شرفاء روما في الخليج

يعم الهدوء القاعة قبل أن يُفتح الستار، يجلس الجمهور بأعناق ممدودة في صمت يليق بعظمة الموقف، يصطفُ شرفاء روما ونخبتها في حلقة شبه مستديرة حول عرش القيصر، يعلن الحاجب دخول (يوليوس) على ركح ليحييه شرفاء روما بما يليق به. يسير المشهد على ما يرام في أحد المسارح العراقية في ثلاثينيات الألفية الماضية حتى يرفع شرفاء روما وجوههم بعد أداء واجب التحية. هنا، يتحول الصمت إلى جلبة، ترتفع القهقهات مستنكرة بأن يكون من يقوم بأدوار شرفاء روما ليسو أكثر من حفنة من النصابين واللصوص والعاطلين عن العمل الذين انتقاهم المسرحي اللبناني الشهير جورج أبيض من مقاهي منطقة الميدان وسط بغداد.
في الحقيقة، لم يكن أمام عميد المسرح المصري حين قدم إلى بغداد بأبطال مسرحيته “يوليوس قيصر” إلا أن يستعين بهؤلاء تحديداً في القيام بأدوار الكومبارس في مسرحيته الجوالة، ألبس جورج أبيض رعاع بغداد ملابس شرفاء روما وقدمهم للجمهور في قالب لم يألفوه عنهم، لقد كان اصطحاب كومبارس المسرحية من القاهرة إلى بغداد باهضاً.
اللافت، هو أن حضور مسرحية جورج أبيض كان لديهم من الاستعداد والتقبلية ما يكفي ليأخذ كلّ منهم هذا الموقف المربك بإيجابية لم تزد عن إطلاق الضحكات والنكات من المقاعد، لم يعترض أحد ولم توثق الشهادات أن أحداً ترك كرسيه مغادراً. فعلياً، لقد أكمل أبطال حي الميدان في بغداد الدور المطلوب منهم كشرفاء لروما القيصرية، وغادروا فرحين.
اليوم، لا تبدو ردود الفعل المرصودة بعد احتفالية رفع العقوبات الدولية رسمياً عن إيران وتطبيق الاتفاق الدولي الذي دخل حيز التنفيذ السبت الماضي إيجابية. قد يكون ذلك باعتبار أن ما حدث في جنيف حقيقة معاشة لا مشهداً مسرحياً، وقد يكون أيضاً، جراء قصور ما في الفهم بأن الحياة في حقيقتها وأن تعقدت تفاصيلها ليست أكثر من مسرح كبير.
سواء على مستوى الدول أو النخب السياسية والإعلامية أو حتى الشعوب يبدو الانفعال المفرط سيد الموقف في التعامل أو فهم مخرجات الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى. يأتي ذلك بالتوازي مع ما يظهر وكأنه اصطفاف – سياسي وديني (طائفي) وعرقي (عرب وفرس) – حاد ومنفلت لا يتفهم أو يعقل أن الصراع في هذه المنطقة لا يختلف عن غيره من المناطق، ولا يزيد عن كونه صراعاً لفرض السيطرة والنفوذ وضمان المصالح الاقتصادية، وأن جميع اللاعبين لا يختلفون كثيراً عن المجموعة التي أدت دور الكومبارس في مسرحية يوليوس قيصر .
لا يجب فهم التوافق الإيراني الأمريكي الأخير باعتباره خيانة أمريكية أو تملصاً من تحالف تاريخي بعيد بل باعتباره نتيجة لتوافق المصالح وسد الثغرات بين مصالح المشروعين الكبيرين الإيراني والأمريكي في المنطقة. قبالة ذلك، تُكبل أدوات وآليات الصراع التقليدية والقاطعة التي تنتهجها دول الخليج العربية في إدارة صراعها مع إيران ومعايشة يومياته أكثر مما تستفيد منها، الأكثر من ذلك، هذه الأدوات والتكتيكات الحادة تجعل دول الخليج العربية ثقيلة الحركة، بل وعاجزة عن مسايرة المستجدات في صراع تتسارع أحداثه ويومياته.
في ذاكرة دول الخليج عديد المواقف التي سايرت فيها واشنطن قبالة العراق (حرب الخليج الثانية والثالثة) وإيران (حرب الخليج الأولى)، وقتئذ؛ كانت مصالح واشنطن وعواصم الخليج العربية أكثر تماسكاً وتوافقاً، وبطبيعة الحال، لم يكن موقف دول الخليج في تلك الحروب التي تحالفت فيها مع واشنطن أخلاقياً.
اليوم، على دول الخليج أن تتنبه إلى أن ليس ثمة ما يمنعها من أن تعيد هي أيضاً صياغة تحالفاتها وتفاهماتها في المنطقة وصولاً لمصالحة إيران أيضاً. فالمشهد بسيط ومكرر، ولا يتطلب مهارات خاصة، فليس ثمة شرفاء في روما، أو في أي مكان أخر.

منشورات أخرى للكاتب