المغرب العربي: أية رؤى للأزمة السعودية–الإيرانية؟

اختلفت مواقف دول منطقة المغرب العربي من الأزمة السعودية-الإيرانية التي اندلعت إثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر مطلع يناير 2016، لتتباين بذلك المواقف المغاربية بين موقف داعم لطرف على حساب آخر، وآخر اختار لغة الحياد ومبدأ عدم الانحياز نحو أي من الطرفين المتنازعين.

وكشفت الأزمة بين الرياض وطهران عن مواقف جديدة على مستوى العلاقات الخارجية لبعض دول المغرب العربي، واعتُبرت بعضها “غير منتظرة” على الساحة الدبلوماسية باعتبار خصوصية العلاقة مع أحد الأطراف المتنازعة، في مقابل ذلك يمكن اعتبار مواقف دول أخرى مألوفة بطبيعة التوجهات الدبلوماسية أو العلاقات السياسية والاقتصادية أو الأمنية التي تربطها مع السعودية تحديداً.

الجزائر والمغرب: الحياد في الموقف والدعوة لتغليب لغة الحكمة

تمثل موقف الجزائر من مسألة الأزمة السعودية الايرانية بدعوة الطرفين باعتبارهما عضوين في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى خدمة القيم والتعاليم الموحدة للدين الإسلامي وعدم الدخول في متاهات الحرب المذهبية وأهمية تغليب صوت الحكمة وضبط النفس لتفادي الانزلاق في تعميق الأزمة التي قد تكون عواقبها وخيمة على المنطقة بأسرها. كما عبرت الجزائر في البيان الصادر عن وزارة خارجيتها عن ضرورة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مطالبة بضرورة حماية التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية.

فالجزائر بالرغم من علاقاتها الدبلوماسية المميزة مع طهران التي تجمعهما روابط سياسية وعسكرية واقتصادية كانت متحفظة في إبداء موقف مساند لطهران على حساب الرياض التي سعت مؤخراً إلى فتح نوافذ حوار معها لاستعادة العلاقات بينها ودول مجلس التعاون عموماً والرياض بالخصوص وذلك لمصالح أمنية واستراتيجية واقتصادية. 

ولئن كان هذا الموقف منتظراً من الجزائر إلاّ أن المغرب أصدرت حول هذه الأزمة بياناً يطالب كلاً من الرياض وطهران بالتعقل والحكمة لحل الأزمة وهو ما اعتبره الملاحظون خياراً جديداً يستند إلى نظرية مسك العصا من الوسط. 

فالمغرب الذي لم ينجرف في موجة قطع العلاقات وإبداء الرفض القاطع والغضب من إيران على غرار بقية دول الخليج والسودان وموريتانيا، أعلن عن موقف لم يكن منتظراً بالنظر إلى علاقاتها المميزة والاستثنائية مع الرياض في مسائل جيواستراتيجية كمقترح انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي إلى جانب مشاركة الرباط في عاصفة الحزم للقضاء على التحركات الحوثية في اليمن التي هي بالأساس بوتقة صراع بين السعودية وايران. 

وتبدو غرابة الموقف المغربي أكثر بالتمعن في علاقاتها مع إيران التي لطالما شهدت توترات وصولاً إلى قطع العلاقات العام 2009 لأسباب تتعلق بموقف طهران من الصحراء الغربية وبالتعاون الإيراني الجزائري في المجال العسكري، يضاف على ذلك اتهام الرباط للبعثة الديبلوماسية الإيرانية بالسعي إلى نشر المذهب الشيعي في المملكة، والتغلغل في صفوف الجالية المغربية في أوروبا.

إنّ هذه الخطوة المغربية القائمة على أخذ مسافة واحدة من جميع الأطراف، تؤسس لتموقع ديبلوماسي مغربي جديد قد يساهم في فتح بوابة جديدة أمام العلاقات مع ايران.

تونس و موريتانيا: الانحياز للسعودية

اختارت كل من تونس وموريتانيا موقف الانحياز للطرف السعودي خلال هذه الأزمة على حساب الجانب الإيراني، وقد صعّدت موريتانيا موقفها من مندد للفعل الإيراني ليصل إلى طرد السفير الإيراني من نواكشوط.

ويمكن تفسير هذا التصعيد تجاه طهران بمحاولة القضاء على ظاهرة التشيع في موريتانيا التي برزت أكثر منذ العام 2011 بدعوات بعض الموريتانيين المتشيعين إلى التمظهر العلني للشيعة في موريتانيا من خلال محاولات إحياء ذكرى عاشوراء جنوب العاصمة نواكشوط، وتأسيس جمعيات تنشط في اتجاه الدعوة إلى التشيع تحت غطاء نشاطات ثقافية. هذه الدعوات تصدى لها عدد من الأئمة وعلماء الدين الذين حذروا السلطات من مغبة التهاون مع المد الشيعي.

أما بخصوص الموقف التونسي فقد أصدرت وزارة الخارجية التونسية بياناً اقتصر على التنديد باقتحام السفارة السعودية في طهران والأضرار التي لحقت بالتمثيلية الدبلوماسية السعودية والدعوة إلى احترام السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول. 

ويمكن إيعاز الموقف التونسي المُنحاز نسبياً إلى الطرف السعودي إلى ما أثمرته زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى الرياض والتي تلتها زيارة وزير الخارجية السعودية عادل الجبير إلى تونس ديسمبر 2015، بتوقيع اتفاقيتي قرضٍ لفائدة تونس مع كل من الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية، وتمكين القوات الجوية التونسية من 48 طائرة حربية من طراز “إف 5” على شكل هبة والاتفاق على التعاون في مجالات الدفاع والدفاع المدني والنقل البري للبضائع والأشخاص.

كشفت الأزمة التي اندلعت مطلع سنة 2016 بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران عند بُعد جيوسياسي يؤكد أن كل صراع بين هذه القوى النافذة في منطقة الشرق الأوسط سيلقي بظلاله وسيسمع صداه في شمال أفريقيا. ولعل مواقف دول المغرب العربي التي تربطها مصالح أمنية واقتصادية مع البلدين المتنازعين ستتحدد بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية.

منشورات أخرى للكاتب