الجزائر التي ترفع شعار “حل الأزمات يكون من الداخل” تختلف مع حلول دول مجلس التعاون العسكرية الطابع
هناك تفاهمات خليجية جزائرية لمحاصرة تجارب الإسلام السياسي في كل من ليبيا وتونس
منذ عقود العلاقات بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي يكتسيها الغموض، ولئن تقاربت بعض المواقف من ثورات الربيع العربي التي طالت دولاً حدودية لكليهما إلا أن هذه العلاقات وخاصة بين الجزائر والمملكة العربية السعودية تبقى متأرجحة بين توتر وجفاء مبطن واستقرار يبرز تقارباً ديبلوماسي الطابع. ولذا، هي علاقة تتحكم بطياتها وتفاصيلها سياسات وتوجهات إقليمية واستراتيجية.
عُرفت الجزائر في الساحة السياسية العربية بمواقفها الحيادية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، من ذلك موقفها من ثورات الربيع العربي رغم توجسها من امتداد هذه الثورات لا سيما بعد صعود تيار الإسلام السياسي في كل من تونس وليبيا ومصر. ولعل موقف الجزائر من إدارة الأزمة اليمنية وعدم انضمامها لعاصفة الحزم (رغم أنّ التصريحات السياسية الرسمية الجزائرية تعترف بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي) خلق نوعاً من التباعد مع دول الخليج، فالجزائر التي ترفع شعار “حل الأزمات يكون من الداخل” تختلف في توجهها الدبلوماسي جذرياً مع حلول دول مجلس التعاون العسكرية الطابع.
ومثّل رفض الجزائر لمشروع قرار جامعة الدول العربية في اجتماع مجلس الجامعة في سبتمبر 2015 القاضي بتدخل عسكري عربي لحل الأزمة الليبية سبباً في استمرار التوتر في ليبيا، إذ تبنت الجزائر قراراً مغايراً تماماً لما ذهبت إليه بقية الدول العربية وأبرزها دول الخليج ما عدا قطر بترجيحها للحل السلمي القائم على الحوار بين جميع الأطراف المتنازعة.
كما يتعارض موقف الجزائر وموقف دول الخليج من الثورة السورية. عبرت الجزائر عن موقف هو أقرب لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في حين دعمت دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات الجيش الحر وفصائل أخرى عسكرياً ومالياً. هذا الموقف جعل الجزائر مجدداً تغرد خارج سرب ما عُرف حينها بمجموعة أصدقاء سوريا التي ضمت دولاً عديدة منها دول الخليج العربي تحت غطاء دولي وأممي ضمّ جامعة الدول العربية.
تكرار المواقف الجزائرية التي يكتسيها نوع من التحفظ بصفة ملحوظة في الحراك السياسي والدبلوماسي العربي لم يشكل عاملاً دافعاً لتطوير العلاقات البينية مع دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، خصوصاً وأن الجزائر تُعرف بعلاقاتها الدبلوماسية المتينة مع إيران سواء سياسياً بانتمائهما لحركة عدم الانحياز وعدة منظمات دولية أخرى تجعلهما يتقاسمان المواقف السياسية في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، أو اقتصادياً بالعلاقات الثنائية المتطورة التي تضم أكثر من 54 اتفاقية تعاون اقتصادي مشترك.
وهذا التقارب مع الجانب الإيراني كان من شانه أن يقلق الطرف الخليجي، وقد تم تأويل عدة مؤشرات دلت على انزعاج السعودية من هذه السياسة الخارجية الجزائرية خاصة في كيفية إجلاء المواطنين الجزائريين من اليمن إبان عملية عاصفة الحزم أو عملية غلق المجال الجوي في وجه الطيران الجزائري عند إجلاء رعاياها.
وبحكم العلاقات الوطيدة بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية التي انضمت أدبياً العام 2011 لهذا التكتل الملكي الخليجي، تعدّ أزمة الصحراء الغربية نقطة هامة في فتور العلاقة بين الجزائر ودول الخليج نظراً لدعم الجزائر لسكان الصحراء الغربية من أجل الانفصال عن الحكم في الرباط.
وبالرغم من كل ما يبدو من توتر وفتور بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي إلا أنه وخلال العام 2014 لاح في أفق السياسة الخارجية العربية ملامح تحالف جديد ذو طابع سياسي أمني قوامه الجزائر ومصر برعاية وتمويل سعوديين يهدف إلى محاصرة مدّ الإسلام السياسي في مناطق ثورات الربيع العربي، و لا سيما في منطقة شمال أفريقيا وتحديداً في كل من تونس وليبيا.
فهذا التطور في الاعتراف بدور الجزائر كركيزة أساسية في قيادة القاطرة العربية نابع من اقتناع القادة في الخليج ولا سيما في السعودية بمقاربات الجزائر في مستوى إدارة الأزمات الداخلية السياسية والأمنية، وخصوصاً في مسألة التعامل مع حركات الإسلام السياسي ومحاربة الإرهاب و رؤيتها لحل المشكل في ليبيا.
ورغم أن العلاقات الجزائرية مع دول الخليج عرفت تقارباً خاصة في تسعينات القرن الماضي إبان عشرية الإرهاب التي ضربت الجزائر وأصدر مشائخ سعوديون فتاوى لإقناع المتطرفين في الجزائر بإلقاء السلاح والتوبة، كما لا يجب التغافل عن علاقات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بدول الخليج خاصة مع الإمارات التي أقام فيها خلال فترة إبعاده عن السلطة في الجزائر أوائل تسعينات القرن الماضي.
ترى السعودية في الجزائر نموذج الدولة الناجحة في القضاء على منابع الإرهاب وخلايا الإسناد المالي للجماعات المتطرفة، وهو ما سعت الرياض إلى اعتماده كسياسة للقضاء على المتطرفين داخل أراضيها.
اقتصادياً، وفي إطار سعي الجزائر للانفتاح على السوق العربية وتطوير التجارة البينية في منطقة التجارة العربية الحرة التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي بعد أن كان توجهها منحصراً في اتجاه أوروبا، عمدت الجزائر إلى وضع أسس تعاون اقتصادي مع دول الخليج سواء بإرسال وفود إلى كل من الإمارات وقطر العام 2013 لتسويق منتجاتها الزراعية والصناعية ولحثهما على الاستثمار فيها، أو بتوقيع ثلاث اتفاقيات مع السعودية أواخر العام 2014 ركزت على تكثيف التعاون في مجالات النقل الجوي والبحري والتبادل التجاري والتعاون ما بين البنوك الجزائرية والسعودية والاستثمار والتعاون في بناء مشترك لمشاريع كبرى في البيتروكيمياء، أو بتطوير حجم التبادل التجاري مع البحرين الذي بلغ قرابة 16 مليون دولار خلال الثلاثي الأول من العام 2015.
لا يمكن إنكار قيمة الدور الذي تلعبه الجزائر كفاعل أساسي في القرار السياسي العربي والإسلامي والإفريقي وكقوة اقتصادية تتحكم بأسواق النفط في العالم. لذا، فتقارب دول الخليج العربي مع الجزائر يصب في مصلحة الطرفين بعودة الجزائر إلى الصف العربي وتحقيق توازن اقتصادي على الصعيد العربي وضمان دول الخليج لحليف اقتصادي وتوازن سياسي في منطقة المغرب العربي تحديداً.