هل تنجح قطر في جمع “العدوتين” أم تحلق خارج السرب الخليجي مجدداً؟

هناك فارق بين أن تكون الدوحة قد نسقت مع باقي دول الخليج دعوة الحوار مع طهران أو أنها مبادرة “فردية”

في يد إيران دعوة من الأمير تميم للحوار في الدوحة وتهديد وزير الخارجية العطية بتدخل عسكري في سورية

فتح خبر توقيع قطر وإيران اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين الدوحة وطهران في النصف الأخير من شهر أكتوبر الماضي، باب التأويلات، وطرح كما هائلاً من التساؤلات عن حقيقة الموقف القطري تجاه العدوة الخليجية، إيران.
وجاء في نص خبر توقيع الاتفاقية الثنائية أن “إيران كانت قد عقدت 12 اجتماعاً مع قطر ، وتوصلتا إلى عدد من الاتفاقيات، تم تنفيذ معظمها، بما في ذلك اتفاق على إجراء تدريبات عسكرية ثنائية”. وبمقتضى هذه الاتفاقية سيكون للحرس الثوري الإيراني أن يتدخل في المياه الإقليمية القطرية، والتصدي لأي عمل إرهابي.
إتفاق وعلى الرغم من أنه لم يوقع من قبل مسؤولي الصفوف الأولى في الدولتين، إلا أنه فتح مجالاً واسعاً للتأويلات في ما يتعلق بهدف قطر من سعيها إلى التقارب مع إيران.
تأويلات عزّزها إعراب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن استعداد بلاده لاستضافة حوار بين إيران ودول الخليج، الإثنين 28 سبتمبر/ أيلول 2015 في كلمة ألقاها خلال أعمال الدورة الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقتئذ، أكد أن الخلافات بين إيران ودول الخليج سياسية ولا علاقة لها بالمذاهب، مؤكدا أن “إيران دولة جارة مهمة، والتعاون معها في مصلحة المنطقة، ولا يوجد خلاف متعلق بالعلاقات الثنائية بين بلدينا”. وأردف الأمير تميم أن الخلافات القائمة” هي خلافات سياسية إقليمية عربية إيرانية، وليست سنية شيعية، يمكن حلها بالحوار والاتفاق على قواعد تنظم العلاقات بين إيران ودول الخليج، على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وقد آن الآوان لإجراء حوار هادف من هذا النوع، بين دول سوف تبقى دائماً دولاً جارة، ولا تحتاج لوساطة أحد، ونحن مستعدون لاستضافة حوار كهذا عندنا في قطر”.
دعوة اعتبرها الكثير من المحللين آنذاك، دعوة صريحة إلى مراجعة العلاقات الخليجية الإيرانية وربما السير نحو تقارب ترعاه الدوحة.
تاريخياً، لطالما حافظت قطر على حد أدنى من العلاقات المستقرة والمتوازنة مع طهران بل يمكن تصنيفها في المرتبة الثانية من حيث التعاون مع إيران بعد سلطنة عمان. ولم يسجل للدوحة مواجهة حقيقية واضحة المعالم مع طهران، على العكس من أغلب دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تزال توجه لإيران الاتهامات في كل مناسبة، بتدخلها في شؤون بلدانهم الداخلية.
وعلى الرغم من وقوف قطر في المحور المعارض لإيران في ما يتعلق بالملفين السوري واليمني إلا أنها لا تزال تلوح بأهمية الحوار والعمل على الوصول إلى توافقات تخدم مصلحة الجميع، خصوصاً بعد نجاح طهران في الوصول إلى اتفاق نووي مع الغرب، اتفاق عزز من مكانتها في المنطقة، وأكد سير الولايات المتحدة الأمريكية – الحليف التقليدي لبلدان الخليج – نحو الرضوخ إلى إملاءات طهران لها في ما يتعلق بدول الخليج.
السؤال المطروح في هذا الخصوص، هل يمكن لقطر أن تلعب دور الشريك التوافقي بين إيران وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، فيما عدا سلطنة عمان المتوافقة أصلاً؟ وهل تسمح دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لقطر أن تتبوأ هذه المكانة على المستوى الإقليمي، خصوصا وأنه لم يمض وقت طويل عن رضا دول مجلس التعاون عن شقيقتهم المحتجة دائماً. فقد سبق أن أعلنت ثلاث دول خليجية عن سحب سفرائها من قطر، في سابقة أثارت الدهشة والتساؤل عن أسباب هذه الانسحابات، على الرغم من أن حالة التأزم والاحتقان لم تكن بخافية على أحد.
وقد جاءت التبريرات بعد ذلك لتفيد بأن عدم التزام الدوحة بمبادئ ميثاق مجلس التعاون، هو السبب وراء هذه الحملة التي استهدفت قطر، على أنه لم يكن سراً أن الشقيقات الخليجيات أردن تأديب شقيقتهن التي خالفتهن في سياستهن المشتركة وقدمت الدعم اللوجستي والمالي للإخوان المسلمين في مصر.
وعلى الرغم من عودة المياه إلى مجاريها بين قطر وشقيقاتها وتوافقها معهم في العديد من الملفات ومن أبرزها الملفين السوري واليمني،هل يمكن أن تسمح دول مجلس التعاون للدوحة بالتحليق بعيداً عن سربها مرة أخرى والدخول في تحالفات مضادة لها؟
وهل أن هذه الخطوات التقاربية التي تقوم بها قطر، هي خطوات فردية أم هي نتيجة توافقات سرية بين مختلف دول مجلس التعاون، خصوصا وأنه يبدو أن هذه الأخيرة تشعر بخيبة أمل بعد فتور دعم أمريكا لها؟
الأكيد أن السياسة الخارجية القطرية لم تلق دائماً مساندة مختلف الدول الخليجية وموافقتها، وبخاصة السعودية. حتى أنه يمكن القول بأن الطموحات القطرية لطالما جوبهت بصد من جاراتها، تارة باللين وتارة بالعنف.
من جهة أخرى، قد لا يكون لإيران أن ترفض أية جهود تقارب مع دول مجلس التعاون وهو ما يبرز في استعدادها الدائم لإعادة بعثاتها الدبلوماسية في كل مرة بعد سحب السفراء الخليجيين. وقد لا يكون لها أيضا أن تتجاهل الجهود القطرية وربما قد تساندها ولكنها هل تغفر لقطر وقوفها في المحور المعارض لها في ما يخص الملف السوري؟ فإلى حد الأمس جلست قطر في مقابل حلف إيران روسيا، مساندة كلاً من السعودية وتركيا، وهل يمكنها المرور مرور الكرام على تصريحات وزير الخارجية القطري، خالد العطية، الذي أكد في تصريح لشبكة “سي إن إن” أن بلده لن يتردد في التدخل عسكرياً إلى جانب الرياض وأنقرة في سوريا إذا استدعى الأمر.
الأكيد أن كل المتناقاضات في السياسة جائزة، فعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، ولاشيء يمنع من الانقلاب على صديق الأمس إذا ما اقتضت المصلحة ذلك. ولنا في العلاقات الأمريكية الإيرانية مثال قريب.

منشورات أخرى للكاتب