إيران في دول المغرب العربي: الطريق شبه سالكة

في خضم صراع طائفي تعيشه منطقة الشرق الأوسط بين قوى إقليمية متمثلة أساساً في إيران ودول الخليج، تسعى الأخيرة إلى فرض معادلة جغراسياسية جديدة قائمة على تطوير علاقاتها الاقتصادية وخاصة الثقافية مع دول المغرب العربي.
فإيران اليوم تلعب لعبة القوة الإقليمية النووية والاقتصادية والثقافية ولعلّ في حجز جناح خاص للحضارة الفارسية-الإيرانية في متحف اللوفر بباريس، إثر الزيارة الرسمية للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى فرنسا في يناير 2016، تأكيد إيراني عن اعتماد الثقافة بمثابة سلاح جديد يروج لحضارتها التي تحمل إرثاً انسانياً وتاريخياً وحتى دينياً سيمتد لعصور لاحقة.
وسبق لإيران أن انتهجت سياسة التوسع الاقتصادي في شمال أفريقيا وخاصة في دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب. فهل يمكننا اليوم الحديث عن انفتاح مغاربي على الحضارة الفارسية-الإيرانية أم أن هذا التوجه نحو التعامل الثقافي قد يحمل في طياته مصالح سياسية وإقليمية واقتصادية وحتى مذهبية؟

تونس: وجهة سياحية لإيران
بالرغم من سياسة التحفظ الشديد التي ميزت العلاقات التونسية-الايرانية خلال أواخر فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة خوفاً من امتداد الثورة الإسلامية إلى تونس، والدبلوماسية المحتشمة التي انتهجها الرئيس السابق زين العابدين بن علي من خلال تبادل زيارات وفود وزراء من الجانبين إلا أن التوجه الاقتصادي هو ما غلب على نوعية العلاقة.
بعد ثورة يناير 2011، وخاصة مع دخول الاقتصاد التونسي في أزمة خانقة وتعطل محركها الأساسي وهو السياحة بعد ضربات إرهابية استهدفت سياحاً أجانب العام 2015، أمضت تونس مع أيران مجموعة اتفاقيات لتطوير العلاقات في مجال السياحة والصناعات التقليدية (ديسمبر 2015) خلال اجتماع الدورة الخامسة للجنة المشتركة التونسية-الإيرانية الذي حضره السيد مسعود سلطاني نائب رئيس الجمهورية الإسلامية برفقة ممثلي قطاع السياحة في بلاده.
وتضمن برنامج التعاون بين البلدين إقامة مشاريع استثمارية وتسهيل الحركة السياحية ووضع برامج سياحية مشتركة وتبادل الخبرات والمشاركة في التظاهرات والمعارض هذا مع العلم أن تونس استقطبت العام 2015 حسب إحصائيات رسمية زهاء 1500 سائح إيراني مقابل 5 آلاف العام 2010. كما تم التطرق في هذا البرنامج إلى إحداث خط جوي مباشر بين تونس وطهران إلى جانب دعم التعاون في قطاع الصناعات التقليدية.
زيارة سلطاني الذي يترأس أيضاً منظمة التراث الثقافي والصناعات التقليدية والسياحة بإيران ستزيد توطيد العلاقة الثنائية بين البلدين في المجال الثقافي في مختلف مجالاته كالفنون والسينما والشعر والأدب، رغم أن الثقافة الإيرانية حاضرة بقوة في تونس من قبل ثورة يناير 2011 سواء من خلال المشاركة السنوية لدور النشر الإيرانية بأكبر جناح في معرض تونس الدولي للكتاب أو بتنظيم السفارة الإيرانية لأسبوع الفيلم الإيراني منذ سنة 2004 وهي تظاهرة تحتضنها سنوياً دار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة وبعض دور الثقافة في محافظات أخرى كالقيروان ويقام على هامشها معرض للصور الفوتوغرافية لمصورين إيرانيين.
فمن وجهة نظر إيرانية، وحسب تصريح سفير إيران السابق بيماني جبلي فإن “تونس تمثل وجهة سياحية تاريخية تراثية وحتى دينية بما لها من مبان تاريخية … وهذا الموقع التاريخي والاستراتيجي لتونس يعطيها أهمية كبرى لتشجيع توافد السياح إليها… وقد لاحظنا أن هناك رغبة كبيرة لدى الشركات السياحية الإيرانية للتعامل مع الوجهات السياحية التونسية فالتأشيرة في تونس تحمّل السائح الإيراني تكلفة كبيرة إلى جانب التكلفة الباهظة للنزل التونسية وأسعار الخدمات السياحية وعدم وجود خط طيران مباشر مما يكلف السائح والشركة السياحية مصاريف باهظة.” [1]
الجزائر: استثمار إيراني في السياحة
تمثل الجزائر نقطة ارتكاز لإيران في منطقة المغرب العربي وبوابة تفتح نحو أفريقيا. فإلى جانب العلاقات المميزة بين البلدين في المجال الاقتصادي وخاصة الطاقة، سعت إيران إلى توطيد علاقاتها الثنائية مع الجزائر في المجال السياحي. فبحسب تصريح السفير الإيراني بالجزائر رضا أميري (ديسمبر 2015) فإن “وكالات السياحة الإيرانية بصدد إجراء اتصالات وإرساء علاقات مع نظيرتها الجزائرية وأن آفاق هذا التعاون واعدة في هذا المجال”.
ورغم أن الجزائر لا تمثل قبلة سياحية على الصعيد الإقليمي أو الدولي، فإن إيران تسعى جاهدة لتعزيز التعاون الثنائي في هذا القطاع على غرار مجال الطاقة والتبادل التجاري بخلق فرص استثمارية أمام المستثمرين الإيرانيين في مجال السياحة الاستشفائية والثقافية قصد تعويض النتائج السلبية التي نتجت عن انخفاض أسعار النفط العام 2015.

المغرب وإيران: تاريخ يعود بعد عودة العلاقات
استأنفت العلاقات المغربية الإيرانية في ديسمبر 2014، بعد قطيعة دبلوماسية دامت 6 سنوات منذ سنة 2009 بسبب اتهام المغرب لإيران بمحاولة “التدخل في الشؤون الدينية للمملكة”.
ولأن عودة الحرارة للعلاقات بين البلدين حسب الدكتور تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط “واقع يفرض نفسه في واقع جيوسياسي لا يعترف بالقطيعة بين الدول بقدر ما يستوجب ربط علاقات مبنية على شراكات ومصالح اقتصادية” [2]، إلا أن للبلدين اتفاقيات تعاون في إطار مجلس الأعمال المغربي الإيراني الذي تم إحداثه سنة 2004 لتعزيز التبادل الصناعي والتجاري والاستثمار. كما لم يهمل الطرفان الجانب الثقافي بتوقيع مذكرة تفاهم للتبادل الثقافي والتي تميزت خاصة في مشاركة علماء دين إيرانيين في أنشطة الدروس الحسينية التي يعقدها الملك محمد السادس خلال شهر رمضان المعظم.
وقد كان لإيران، خلال العشرية الفارطة، حضور هام في الساحة الثقافية المغربية سواء بمشاركة دور النشر والشخصيات الفكرية الإيرانية والكتب ذات المرجعية الشيعية في المعرض السنوي للكتاب بالرباط أو بتنظيم أسبوع للترويج للسينما الإيرانية في المغرب أو معارض اللوحات الفنية والجمالية القرآنية إلى جانب دعم الطلبة المغاربة لتعلم اللغة الفارسية أو بمنح مالية قصد تشجيعهم على الالتحاق بالجامعات الإيرانية كما سعى الطرفان خلال هذه الفترة إلى تنظيم مهرجانات ثقافية وإبداعية وفنية.

إيران: توجهاتها وتهديدها لدول المنطقة
بسبب العزلة التي تعيشها في محيطها الإقليمي، تسعى طهران جاهدة إلى كسب تحالفات إقليمية جديدة تقوم على توجهات سياسية واقتصادية وثقافية وحتى دينية ولعل التحالفات والعلاقات التي تبنيها إيران مع دول المغرب العربي ولا سيما الثقافية والسياحية ستمكنها من التوسع والانفتاح نحو أسواق جديدة وخاصة نحو أفريقيا.
تعد الدول المغاربية الثلاث تونس والجزائر والمغرب بوابة أمام إيران للدخول إلى عالم أفريقيا ولا سيما الدول الإسلامية فيها. وسعي إيران إلى التمسك بالحلفاء الثلاثة يؤكد رغبتها في التوسع الثقافي والديني في القارة السمراء.
وما حقيقة الأزمات الدبلوماسية التي عصفت بعلاقة طهران بالجزائر أو المغرب أو رفض بعض المثقفين والسياسيين في تونس إبرام اتفاقيات تعاون في المجال الثقافي مع إيران ليس إلا خوفاً من تصاعد المد الشيعي في الأوساط الشعبية المغاربية. فالعثور على كتب ومطويات شيعية في بعض المساجد مثلاً في الجزائر العاصمة تحت عنوان “أدعية طواف وسعي” وهي كتب فارسية تسعى إلى نشر المذهب الشيعي في أوساط المصلين، قد تولدت عن ذلك حملة لطرد الملحق الثقافي بسفارة إيران بالجزائر أمير موسوي حركها الكاتب والحقوقي الجزائري المقيم بفرنسا أنور مالك الذي أكد أن موسوي “تجاوز مهمته الدبلوماسية فصار ينسق سرياً مع متشيعين جزائريين ونظم رحلات عدة إلى طهران وحتى النجف” مؤكداً أنهم “التقوا في إيران برجال دين شيعة وعناصر من جهاز المخابرات الإيراني والحرس الثوري”.
الأمر الذي اعتبره مالك بمثابة “صناعة للوبي شيعي وطائفة شيعية معترف بها في الجزائر” وهو ما يهدد بجدية الأمن القومي الجزائري. وقد كشف في السياق ذاته، زعيم تنظيم “الصحوة الحرة السلفية” غير المعتمد في الجزائر عبد الفتاح حمداش عن “وجود أكثر من 3 آلاف شيعي في الجزائر ينتشرون في مناطق عدة ويتزعمهم شيخ يسهر على تنظيم التجمعات الحسينية.” [3]
وازدادت المخاوف الجزائرية من هذا التهديد أبان مشاركة وفد من الشيعة الجزائريين في الاحتفالات بأربعينية الإمام الحسين العام 2014 حيث رفع العلم الجزائري إبان هذه الاحتفالات في سماء كربلاء، الأمر الذي يؤكد مدى تمدد هذا التوجه في الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة.
التهديد ذاته ضرب المغرب وهو ما كان سبب الأزمة الدبلوماسية والقطيعة بطرد السفير الإيراني بالرباط العام 2009 احتجاجاً على أنشطة “مشبوهة” نُسبت إلى السفارة الإيرانية تشمل نشر الفكر الشيعي في أوساط المغاربة، وممارسة التأثير الإيديولوجي على شرائح الشباب، وهو ما اعتبرته الرباط تدخلاً في الشأن الداخلي والسيادي للمغرب وإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي.
وحسب تصريح للوزير الخارجية المغربي فإن من أهم شروط الرباط لعودة العلاقات الديبلوماسية مع طهران أن يتم ذلك “في إطار الاحترام المتبادل للمقومات الدينية والحضارية لكل منهما.” [4]
أما بالنسبة لتونس فقد شنت عناصر من الطبقة السياسية والفكرية حملة ضد التعاون الثنائي وانفتاح تونس نحو إيران خوفاً من امتداد ” الفكر الصفوي”، وقد دعت بعض الأحزاب السياسية كتيار المحبة للسيسي الهاشمي الحامدي القريب من المملكة العربية السعودية إلى مساءلة وزيرة السياحة ورئيس الحكومة تحت قبة البرلمان للكشف عن خفايا اتفاق التعاون السياحي بين تونس وإيران.
المخاوف من الامتداد الشيعي تضاعفت بعد ثورة يناير 2011 بسبب خروج تجمعات الشيعة في تونس في بعض مناطق الجنوب من السرية إلى العلن بعد تنصيص الدستور التونسي الجديد 2014 على أهمية احترام الأقليات الدينية.
وصدرت في الذكرى الثانية للثورة في يناير 2013 “الصحوة التونسية” أول صحيفة للشيعة في تونس وهي صحيفة أسبوعية مستقلة جامعة شعارها “الحق أحق أن يتبع”. لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد الشيعة في تونس إلا أن المتشيعين منهم يعتبرون انتماءهم للفكر الشيعي مرجعه الدولة الفاطمية التي حكمت تونس وشمال أفريقيا في القرن التاسع ميلادي والتي كانت تعتمد هذا المذهب.
الثقافة لا تؤمن بالحدود الجغرافية ولا بالصراعات السياسية ولا المذهبية ولا حتى الاقتصادية، وهي من أهم الاسلحة التي تعتمدها القوى في العالم لغزو الشعوب، ولعل هذا هو التوجه الإيراني الجديد بعد إقرار مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي “بالدور و التأثير الحاسم للثقافة” في خطاب ألقاه بمناسبة عيد النيروز (السنة الإيرانية الجديدة) مارس 2014 الذي كان شعاره “الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنية وإدارة جهادية”.

__________________________________________________

[1] حوار أجراه موقع الاخبارية التونسية (3 سبتمبر 2014) – www.attounissia.com.tn
[2] مقال المغرب وإيران: تطبيع للعلاقات تقوده المصالح – (6 يناير 2015) موقع العربي الجديد – www.alaraby.co.uk
[3] تصريح لجريدة اخبار اليوم الجزائرية بتاريخ 28 ابريل 2015 www.akhbarelyoum.dz
[4] صحيفة الصباح المغربية بتاريخ 7 فبراير 2014 – www.assabah.press.ma

منشورات أخرى للكاتب