السعودية وإيران: يرتاح السيد ويحارب العبد

أول الكلام، لا يجب الانسياق وراء الخطابات المنفلتة التي حفلت بها وسائل الإعلام الخليجية والإيرانية مؤخراً، أو حتى البناء على مضامين هذه الخطابات وانزياحاتها في فهم المواقف أو التنبّؤ بالمابعديات.
تلك المقدمة تشي بالضرورة إلى القول/ التنبّؤ بأن لا حرب خليجية رابعة في الأفق. ولئن كانت حرب التصريحات قد أثارت موجة من المخاوف والوساطات الإقليمية (تركيا/ سلطنة عمان) عقب إعلان الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران الأحد 3 يناير 2016، إلا أن واشنطن تحديداً، وهي المسؤول الأول عن ضمان الاستقرار في المنطقة، لم تكن لتأخذ مؤشرات هذه الحرب بجدية، أو اهتمام.
الإعدامات التي نفذتها السعودية بحق 47 محكوماً بالارهاب، بينهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر، إضافة إلى ما تبع تنفيذ الإعدامات من تطورات دراماتيكية مع إيران ومنها الهجوم على السفارة السعودية، تسببت في قطع العلاقات بين الجارتين اللدودتين، إلا أنها تبقى تطورات – رغم تسارعها – محسوبة الكُلف والتداعيات.
لا يجب اعتبار قطع العلاقات السعودية الإيرانية منعطفاً خطيراً أو تمهيداً لحرب جديدة في منطقة الخليج، فالعلاقات السعودية الإيرانية ومنذ عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لم تكن في أحسن حالاتها. وفعلياً، مرت العلاقات السعودية الإيرانية بهزات أكثر عنفاً بل وبمواجهات مباشرة، نذكر من ذلك أحداث مكة 1987 التي أودت بحياة أكثر من 270 حاجاً إيرانياً و85 سعودياً، يضاف لذلك القناعة السعودية التامة بأن طهران كانت المسؤول عن تخطيط وتنفيذ تفجير أبراج الخبر العام 1996 الذي أودى بحياة 19 جندياً أمريكياً.
ومؤخراً، يأتي تأكيد ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديث لمجلة “الإيكونوميست” قال فيه “إن حرباً بين السعودية وإيران هي بداية لكارثة كبيرة في المنطقة، وستنعكس بقوة على بقية العالم. وبالتأكيد لن نسمح بأي شيء من هذا القبيل”. مختلف هذه المعطيات تعزز ترجيح استبعاد فرضية أن حرباً جديدة في المنطقة باتت قريبة، خاصة إذا ما أضيف لها تراجع حدة تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
الأهم من كل هذه التصريحات وبالنظر الى توازنات القوى في المنطقة، لا تمتلك السعودية أو إيران القدرة على حسم حرب حقيقية ومباشرة بينهما، لا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا حتى سياسياً. يضاف لذلك، أن هذه الحرب ستفرض على المتورطين فيها اللعب بالورقة الطائفية وتصديرها، وهي ورقة يدرك الطرفان جيداً أن خطرها لا يقتصر على جبهة العدو وحسب، بل وعلى الجبهة الداخلية أيضاً. وبما أن الحروب الطائفية هي بالضرورة حروب طويلة واستنزافية، تدرك كل من الرياض وطهران، أن لا أفق واضح أو معقول لهذه الحرب، وأن لا فائدة ترجى منها. ببساطة هي حرب يمكنك البدء فيها لكنك أبداً لن تكون صاحب القرار في إيقافها. وعلى حدّ تعبير سن تسو: “لم يسبق أن كان هناك حرب طويلة استفاد منها أي بلد”.
نستقي هذه النتيجة في معزل عن الدخول في تفاصيل ما قد يترتّب على هذه الحرب من كوارث اقتصادية وانسانية على كلا البلدين.
وبما أن إعدام الشيخ نمر النمر لا ولن يُحدث تغييراً جوهرياً في توازن القوى في المنطقة تبقى سورية أولوية إيرانية وتبقى اليمن أولوية سعودية، وكذلك تبقى قواعد الاشتباك المباشرة كما هي عليه. وحقيقة، لا حاجة ولا عقلانية في القبول بأي مواجهة أو التورط في أي اشتباك عسكري مباشر، ما دامت هناك دول وشعوب أخرى تبدي قابليتها في تحمل خسارات الحرب وكُلفتها، بكمّ هائل من الحماسة والاهتمام والشجاعة.

منشورات أخرى للكاتب