المصالحة الخليجية: فتور هنا و”حماس” هناك

في الخامس من يونيو عام 2021، حط أمير قطر الشيخ حمد بن تميم آل ثاني، في مطار مدينة العلا السعودية وكان في استقباله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمشاركة في القمة الخليجية. زيارة هي الأولى للعاهل القطري بدء الأزمة الخليجية في يونيو 2017. ومع توقيع “بيان العلا” انتهت “رسمياً” المقاطعة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة ثانية، لكن نسق استعادة الثقة لم يكن متكافئاً بين المُتخاصمين.
بدت السعودية أكثر حماسة لوأد الخلاف مع قطر وباشرت فور قمة العلا التحضير لترتيبات استعادة الدفء في البيت الخليجي. في المقابل تباطأت الخطوات للقاء في منتصف الطريق بين أبوظبي والمنامة من جهة والدوحة من جهة ثانية، ولعدة اعتبارات، قد يكون في مقدمتها أن الشروط الـ13 التي وضعتها الإمارات والسعودية والبحرين ومصر أمام قطر حتى يُرفع عنها الحصار، لم يُنفذ منها شرطٌ واحد.
مسؤولية تاريخية
خلال قمة العلا، قال ولي العهد السعودي إن “جهود الكويت والولايات المتحدة أدت إلى تعاون الجميع للوصول إلى اتفاق بيان العلا”. من جانبه، أعلن أمير قطر أنه “استشعاراً بالمسؤولية التاريخية في هذه اللحظة الفارقة من مسيرة مجلس التعاون وتلبية لآمال شعوبنا، شاركتُ إلى جانب الأشقاء في قمة العلا لرأب الصدع وكلنا أمل بمستقبل أفضل للمنطقة”.
دبلوماسياً، اعتُبرِت قمة العلا “طيًا كاملًا لنقاط الخلاف مع قطر”، مثلما وصفها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان معلناً عودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين المتنازعين. فهل عادت العلاقات فعلاً بين الجميع؟
من الرابح؟
وضعت قمة العلا أسسا جديدة للبيت الخليجي بعد رأب الصدع الذي فرق “الأشقاء”. انطلقت الأزمة بعد يومين من القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض يومي 20 و21 مايو 2017 بحضور الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وكان هدفها “مواجهة الإرهاب واحتواء إيران”. لكن مساء 24 مايو شهد اختراق وكالة الأنباء القطرية “قنا” ونُشرت تصريحات نُسبت إلى أمير قطر خلال حفل تخرج في كلية عسكرية ينتقد فيها العداء الأمريكي لإيران، وهو ما نفته الدوحة لكن تلك القرصنة كانت نتيجتها حملة إعلامية وتلاسناً انتهت بقطيعة غير مسبوقة.
في 5 يونيو 2017 أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية. ولعبت الكويت دوراً محورياً للوساطة بين المتخاصمين، وكذلك قامت أميركا بدور “فعال” للتقارب مثلما كانت فاعلة في اندلاع الخصومة الخليجية. فالحصار على قطر ما كان ليتحقق لولا ضوء أخضر من إدارة الرئيس ترامب.
حاولت قطر فور اندلاع الأزمة تغيير موقف ترامب والتواصل مع الكونغرس، وأفضت الخطوات القطرية إلى اجتماع بين ترامب وأمير قطر في يوليو 2019 وفور تغير موقف ترامب باتت المصالحة الخليجية ممكنة.
تقارب مقابل فتور
مرت أكثر من 3 سنوات على المصالحة الخليجية لكن بعكس التقارب السعودي القطري ما زال الفتور يشوب العلاقات القطرية البحرينية والإماراتية القطرية وأسباب الفتور أقدم من الحصار.
كانت المواقف من الربيع العربي متباينة في الخليج، ففيما دعمتها قطر سياسياً وإعلامياً، عارضتها كل من السعودية والإمارات بشدة، لكنها ليس نقطة الخلاف الوحيدة. اتهمت السعودية الدوحة بدعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف ذات الغالبية الشيعية في السعودية وبدعم الحوثيين في اليمن.
وتعارض السعودية مثل الإمارات احتضان قطر للصحوة الإسلامية ورعاية قيادات إخوانية حتى قبل الربيع العربي اذ استقبلت على أراضيها ومنذ عام 1961 القيادي الراحل يوسف القرضاوي.
لكن قطر ورغم التباين الأيديولوجي مع الرياض، استفادت من الخلاف الإماراتي السعودي منذ العام 2015 بشأن الأولويات في اليمن وهو خلاف تعمق فيما يشبه النزاع على النفوذ. وبعد مد الإمارات نفوذها نحو جزيرة سقطرى اليمنية، تتنافس أبوظبي والرياض على مناطق النفوذ جنوب اليمن وحضرموت، وتركز الإمارات بشكل أساسي على بسط نفوذها على سلسلة من الموانئ جنوب اليمن ساعية لربط شرق أفريقيا بجنوب آسيا. وفيما تسعى السعودية للضغط على رئيس المجلس الرئاسي في اليمن رشاد العليمي حتى يسلمها حضرموت، يقود رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات عيدروس الزبيدي حملة عسكرية موالية للسيطرة على وادي حضرموت الثري بالموارد الطبيعية .
قطر والبحرين وشبح الخلافات القديمة
بقيت العلاقة بين قطر والبحرين متشنجة حتى بعد المصالحة، والأسباب تمتد للتاريخ الحافل بالخلافات بينهما. بعد إبرام المصالحة، قالت المنامة إن الدوحة همشتها من ترتيبات المصالحة، ولم تعد العلاقات بين الدوحة والمنامة إلا في أبريل 2023 بعد مرور نحو عامين على إتفاق العلا. وفي 28 يوليو 2024، قدم السفير البحريني الجديد لدى الدوحة، محمد بن علي الغتم، أوراق اعتماده رسمياً إلى الخارجية القطرية.
تاريخ الخلاف القطري البحريني قديم متشعب خصوصًا خلال فترة الاستقلال بسبب النزاع على جزر حوار. جزر حوار عبارة عن أرخبيل يتنازع البلدان على ملكيتها. واقترحت قطر في عام 2001 التوجه إلى محكمة العدل الدولية وقال أمير قطر حينذاك إن الخلاف يجب حله “لمصلحة كل الخليج”. وافقت البحرين وقطر في العام 1987 على إطار مبادئ تقدمت بها السعودية، لكن في العام 1990 اتهمت البحرين قطر باستغلال القمة الخليجية في الدوحة لبحث احتلال العراق للكويت و”انتزعت توقيع البحرين على اتفاق على أساس المبادئ التي اقترحها العاهل السعودي مع السماح للجانبين برفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية”.
قبلت البحرين وقطر يوم 16 مارس 2001 بقرار محكمة العدل الدولية التي حكمت بأن السيادة للبحرين على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة ولقطر السيادة على جزر جنان وحداد جنان والزبارة وفشت الديبل. ومنحت السفن التجارية القطرية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني منهية نزاعًا عمره أكثر من 60 عاماً. هذا الحكم لم يقتلع بذور الخلاف، فخلال الأزمة الخليجية قالت قطر إن 4 مقاتلات بحرينية اخترقت الأجواء القطرية واشتكت إلى مجلس الأمن الدولي فيما اتهمت المنامة في سبتمبر 2017 السلطات القطرية باحتجاز 3 قوارب صيد بحرينية على متنها 16 بحارًا.
ورغم خلافات المنامة والدوحة، حاول البلدان التقارب في عدة مناسبات قبل أن يشتد الصراع في الأزمة الخليجية. ومن هذا المنطلق، ولدت فكرة “جسر المحبة” الذي كان من المفترض أن يصل البلدين ببعضهما.
أعلن عن المشروع عام 1999 وكان من المؤمل إنهاؤه قبل مونديال قطر 2020 وتحمل البحرين قطر مسؤولية التأخير في إنجازه. نظريا يمتد الجسر على مسافة 40 كيلومترا ليصل جزر البحرين بساحل شبه الجزيرة القطرية ويسمح بعبور السفن والبواخر أسفله.
قطر والإمارات: تنافر أيديولوجي
تتهم الإمارات قطر برعاية الإرهاب ودعم الإخوان والجماعات الإسلامية، وهو ما تنفيه الدوحة بالقول إنها لا تدعم حكمهم لكنها لا تعتبرهم تنظيمات إرهابية. وتأوي الدوحة العديد من القيادات التابعة للإخوان المسلمين بعد سقوط نظام الرئيس الراحل محمد مرسي.
وتقول الدوحة إنها تحارب الإرهاب وتمويله، مستحضرة اتهام واشنطن للسعودية سابقا بتمويل الإرهاب ودعمه وبزعم مسؤوليتها عن هجمات سبتمبر 2001.
واشتد الخلاف بين أبوظبي والدوحة بعد صعود الرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى سدة الحكم، لكن بحلول العام 2013، دعمت أبوظبي وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في إطاحته بحكم الإخوان. وتتهم قطر الإمارات بالرغبة في إملاء سياسة خارجية معينة عليها تجعلها تعادي التيارات الإسلامية.
انتهت الأزمة الخليجية دون أن تقطع الدوحة علاقاتها بإيران، لكنها في المقابل أسقطت الدعاوى القانونية التي رفعتها أمام منظمة التجارة الدولية والمنظمة الدولية للطيران المدني بسبب الأضرار التي تكبدتها جراء إغلاق مجالها الجوي واتفقت جميع الجهات على وقف الحملات الإعلامية المتبادلة. ولم تغير وسائل الإعلام المملوكة للدول الخليجية خطها التحريري ولم تغلق قطر قناة الجزيرة وهو شرط رئيسي وضعته دول الحصار.
ورغم عودة العلاقات القطرية الإماراتية وتبادل الزيارات على مستوى الحكام وكبار المسؤولين، إلا أن ذلك لم يمنع، حتى اليوم، وسائل الإعلام المحلية والدولية التابعة والممولة من البلدين من الاستمرار في كيل الاتهامات بين البلدين. وهو ما يشير إلى أن التوافق القطري الإماراتي لا يزال هشًا.
ومع اندلاع الحرب على غزة، يمكن ملاحظة تفاقم البون والاختلافات بين الدوحة وأبوظبي من حيث الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، وهو الملف الذي يقسم دول مجلس التعاون الخليجي إلى فسطاطين.

منشورات أخرى للكاتب