا المنطلق لا يبدو من الخطأ تطبيق نظام “الكوتا النسائية” في البرلمان الكويتي، بما أنّ القانون الانتخابي يجهضها حقها ويظلمها، خصوصا وأن المشهد السياسي يشير إلى نوع من عدم التّوازن، على اعتبار أن أغلبية النّاخبات نساء وفي المقابل هنّ أقلية تحت قبّة البرلمان.

إنّ ضمان تمثيل المرأة في البرلمان من خلال نظام “الكوتا” وذلك بتخصيص عدد ثابت من المقاعد لفائدتها، وهو للإشارة نظام تعتمده عديد الدول العربية التي وجدت فيه حلا لضمان المشاركة النسائية في التشريعات، يعتبر من أكثر الحلول ملائمة لتفعيل دور المرأة الكويتية على المستوى السياسي. كما يمكن اعتبار العمل بنظام “الكوتا” مرحلة مؤقتة أو نوعا من التّدريب يهدف إلى تغيير النظرة المجتمعية الدّونية لكفاءة المرأة ومقدرتها على الأداء الإيجابي والفاعل وهو ما من شأنه أن يخلق واقعا سياسيا جديدا. ولضمان ترسيخ تقاليد الديمقراطية داخل المجتمع يمكن للدولة أن تدمج “الكوتا” ضمن القانون الانتخابي كأن تدفع الأحزاب إلى تخصيص نسبة للمرأة ضمن القوائم الانتخابية أو تحديد أسماء الفائزات بالمقاعد المخصصة للنساء في البرلمان على أساس عدد الأصوات التي حصلت عليها كل مرشحة. من مجموع أصوات المقترعين في الدوائر الانتخابية التي ترشحت فيها وهو النظام ذاته الذي تعمل به الأردن.

وفيما عدا ذلك فإنّ التعويل على تكافؤ الفرص بين المرشّحين لن يزيد حضور المرأة الكويتية ومشاركتها في العملية السياسية إلا تراجعا وتقهقرا وهو ما يتنافى مع قانون 2005 الذي يهدف إلى تفعيل دورها السياسي.

منشورات أخرى للكاتب