المرأة في الدراما الخليجية: أوان الكلام في الحقوق والسياسة

الشاشة قدمت المرأة الخليجية في صورتين نمطيتين: إما باذخة الثراء لا يفارق المكياج المبالغ فيه وجهها أو الفقيرة المعدمة

يتجنب القائمون على الدراما الخليجية الخوض في المواضيع الخلافية التي من شأنها أن تثير حفيظة المجتمعات الخليجية أو الحكومات

لا يمكن أن ينكر متابعو الدراما الخليجية النقلة النوعية التي نجحت في تحقيقها خلال السنوات القليلة الماضية. لقد تنوعت المواضيع واتسمت بمزيد من الجرأة في المعالجة الدرامية وبالتطرق إلى مواضيع كانت تعتبر إلى الأمس القريب ممنوعة ومحرمة مثل العجز الجنسي والعلاقات خارج إطار الزواج وغيرها من المواضيع الاجتماعية.
لطالما كانت المرأة المحور الأساسي في الدراما الخليجية، على الرغم من التحفظات والانتقادات التي كانت ترافق الصورة التي تظهر بها على الشاشة. قدمت المرأة الخليجية في صورتين نمطيتين، فهي إما باذخة الثراء لا يفارق المكياج المبالغ فيه وجهها أو فقيرة، معدمة، لاحيلة لديها. وهي صور لا تعبر عن واقع المرأة الخليجية وحقيقتها أو لنقل أنها تمثل فئة بسيطة من هذا المجتمع.
النقلة النوعية التي شهدتها الدراما الخليجية خلقت مجموعة من القوالب أو الصور النمطية الجديدة. وأما الصورة الأكثر رواجاً فهي صورة المرأة المتحررة، القوية والجريئة تليها صورة المرأة المترفة التي يتحول بمقتضاها العمل الدرامي إلى عروض لأحدث صيحات الموضة. الصورة النمطية الثالثة هي صورة المرأة المفرطة في الخضوع للتقاليد والعادات وبالأخص لقوانين الرجل الوضعية، وهي في الغالب صورة المرأة المنتهكة الحقوق، المنكسرة والمسكينة، وهي إحدى الصورة التي أصبحت سمة تصبغ الأعمال الدرامية الخليجية منذ بداياتها. المسلسلات الخليجية الحديثة بدأت تكرس صورة المرأة المتسلطة، التي تحيك المؤامرات وتسعى إلى إلحاق الأذى بكل المحيطين بها، وهي الصورة النمطية الأجد.
مختلف هذه الصور ولئن كانت لا تخلو منها الدراما العربية والعالمية على حد السواء إلا أنها تبقى صورا نمطية قد تلقى القبول لدى الجمهور، بفضل عوامل متعددة أهمها حرفية الممثلات والصدق في أداء الأدوار بالإضافة إلى الحبكة الدرامية المقنعة وغيرها من المؤثرات. لكن إلى أي حد كانت الدراما الخليجية وفية في تقديمها للمرأة والتطرق إلى قضاياها؟
وهل تتلخص مشاكل المرأة الخليجية في خيانة أو ظلم إجتماعي أو اعتداء جسدي أو جنسي؟ وهل نجحت هذه الأعمال في الإلمام بكل مكونات المجتمع النسوي الخليجي؟
واقع المجتمع الخليجي يقدم صوراً مخالفة لما يقدمه الإنتاج التلفزيوني والسينمائي ولئن كان هذا الأخير لا يقارن بسابقه. المرأة الخليجية ليست بأقل شأناً من مثيلاتها في مختلف الدول العربية ولئن كانت أكثر مراعاة للعادات والتقاليد وربما أكثر خشية لها. ولا يمكننا بأي شكل من الأشكال، إنكار التطور الذي حققته المرأة الخليجية من خلال إقتحامها لعالم الأعمال خصوصا في كل البلدان الخليجية، دون استثناء.
لكن مع ذلك لا تزال صورتها في الدراما بعيدة كل البعد عن واقعها، والأهم بعيدة عن قضاياها الرئيسية، إذ يتجنب القائمون على الإنتاج الدرامي الخليجي الخوض في المواضيع الخلافية التي من شأنها أن تثير حفيظة المجتمعات الخليجية أو حتى بعض حكومات مجلس التعاون الخليجي. فالدراما الخليجية لا تتطرق أو لنقل هي تتجاهل مواضيع مثل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أو موضوع سياقة المرأة للسيارة في السعودية، أو حتى حريتها في التنقل. مثل هذه المواضيع لم تكن من المواضيع التي سطرها المنتجون للخروج بالمرأة الخليجية من القوالب الجاهزة التي دأبت عليها.
ولئن ذهب الكثير من النقاد إلى التأكيد على أن النقلة النوعية التي شهدتها الدراما الخليجية لم تكن لتتحقق من دون “تسليط الضوء على سلبيات الفتاة الخليجية وتقديم نماذج منحرفة من المجتمع الخليجي” متهمين كتاب الدراما بأنهم لا يواكبون التحولات المجتمعية وما يستجد فيها من متغيرات، إلا أنهم في ذات الوقت يتجنبون عرض قضايا من شأنها أن تقدم البديل الجدي، الجريء والفعال في المعالجة الدرامية التي تستمد مواضيعها من الواقع ومشاكله.
وقد كانت دراسة خليجية رسمية أعدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 وعرضت على وزراء العمل والشؤون الاجتماعية الخليجيين، دعت إلى تمكين المرأة في كافة النواحي السياسية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تعزيز مشاركتها في تنمية الدول الخليجية. ودعت إلى توفير الحماية التشريعية القانونية للمرأة في حالات العنف الأسري والعنف المجتمعي بكل أشكاله.
وفي حين أكدت الدراسة، التي أعدت من قِبل المكتب التنفيذي الخليجي، على ضرورة دعم أوضاع النساء في الحياة السياسية وزيادة نسبة مشاركتهن في هيئات ومواقع صنع القرار، فانها حثت في المقابل حكومات دول المجلس على تطبيق نظام الكوتا (الحصص)، مع النساء، وذلك في الهيئات المنتخبة ومواقع القرار السياسي، مع أهمية وجود آلية تنظيم أمر نظام الحصص (الكوتا) وإصدار القرار السياسي بهذا الشأن.
مواضيع كثيرة تنتظر أن تنال المجال لمعالجتها درامياً خصوصاً وأن الدراما الخليجية تعتمد في أغلبها على العنصر النسائي في تطرقها لمختلف القضايا والمواضيع. إذ تتصدر الفنانات الخليجيات الصفوف الأولى في المسلسلات بل إنهن خضن أيضاً مجال الإنتاج الدرامي التلفزيوني على وجه الخصوص. وعليه يبدو أنهن الأولى حالياً بتغيير واقع المرأة ونقل صورة تعكس الواقع بعيداً عن القوالب الجاهزة التي لا تنفك تتكرر في كثير منها. وقد بات ملحاً على المنتج/ السيناريست/ الفنان الخليجي اليوم أن يعي أن الدراما التي لا تخلو من الجانب الترفيهي لطالما كانت تحمل رسائل فكرية وأخلاقية بعيداً عن الجرأة الموهومة في معالجة قضايا اجتماعية اعتيادية ومكررة. على أنه ولتحقيق كل ذلك لابد من التخلص من الاتكال على التمويل الحكومي الذي يحدد خارطة طريق للأعمال الدرامية لايسمح بتجاوزها.

منشورات أخرى للكاتب