إيران و السعودية: النفط مركز الصراع

 

في ظل الصراع السياسي المتأزّم الذي ميّز العلاقات بين إيران والسعودية عرفت الأزمة بين البلدين منذ  مطلع 2016 صبغة اقتصادية أساسها سعي الطرفين إلى الهيمنة على السوق النفطية العالمية، لا سيما بعد الانهيار الحاد الذي شهده سعر برميل النفط بسبب التوتر الدبلوماسي بين الرياض وطهران. وقد شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منعرجاً خطيراً خاصة إثر إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر والذي أعقبه طرد السفير الإيراني من الرياض على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في إيران.

العلاقة التي تربط البلدين بالأزمات التي تعيشها المنطقة سواء الحرب الدائرة في اليمن أو الأزمة السورية أو موقف الرياض من هيمنة طهران على القرار السيادي في العراق وعلى حزب الله اللبناني بالإضافة إلى أزمة الملف النووي الايراني ورفع الحظر والعقوبات الاقتصادية في بداية سنة 2016، مثّلت جميعها أرضية ملائمة للتصعيد ولتكون بوادر اشتعال حرب اقتصادية دعامتها الأساسية النفط بين البلدين.

وأمام الانهيار الذي شهدته أسعار النفط منذ أواخر سنة 2015 حيث خسر الخام برنت نحو 20%، وفي حركة استباقية ضد تدنّي سعر برميل النفط من جهة ولوضع حدّ أمام النفط الإيراني الذي شهد مع بداية سنة 2016 عودة ضخّ إنتاجه نحو الأسواق العالمية الذي تزامن مع الزيارات التي أداها حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية في يناير 2016 إلى عدة دول أوروبية من أجل استعادة السوق الأوروبية ولا سيما الشركات التي من المقرّر أنها ستستورد أكثر من 600 ألف برميل من النفط الخام الإيراني على حساب النفط العراقي والسعودي.

من جهة ثانية، عمدت السعودية وبقية دول الخليج من خلال سيطرتها على منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) إلى تقويض النفط الإيراني وذلك بسعيها إلى طرح مقترح اتفاق عالمي يقوم على تثبيت الإنتاج النفطي من أجل دعم الأسعار وإعادة التوازن للسوق خلال سنة 2016 خاصة مع تدني الأسعار لتصل إلى حدود 20 دولاراً للبرميل الواحد وخاصة من أجل الحفاظ على الحصص الخليجية في السوق.

وقد تسبب التراجع في أسعار النفط في ضغط شديد على اقتصاديات دول الخليج وخاصة السعودية التي شهدت عجزاً بـ 367 مليار دولار في سنة 2015 (حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي) وتتوقع الرياض تسجيل عجز بـ 326 مليار دولار في سنة 2016.

وفي المقابل، سعت طهران خلال الأشهر الأولى من سنة 2016 إلى استعادة حصصها السّوقية برفع إنتاجها بـ 500 برميل يومياً، كما أنها اعتمدت خصومات هامة لبيع خامها الثقيل إلى السوق الآسيوية على حساب الخام العربي المتوسط السعودي ووصلت هذه الخصومات إلى 20 سنتاً.

وازدادت مخاوف السعودية من عودة إيران إلى نشاطها النّفطي بعد رفع الحظر خاصة مع إعلان طهران وضع مخطط استراتيجي لمضاعفة إنتاجها النفطي في حدود 3 سنوات إلى حوالي 4 ملايين برميل يومياً.

ولتطبيق خطة تجميد إنتاج النفط عند مستويات يناير 2016، اشترطت السعودية ضرورة أن يكون القرار جماعياً بالتزام كل الدول المنتجة التابعة لمنظمة أوبك كإيران والعراق ومن خارج أوبك كروسيا بوقف الإنتاج.

وبدا الموقف الإيراني رافضاً لمبدأ تثبيت الإنتاج فقد صرّح  وزير النفط  الإيراني بيجن زنغنه “أن الأمر غير مطروح”  مبرزاً أن “هناك حرباً غير معلنة مع السعوديين فيما يتعلق بأسعار النفط أو تسويقه وتقوم الرياض في هذه الجبهة بالأنشطة التخريبية ضدنا”[1].

 كما أكد زنغنه أن بعض الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها دول الخليج سعت زمن العقوبات على إيران إلى إغراق السوق وخفض الأسعار للضغط على إيران والإضرار باقتصادها. فإنتاج إيران من النفط بلغ 6 مليون برميل يومياً عام 1974 وبين 3,5 و 4 مليون برميل قبل فرض الحصار مقابل مليون برميل يومياً أثناء العقوبات الدولية التي استمرت 13 عاماً.

ويعتبر السبب الرئيسي لرفض طهران المقترح السعودي أنها تخلّصت حديثاً من العقوبات الدّولية التي كانت مفروضة عليها وذلك بموجب اتفاقها النووي مع الغرب وهي تسعى منذ الثلاثي الأول من سنة  2016 إلى استعادة حصصها في السوق الدولية ورفع مستويات إنتاجها وصادراتها.

وأشار الوزير الإيراني إلى أن صادرات بلاده من النفط انخفضت إلى مليون برميل يومياً، فيما كانت تتراوح قبل الحظر بين 2.3 و2.4 مليون برميل يومياً وكان وزير النفط الإيراني قد أكّد أن إنتاج بلاده النفطي سيقفز إلى 4 ملايين برميل بحلول السنة الفارسية مارس 2017، خاصة وأن بلاده رفعت صادراتها من الخام إلى 1,75 مليون برميل خلال شهر أبريل 2016.

ومقابل الرفض الإيراني لحضور ممثل عن طهران في اجتماع الدوحة وعدم انخراط إيران في المقترح القاضي بتجميد الإنتاج أكد ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، أن المملكة لن تجمد مستويات إنتاجها النفطي إلَّا إذا أقدم كل المنتجين الكبار الآخرين، بما في ذلك إيران، على الخطوة نفسها،  معلنا أنّ “الرياض ستدعم أي اتفاق جماعي لمنظمة أوبك، لكنها في الوقت ذاته ستحافظ على حصة سوقية قدرها 10.3 إلى 10.4 مليون برميل يومياً، في حال تم التوصل لاتفاق تثبيت للإنتاج، أما في حال عدم التوصل لاتفاق فإن الرياض لن تفوت أي فرصة لبيع نفطها”.[2]

كما تعهدت الرياض في حال عدم التزام إيران وروسيا بقرار التجميد، بأن تسعى إلى إغراق السّوق بالنفط مؤكدة أنها تملك القوة الكافية لزيادة الإنتاج، فبحسب محمد بن سلمان “المملكة تستطيع زيادة الإنتاج إلى 11.5 مليون برميل يومياً على الفور، وأن تنتج ما يصل إلى 12.5 مليون برميل في غضون شهور، مضيفاً أنه لا يعني بهذا أن المملكة ستزيد إنتاجها، لكنه يعني أن بمقدورها فعل ذلك”.[3]

وأمام الضغوط التي تشهدها إيران بسبب عجزها إلى حدود شهر مايو 2016 عن رفع صادراتها بالنسبة المطلوبة، والعقود النفطية الجديدة التي سعت إلى إجازتها تحت قبة البرلمان والتي وجدت معارضة شديدة من التيار المتشدد في المجلس، إلى جانب أرصدتها المالية المجمّدة في الخارج والتي تبلغ 100 مليار دولار، الأمر الذي قد يجعلها عاجزة عن توفير التمويل الكافي للاستثمار في الصناعة النفطية والأهم من ذلك أن الشركات النفطية الكبرى وخاصة الشركات الأمريكية التي اتجهت نحو النفط الصخري لن تنوي التعاقد مع طهران مخافة خسارة الإنتاج السعودي خاصة بعد الأزمة الدبلوماسية التي عصفت بالعلاقات بين البلدين، كل هذه الأسباب قد  تجعل من إيران ترضخ ربما في المستقبل القريب إلى المقترح السعودي الذي يقضي بتجميد النشاط خاصة وأن وزير النفط زنغنه اعتبر تثبيت الإنتاج إجراءً إيجابياً مبيناً أن الدعوة إلى إعادة الاستقرار للسوق النفطية والتحكم في فائض الإنتاج الذي تسبب في هبوط أسعار النفط إلى 70% منذ 2014.

رغم العداء التاريخي ذي الأسس الطائفية والسياسية بين السعودية وإيران إلا أن السّياسة النفطيّة كانت دائماً خارج التجاذبات السياسية في إطار احترام خصوصيات المنافسة في السوق العالمية والمحافظة على استقرارها لكن وراء سعي كل طرف للهيمنة سياسياً وطائفياً في المنطقة سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق أو في لبنان اتخذ الصراع بينهما منحى اقتصادياً يهدف إلى الهيمنة على السوق النفطية العالمية ويمكن أن تصل توابعه إلى تدمير قواعد السوق وزعزعة كيان منظمة أوبك لينتصر بذلك مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

____________

[1] تصريح به بيجن زنغنه وزير النفط الإيراني في كلمة ألقاها يوم 8 مايو 2016 على هامش معرض طهران الدولي للنفط و الغاز و البتروكيمياء ال21

[2] http://www.bloomberg.com/news/articles/2016-04-16/saudi-prince-sticks-to-oil-freeze-ultimatum-as-iran-stays-home

[3] http://www.bloomberg.com/news/articles/2016-04-16/saudi-prince-says-he-could-add-a-million-barrels-immediately

منشورات أخرى للكاتب