أمريكا و الخليج: عن السلاح والاستراتيجيات الجديدة

ملخص الورقة:
تقدم الورقة نظرة عامة على السياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وما يكتنفها من غموض يربك حلفاءها وخصومها في المنطقة، وتتعرض لرد فعل السعودية ودول الخليج عليها، خصوصاً في الشق المتعلق بالنزوع الخليجي الحالي لتبني استراتيجيات عسكرية وسياسية جديدة ترى الورقة أنها إحدى مظاهر الاستجابة الخليجية لملء ما تراه فراغاً خلّفه الغياب الأمريكي عن الاشتباك المباشر مع نزاعات المنطقة.
وتخلص لنتيجة مفادها أن المسارات الحالية للصراعات الدولية في المنطقة لا تمثل تراجعاً أمريكياً بقدر ما أنها تؤسس لعهد جديد تظل الولايات المتحدة الأمريكية فيه هي المستفيد الأكبر.

المقدمة:
يصلح تعبير “الغموض” عنواناً جامعاً لتوصيف المسارات المختلفة التي تسري خلالها أزمات وحروب الشرق الأوسط المستعرة في السنوات الأخيرة، حيث لا تفصح كثيراً اللوحة المظلمة لها عن الخطوط الفاصلة بين المعسكرات المتنازعة والمتحالفة، ولا عن مواضع الالتقاء والتنافر فيما بينها لتحدد معالم واضحة لأهداف ودوافع الصراع المركب على امتداد خارطة الشرق الأوسط.
الغموض المهيمن على المشهد انسحبت مفاعيل الإرباك التي خلقها على مواقف وسلوك كل الأطراف في تحركاتها السياسية وحتى العسكرية في ميادين المواجهة وفي التصورات القلقة وغير المكتملة لكل طرف لدوره وفعله في الإقليم، ليعكس قصوراً تعبر عنه أنصاف المواقف والخصومة والتحالفات لدى كل الأطراف المنخرطة في هذه النزاعات.
يمكن القول أن حالة التيه السائدة في المنطقة قد تم تدشينها وبدء سريان العمل بمحدداتها القلقة قد بالتزامن مع التحول الاستراتيجي الذي طرأ على السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط ومقاربتها للقضايا الساخنة فيه. انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من واجهة الصدام والتعاطي الصريح والمباشر مع هذه القضايا، وتنازلها الطوعي عن الدور القيادي الأول في التصدي لملفات المنطقة، وسعيها لتثبيت قواعد جديدة لاشتباكها مع هذه الملفات باعتبارها طرفاً من ضمن أطراف شريكة أخرى ينبغي أن تنخرط بنفس المستوى ومقدار المسؤولية في نزاعات المنطقة، يضاف إليه ما أشاعته من انفتاح ظاهري على العمل المشترك مع مختلف الأطراف الفاعلة وما قد تنتجه التفاعلات الجارية من حقائق جديدة على الأرض، خلق وإلى جانب ما أثاره من فزع لدى شركائها وارتياب لدى خصومها حالة من الفراغ الذي لم تقوى الدول الشرق أوسطية بوتائر وأنماط فعلها التقليدية على ملئه ومثل إلى جانب دفعه لهذه الدول للبحث في تطوير استراتيجيات عمل جديدة دعوة مفتوحة لاستقدام أطراف بعيدة لتسارع من أجل إسعاف المنطقة قبل الانهيار التام.

سوريا واليمن فصل افتتاحي لعهد جديد
طوال السنوات الأولى من عمر الحرب السورية ظلت السعودية وباقي الإمارات الخليجية تترقب بصبر نافذ، انعطافة في مسار التعاطي الأمريكي الملتبس والمتحفظ في تماسه المادي مع الأزمة يكون من شأنها حسم الحرب لصالح الاصطفاف الإقليمي الذي تتزعمه السعودية. غير أن الإحجام الأمريكي عن التورط العسكري المباشر في الحرب وعن مواكبة الحماسة السعودية في دفع المواجهة إلى مربعات الحسم التي تفترض الأخيرة ممكناتها، دفع السعوديين وحلفاؤهم لأخذ زمام المبادرة في توسعة وتعميق نطاق انخراطهم في المستنقع السوري واللجوء إلى كل ما تهيأ لهم كبدائل مرشحة لسد العجز الناجم عن الغياب الأمريكي ولو جزئياً. وهو انخراط تراوح بين الاحتضان الذي استحال إلى وصاية على معارضي الأسد في الخارج وجعلهم أشبه بملحقات فرعية للسياسة الخارجية السعودية في الملف السوري، والدعم العسكري والمالي الصريح لتشكيلات عسكرية متعددة عاملة فوق الأراضي السورية، وصولاً إلى إعلان المملكة تأهبها لإرسال قوات سعودية من ضمن تحالف يضم أطرافاً أخرى للمشاركة في جبهات القتال السورية، أصرت السعودية على أن يكون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة يائسة لاستدراج الأخيرة إلى القتال.
الإعلان السعودي والخليجي عن نيته إرسال قوات عسكرية إلى سوريا، جاء بعيد أشهر من الحرب التي أعلنها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. حرب اليمن الأخيرة وبالرغم مما شابها بحسب المراقبين من تخبط وحس متهور، جسدت بشكل مادي المقاربة التي اختطتها السعودية وغيرها من دول الخليج لسلوكهم السياسي ومستويات المبادرة التي قد يمضوا إليها في المنطقة في ظل عزوف الحليف الأمريكي عن تحمل ما تراه دول الخليج مسؤولياته والتزامات يقتضيها حلفها معه. فالحرب وبالرغم من كل الدلالات السياسية التي انطوت عليها، فإنها وبالمعنى التاريخي مثلت المرة الأولى التي تعمد فيها السعودية وإمارات الخليج لخوض مواجهة عسكرية مفتوحة تستند هذه الدول فيها إلى مقوماتها العسكرية الذاتية. كما أنه ورغم المسار المتعثر للحملة والإخفاقات الميدانية المتعاقبة التي منيت بها قوات الحلفاء في مواجهة الحوثيين ومن معهم وما استتبعته هذه الإخفاقات من وقفات مراجعة سعودية للأداء، اشتملت إعلانات متكررة عن صيغ تحالف هزيلة وأحيانا هزلية، وحملات إعلامية في وسائل إعلام تدور في فلك الحلف تستنهض همم من اعتبرتهم حلفاء متخاذلين عن الالتحاق به استهدف مصر على وجه الخصوص، فإن المعنيين دولياً بمجريات الحرب اليمنية ومن ضمنهم إيران وحلفاؤها في اليمن وعموم الإقليم، تفاجأوا بـ”الصمود” والإصرار السعودي الخليجي على المضي قدماً في الحرب هناك، فيما بدا أنه انقلاب نوعي في تصورات السعودية ودول الخليج وبخاصة الإمارات العربية المتحدة عن كيفية معالجتها التحديات في فضائها الإقليمي والدور الوظيفي الذي ينبغي أن تضطلع به مؤسساتها ومقدراتها المالية والعسكرية في خدمة هذه التصورات.

إلى السلاح
الاستراتيجية العسكرية والأمنية المستجدة لدى قادة كل من السعودية والإمارات، يمكن رد جزء من دوافعها باعتباره تعويضاً عن غياب القوة الذي نجم عن السياسة الأمريكية الحالية التي تتحاشى الزج بقواتها في أي من الجبهات الشرق أوسطية المشتعلة، وموائمة نفسها مع ما ترتبه السياسة الانسحابية الأمريكية من فراغ دفاعي وعسكري تحامت به أنظمة الخليج لعقود في الذود عن نفسها من التهديدات الخارجية والداخلية، أيضاً فإن هذه الاستراتيجية تتماشى مع خطط وسياسات إعادة التموضع السياسي والعسكري الأمريكي في المنطقة وتحفظ له مزاياه السابقة. فلعقود خلت كان يُنظر إلى صفقات السلاح التي تعقدها السعودية ودول الخليج مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها شكلاً من أشكال تأدية الإتاوة للأخيرة، تقوم الممالك والإمارات الخليجية بموجبها بتسديد أثمان فلكية مقابل الامتلاك الصوري لترسانات من الأسلحة التي لا قيمة حقيقية لها من حيث القدرة والصلاحية للاستخدام الحربي أو الحيازة الفعلية لقرار هذا الاستخدام، في مقابل قيام أمريكا بتأمين الخليج والسلالات الحاكمة فيه من أي تهديدات تحدق بها. غير أن عواصف التغيير التي ضربت أرجاء الشرق الأوسط في السنوات الخمس الماضية كنست صيغ العلاقات القديمة بين الخليج والغرب ومن ضمنها آليات ومواثيق الحماية التقليدية بين الطرفين، لتؤسس بدلاً منها لمقاربة ثنائية مختلفة نتج عنها حصول دول الخليج على هامش أوسع من حرية الحركة السياسية تنازلت عنه طوعاً الولايات المتحدة الأمريكية التي كيّفت نفسها بما يجعلها تتقبل التعايش مع واقع مضطرب وغير مستقر في منطقة الشرق الأوسط، طالما أن هذا من شأنه أن يعفيها من الالتحام العسكري المباشر مع نزاعاته في سياسة لا يتنبه من يمنّون أنفسهم بتراجع أمريكي عنها في حال تغيرت الإدارة الحالية، لحقيقة أنها تحظى بتوافق أمريكي داخلي لدى كل من الجمهوريين والديمقراطيين.
الاستقلالية السياسية النسبية التي تحصّلت عليها كل من السعودية ودول الخليج الأخرى وإلى جانب تجلياتها التي تُرجمت بمسارات التحالف الإقليمية المتعددة التي دشنتها هذه الدول والتي خلقت في بعض الأحيان تباينات في داخل مجلس التعاون الخليجي نفسه خصوصاً بين السعودية و قطر بشكل رئيسي، وأحياناً دولة الإمارات، تجاه موضوعات مختلفة كالعلاقة مع حركة الإخوان المسلمين وحركة حماس والملف المصري وليبيا. فإن مفاعيلها قد فرضت أيضاً مقاربة مختلفة منها لما يخص نظرتها للدور الذي ينبغي أن تضطلع به جيوشها وأجهزتها الأمنية والعسكرية مع ما يستلحق ذلك من سياسات مغايرة في عقد صفقات شراء الأسلحة تلبي استحقاقات هذا التوجه. ففي السنين الأخيرة لازمت الدول الخليجية مناوراتها السياسية في أكثر من ملف بتحرك عسكري مواز، فبالإضافة لحرب اليمن، كانت السعودية قد سجلت سابقة في تاريخها حين نشرت عديداً كبيراً من قواتها في البحرين، كما أن دولة كالإمارات نفذ طيرانها الحربي ولأول مرة غارات على أهداف متفرقة لمجموعات تتبع داعش ومجموعات متشددة أخرى في كل من العراق و ليبيا، هذا بالإضافة لغارات أخرى شنها الطيران السعودي تحت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده أمريكا فوق الأراضي السورية. كما أن صفقات شراء الأسلحة والتجهيزات الحربية التي أبرمتها دول الخليج مع الغرب تجاوزت عقلية الإتاوة التقليدية بينها وبينه واحتكمت لما اعتبرته هذه الدول احتياجات تسليحية حقيقية تستلزمها خططها الدفاعية والهجومية. ففي حالة السعودية تعاقدت الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية على شراء و تطوير 84 طائرة أف 15 التي مثلت الصفقة الأكبر في تاريخ مبيعات الأسلحة الأمريكية للخارج، هذا إلى جانب شراء العشرات من مروحيات الأباتشي والبلاك هوك وصفقات أخرى كشراء 25 طائرة نقل جنود وطائرات نقل وشحن للوقود ومعدات وتجهيزات عسكرية أخرى، كما أنها أخذت باتجاه تنويع مصادرها من السلاح، فبدا لافتاً التعاون الصيني السعودي المتنامي في هذا المجال، حيث اتفق الطرفان على شراء السعودية طائرات من دون طيار وهي الصفقة التي عقدت الإمارات مع الصين مثلها، كما أن الصين زودت السعودية في صفقة لم تحظَ باهتمام كافٍ رغم أنها شكلت مؤشراً مفتاحياً لفهم المنطق الصيني في صوغ علاقته بالإقليم، منظومة دفاعية قيل أنها مصممة لصد هجمات إيرانية محتملة على المملكة. أيضاً فإن دولة الإمارات وقطر كانتا زبائن نشطة في سوق السلاح الدولي فعدا عن مشترياتهما من الولايات المتحدة الأمريكية فإنهما طرقا أبواب مصادر أخرى كالصين وفرنسا التي ابتاعت قطر طائرات الرافال منها ودولاً أوروبية  أخرى من ضمنها روسيا.

تحديات و خيارات
السعودية ودول الخليج الأخرى تعي تماماً حجم التحولات الدولية الحاصلة وتداعياتها المستقبلية عليها داخلياً وخارجياً. فالانفتاح الغربي المرتقب على إيران بُعيد رفع العقوبات عنها سيمنح النظام الإيراني -عدو دول الخليج اللدود- مساحات أوسع للمناورة وبسط النفوذ في الإقليم، كما أن العودة الإيرانية كعضو عادي في سوق النفط والغاز الدولي ستخلخل المكانة التاريخية المريحة التي تنعمت بها السعودية ودول الخليج لعقود في هذا السوق، وسيربك حسابات الربح والخسارة لها بفعل ما سيستجد على المعطيات السوقية للعرض والطلب من جراء زيادة الحصة التمثيلية للنفط والغاز الإيراني فيها.
أيضا فإن العودة الصاخبة للدب الروسي إلى المنطقة محملاً بأجندات هي في حدها الأدنى ليست موضع توافق بينه وبين دول الخليج وظاهرياً مع من ينوب عنها دولياً من حلفائها الغربيين، من شأنه أن يزيد من العقبات التي تعترض تحركاتها السياسية في المنطقة وترتب تحديات تهدد مساراتها بالانهيار كما هو الحال في سوريا. وما أشد قسوة بالنسبة لبلد نفطي كالسعودية هو الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي قلص بشكل كبير وارداتها المالية من بيعه، واقترن بتراجع للطلب العالمي عليه، مع ما ينطوي عليه المستقبل من تهديدات قد تتأتى من صناعات نفطية منافسة ومصادر طاقة بديلة أهمها الغاز، تؤدي لتجريد السعودية والدول النفطية الأخرى من امتيازاتها السوقية، وهو ما دفع بلداناً كالسعودية والإمارات إلى اللجوء وللمرة الأولى لإعلان سلسلة من القرارات الحكومية تفرض قيوداً على أنماط الاستهلاك لمواطنيها بذريعة مواجهة المصاعب المالية التي تمر بها هذه البلاد.
أمام هذه الخارطة الجيوبوليتيكية القلقة والمثقلة بالتحديات، يتشكل الرهان الخليجي على تحسين موقعه في معادلة الصراعات الدائرة عبر المبادرة لاقتحام ميادينه بالاستناد إلى قواه العسكرية الذاتية، مدعوماً بحلف دولي يردفه بالدعم الاستخباراتي واللوجيستي المكمل لخططه الدفاعية والهجومية، ولكنه يظل خياراً استراتيجياً محفوف المخاطر وقد يأتي بنتائج عكسية سيما وأن انخراط الجيوش الخليجية في القتال على جبهات متعددة قد يتسبب في فتح ثغرات استنزاف مستمر لها قد تطول لأمد غير منظور تبقى الهزيمة في آخره احتمالاً وارداً. غير أنه وبلا شك يمثل محطة فاصلة في السياق التاريخي لنشأة الكيانات السياسية الخليجية، تغادر بموجبها حالة الاستكانة في مربعاتها التاريخية بوصفها مراكز مالية واقتصادية تستأجر مجالها الدفاعي من القوى الغربية الحامية لها عبر إلحاق هذه القوى لها بمجموعة المواقع الاستراتيجية التي تمثل مصالح حيوية للغرب تشملها خرائط نفوذه العسكري خارج حدوده، وتنتهي عن قصر فعلها ونفوذها السياسي على الاشتباك عن بعد مع ساحات النزاع الإقليمية عبر وكلاء وأذرع محلية تابعة لها فيها، وتنتقل لترجمة هذا الفعل والنفوذ إلى حضور مادي عسكري سيما وأن قادة الخليج قد عكسوا في أكثر من مناسبة خيبة أملهم الكبيرة من أداء هؤلاء الوكلاء في بلاد كسوريا ولبنان، أو ما استشعروه من تقاعس لدى دول أخرى عن اللحاق بركب خياراتهم السياسية والعسكرية كما هو الحال مع مصر التي أسبغت أصوات خليجية في الإعلام نعت “نكران الجميل” على نظامها وقواها السياسية. والأهم من ذلك مبادرة الدول الخليجية لتصميم استراتيجية دفاعية مشتركة وبناء منظومة الحماية العسكرية الخاصة بها بغرض الاستغناء الجزئي عن الاعتمادية التامة على القواعد الأمريكية المنتشرة فوق أراضي ومياه الخليج.

خاتمة
تراقب الولايات المتحدة الأمريكية التغييرات الحاصلة في الشرق الأوسط برضى وحبور بالغ، وتقارب هذه التغييرات باعتبارها معالم عقيدة أمريكية جديدة تتشكل تجاه هذه المنطقة من العالم قد تحقق الحد الأقصى الممكن من المكاسب بأقل التكاليف السياسية والمادية.
فعلى صعيد دول الخليج، شهدت فاتورة مشتريات هذه الدول من الأسلحة الأمريكية زيادة نوعية لجمت في ظل المرابح الخيالية التي درتها على شركات التصنيع العسكري الأمريكي أي أصوات داخلية بين لوبيات الضغط قد تتحفظ على استراتيجية إعادة الانتشار السياسي والعسكري للإدارة الحالية في الإقليم، كما أنها أرست نواظم جديدة لعلاقة الخليج بأمريكا جرى بموجبها تخفيض سقف التزامات الحماية العسكرية الأمريكية تجاه هذه الدول، ووضع حدود لما قد تنسحب إليه هذه الالتزامات فيما يتعلق بالمقاربات السياسية الخليجية لقضايا الإقليم، حيث تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على أن ضوابط العلاقة الجديدة في مآلاتها المستقبلية ستجر دول الخليج لتكيف نفسها للتعايش مع بعض خيارات أمريكا الشرق أوسطية التي يتحفظ قادة الخليج عليها حالياً، خصوصاً فيما يتعلق بإيران ما بعد الصفقة النووية، أيضا فانه قد يدفعها بحكم الحاجة والبحث عن الاستئناس في الإقليم لإبداء مرونة أكبر تجاه مسألة الانفتاح على إسرائيل.
أما دولياً، فإن أمريكا تتطلع لأن تزيح عن كاهلها حمل أعباء الشرق الأوسط منفردة ومغادرة إطار صورتها كشرطي دولي معاد لشعوب المنطقة، في الوقت الذي تتنعم أطراف دولية أخرى بخيرات الاستقرار المركب الذي تتكفل هي بتأمينه في هذا الجزء من الكرة الأرضية الذي يزود العالم بالقسم الأكبر لاحتياجاته من الطاقة، فأياً كانت تأويلات المجيء الروسي إلى المنطقة، فإن الأخير واعٍ تماماً لمحددات هذا الحضور وللمسالك التي ينبغي أن يقتصر سريان فعله ضمنها. وكذلك هو الحال بالنسبة للصين التي تكشف تحركاتها الأخيرة الموزونة بميزان الذهب بين الأطراف المتخاصمة، عن أن حضورها المستجد الذي يتلمس الحياد في كل تفاصيله اضطراري غرضه إسناد الوضع القائم كما هو والحفاظ عليه من دون أي مآرب بعيدة أخرى قد يشطح إليها خيال البعض.
أمام هذه الخريطة الملتهبة للمنطقة وما تختزنه من احتمالات بتصدعات وانهيارات أخرى، وضباب يخفي الحدود بين مربعات التحالف والخصومة في المعارك الدائرة، تلتبس كل الحقائق ويساور الشك أي سعي لتبيان المنتصر من المهزوم، إلا أن حقيقة واحدة باتت تطفو بثقة إلى السطح تفيد بأن زمناً أمريكياً هيمن لعقود قد أفل، وأن زمنا أمريكياً آخر يشرق..

منشورات أخرى للكاتب