أمل القبيسي رئيسة لـ”اتحادي” الإمارات: هذا لا يكفي

تترأس القبيسي مجلساً بصلاحيات ذات طابع استشاري ولكن الحكومة الإماراتية تخطط لتوسيع مهامه بشكل تدريجي

لا مناص من الإقرار بأن إقصاء المشاركة النسائية في الحياة السياسية في دول الخليج متعمد

كان انتخاب الدكتورة أمل عبد الله القبيسي رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي للفصل التشريعي السادس عشر في دولة الإمارات العربية، وقعه الإيجابي على كل النخب العربية وبخاصة النسائية منها.
فالقبيسي ترأس اليوم ولأول مرة في تاريخ المرأة العربية مؤسسة تشريعية عربية. وعلى ما يبدو أن أمل القبيسي كانت سباقة دائماً في هذا المجال، فهي أول إماراتية تفوز بعضوية المجلس، وأول إماراتية ترأس جلساته.
ترأس القبيسي المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي لابد أن يحيلنا على مشروع تمكين المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ذلك أن الأهمية في اضطلاعها بهذه المهمة تكمن في أنه لم يكن عن طريق التعيين، على غرار ما اعتادت عديد الدول الخليجية والعربية على توخيه، في محاولة إلى الارتفاع بالكوتا النسائية سواء في المجالس التشريعية أو البلدية وتمكينها سياسياً.
أمل القبيسي تمكنت إلى الوصول إلى هذا المنصب عن طريق صناديق الاقتراع، وهو ما يعكس ثقة الناخبين وتغير نظرتهم إلى المرأة وقدرتها على المشاركة الفاعلة والفعالة في مواقع القرار.
القبيسي اليوم رئيسة منتخبة، وهذا لب الموضوع. هي رئيسة مجلس يضم أربعين عضواً يُنتخب نصفهم عن طريق التصويت المباشر فيما يُعيَّن العشرون الباقون من طرف حكام الإمارات السبع.
وللإشارة فإن المجلس يضم ثماني نساء معينات، بالإضافة إلى الرئيسة المنتخبة. وكان عدد الناخبين قد بلغ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذين يختارهم حكام الإمارات، 224 الفاً من أصل قرابة مليون إمارتي يشكلون عدد مواطني البلاد. وتحمل صلاحيات المجلس حالياً طابعاً استشارياً، ولكن الحكومة الإماراتية تخطط لتوسيع مهامه بشكل تدريجي.
يحيلنا تبوؤ أمل عبد الله القبيسي لهذا المنصب إلى التمعن في تجربة التمكين السياسي للمرأة الإماراتية ومقارنته بمثيلاتها من دول مجلس التعاون. تشير التقارير في هذا الخصوص إلى أن التجربة الإماراتية ليست مستجدة ولها جذور قديمة. ففي سنة 1973 اختيرت عائشة السيار لمنصب وكيلة وزارة في بادرة أولى نحو تشريك المرأة في الحياة السياسية. وفي سنة 2004 حمل التشكيل الوزاري قرار تعيين أول وزيرة في تاريخ الإمارات، وهي الشيخة لبنى القاسمي، وزيرة للاقتصاد آنذاك. وبالوصول إلى عام 2015، أصبح لدى دولة الإمارات أربع سيّدات يحملن حقائب وزارية، هنّ: الشيخة لبنى القاسمي، وزيرة التنمية والتعاون الدولي، مريم الرومي وزيرة الشؤون الاجتماعية و ميثاء الشامسي وريم الهاشمي وزيرَتا دولة، كما تتولى نجلاء العور منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، منذ مارس 2006. أما في ميدان العمل الدبلوماسي، فإنّ دولة الإمارات قطعت شوطاً كبيراً على صعيد تمكين المرأة وذلك بتعيين ثلاث سفيرات للدولة في الخارج، لدى كل من السويد وإسبانيا ومونتينيجرو «الجبل الأسود»، ومندوبة دائمة لدى الأمم المتحدة، إضافةً إلى قنصلتين عامتين في هونغ كونغ وميلانو.
وفي ذلك تأكيد على أن دولة الإمارات ماضية قدماً في مشروعها من أجل تمكين المرأة، وهي بالفعل تبدو متفوقة مقارنة بمثيلاتها في باقي دول مجلس التعاون، على الرغم من أن بعض هذه الدول كان سبَّاقاً في إقرار ضرورة تمكين المرأة سياسياً والمشاركة في مواقع القرار.
على أنه ولئن استبشرنا خيراً بمثل هذه القفزات النوعية التي تحققها المرأة الإماراتية إلا أن تجارب الدول المجاورة تجعل المراقبين لا يتفاءلون كثيرا أو بالأحرى لا يعلقون آمالا كبيرة على هذه التجربة، ذلك أن الكويت والبحرين مثلاً كانتا سباقتين في مجال تمكين المرأة وإشراكها في مواقع القرار على المستوى الخليجي لكن التألق بدأ في الأفول تدريجياً لتبين النتائج أنها لم تحقق النتائج المأمولة.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكار مدى التقدم الذي حققته المرأة الخليجية عموماً في مجال التعليم والعمل ونسبياً على مستوى الحريات، ولئن كانت النسب متفاوتة من بلد إلى آخر. وهو بالتأكيد تقدم فرضه التطور المجتمعي وربما أيضاً الأحداث العالمية التي جعلت على الحكومات الخليجية تتبنى عدداً من البرامج التنموية والتطويرية.
ولكن، على الرغم من ذلك لا يزال حضور المرأة الخليجية في المجال السياسي محدوداً ومحتشماً على الرغم من المجهودات المبذولة في هذا الخصوص، ولا يمكن إنكار الخطوات الإيجابية التي تخطوها الحكومات في هذا الخصوص، إلا أنه على ما يبدو لا تزال الثقة المجتمعية في كفاءة المرأة محدودة وضعيفة.
ففي كل مرة تتجه فيها المنافسة إلى صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية إلا وتكون النتائج مخيبة للآمال، وهو ما يمكن اعتباره سبباً رئيسياً في محدودية المشاركة السياسية للمرأة.
تفعيل المشاركة النسائية في مواقع القرار لا يزال إلى اليوم يمر عبر الهيئات الاستشارية والتعيينات وهو حال مختلف دول الخليج، طبعا هناك استثناءات على غرار انتخاب السيدة أمل القبيسي رئيساً للمجلس الاتحادي، إلا أنه ووفق نظام النسبة والتناسب لا تزال تعتبر استثناءاً مقارنة بباقي دول العالم وربما الدول العربية أيضاً.
فبالنظر إلى واقع المشاركة النسائية في الحياة السياسية في دول الخليج لا مناص من الإقرار بأن هذا الإقصاء متعمد، وهو إقصاء يغذيه فكر مجتمعي يستهين دائماً من قدرة المرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة والمشاركة الفاعلة في عمليات التنمية المجتمعية.
وبالنتيجة فإن تمكين المرأة لا يزال رهين نظام الحصص التي تضبطها الحكومات، وهو توجه لا يمكننا إنكار أن هدفه الأساسي هو تلافي الانتقادات الدولية أكثر منه إيماناً بضرورة التفعيل الفعلي لدور المرأة في مواقع القرار، تفعيل يحق للمرأة الخليجية أن تطالب به وتعمل على تحقيقه، وهي التي أثبتت كفاءتها وقدرتها على تحمل هذه المسؤوليات كلما أتيحت لها الفرصة.

منشورات أخرى للكاتب