حزب الله والسعودية: مواجهة بلا نهاية

لعل أفضل وصف للعلاقة بين حزب الله والسعودية هو أنها عدائية للغاية وأنها بانعدام الثقة مطلقًا، الصراعات بالوكالة والطموحات الإقليمية المتنافسة.

تنشأ هذه التوترات من اختلافات إيديولوجية جوهرية، وصراع القوى الإقليمي المعقد بين السعودية وإيران، والدور النشط الذي يلعبه حزب الله في هذه الصراعات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. على مدى العقد الماضي، برز حزب الله كلاعب إقليمي نشط بشكل متزايد متجاوزًا حدوده اللبنانية ليتدخل في صراعات إقليمية مختلفة، مؤكداً هذا التوجه بشعار أطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله: ” سنكون حيث ينبغي أن نكون”. وكان أهم التزام عسكري خارجي للجماعة في سوريا حيث نشر الحزب آلاف المقاتلين لدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة التي كانت تهدف للإطاحة بالنظام.

يمكن القول إن رفض حزب الله لمبادرة السلام العربية عام 2002 كشف بشكل جلي عن حجم الخصومة القائمة بين الحزب والرياض والتي لم تكن ملحوظة بشكل كامل، وهو ما أسس لمزيد من الخلافات وتراشق الاتهامات لاحقا. في 8 مارس/آذار 2002 قال نصر الله خلال ندوة عقدت في بيروت إن “إسرائيل لا تملك أي شرعية وليست دولة قانون ولا يستطيع أحد أن يعطيها الشرعية، ولا يستطيع أي ملك أو أمير أو رئيس أو حاكم أو مرجع ديني أو سياسي أن يتخلى عن ذرة رمل واحدة من أرض فلسطين للصهاينة”، وهو ما عبر عن رفض واضح للمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والغمز من قناة الدبلوماسية السعودية وعلاقاتها الإقليمية. رفض حزب الله للمبادرة أثار استياء السعودية، ولا سيما أن المبادرة كانت تُمثل إجماعًا عربيًا على حلّ الصراع العربي الإسرائيلي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

تطورت الخلافات بين حزب الله والرياض، وتباعدت الرؤى وتصادمت المصالح بين الطرفين، فمن أبرز محطات التوتر:

• 2006: اتهام السعودية حزب الله بالمسؤولية عن العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز.

• 2013: دعوة مفتي السعودية إلى اتخاذ خطوات “تردع عدوان حزب الله في سوريا”. • 2015: فرض السعودية عقوبات على اثنين من قياديي حزب الله.

• 2017: تصنيف السعودية حزب الله منظمة إرهابية.

• 2017: اتهام نصر الله السعودية بأنها طلبت من إسرائيل القيام بعمل عسكري ضد لبنان.

حزب الله: من عدو إقليمي إلى تهديد داخلي

تاريخياً، تتمتع السعودية بنفوذ كبير في السياسة اللبنانية، وخاصة داخل المجتمع الإسلامي السني. قدمت المملكة الدعم المالي للشخصيات والفصائل السياسية المتعاطفة مع مصالحها، سعياً إلى موازنة قوة حزب الله المتنامية ودعم الحلفاء. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت السعودية تشعر بالإحباط بشكل متزايد بسبب هيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية وتصاعد نفوذ إيران داخل البلاد. وأدى ذلك إلى اتباع نهج عدم التدخل مع مشاركة مباشرة أقل وخفض الدعم المالي للحلفاء السابقين. ومع ذلك، تواصل السعودية الحفاظ على علاقاتها مع الشخصيات السياسية اللبنانية. في الوقت الحاضر، يتسم النهج الذي تتبعه الرياض تجاه بيروت بالواقعية والمشاركة المحدودة. ومع الحفاظ على اتصالاتها مع بعض الشخصيات اللبنانية، تنظر المملكة إلى البلاد على أنها تخضع لنفوذ إيراني كبير. يمكن القول إن الأولويات السعودية في لبنان تتركز على المخاوف الإنسانية ومنع الانزلاق الكامل إلى فشل الدولة.

في الجهة المقابلة، ينظر حزب الله إلى سياسات السعودية في لبنان بنظرة سلبية ويعتبر الرياض الداعم الأهم لخصومه السياسيين وأنها تسعى إلى تقويض نفوذه في البلاد. وتشمل أوجه هذه النظرة السلبية من وجهة نظر الحزب:

أولاً: التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية حيث يرى حزب الله أن السعودية تتدخل بشكلٍ سافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، وذلك من خلال دعمها لشخصيات وأحزاب سياسية معينة، وتمويلها لحملات إعلامية ضد الحزب، ومحاولتها التأثير على مسار الانتخابات اللبنانية.

ثانياً: التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تُشكل السعودية من وجهة نظرة حزب الله جزءًا من محورٍ إقليمي معادٍ للمقاومة، وذلك من خلال تحالفها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ويعتقد الحزب أن السعودية تسعى إلى خدمة مصالح هاتين الدولتين على حساب مصالح لبنان والمنطقة العربية.

ثالثاً: في عام 2016، صنفت السعودية حزب الله كتنظيم إرهابي. واعتبر حزب الله هذه الخطوة عدائية وغير مبررة، وتهدف إلى تشويه صورته أمام الرأي العام الدولي. وفي إطار ردود فعل حزب الله على سياسات السعودية، ينتقد نصر الله، بشكلٍ متكرر سياسات السعودية في لبنان، يمكن ملاحظة أن حدة تلك التصريحات تراجعت مؤخراً. ويتهم الحزب السعودية بالتآمر على لبنان والمقاومة. كما يقدم الدعم السياسي لحلفائه السياسيين الذين يُعارضون التدخل السعودي في الشؤون الداخلية اللبنانية.

في المقابل تتهم السعودية، إلى جانب دول الخليج الأخرى، حزب الله بشكل روتيني بالتحريض على الاضطرابات والانخراط في أنشطة مزعزعة للاستقرار داخل حدودها. ومن هذه الاتهامات:

أولا: دعم جماعات المعارضة: تقول السعودية إن حزب الله يساعد جماعات المعارضة الشيعية في السعودية والبحرين ويوفر التدريب والدعم، وبالتالي يتحدى سلطة ممالك الخليج.

ثانياً: تهريب المخدرات: يشتبه في تورط حزب الله في تجارة الكبتاغون، وهو منشط من نوع الأمفيتامين يغمر أسواق الخليج. وترى السلطات السعودية في ذلك محاولة لتقويض الاستقرار المجتمعي. وبينما تتهم السعودية ودول الخليج الأخرى حزب الله بشكل متكرر بالتورط في تهريب المخدرات، فمن الصعب التحقق من الأدلة الملموسة. تتم مصادرة الكبتاغون لكن ربط قيادة حزب الله بالتجارة بشكل نهائي يمثل تحديًا. ويشير بعض المحللين إلى أن هذه الاتهامات يمكن أن تكون ذات دوافع سياسية.

ثالثاً: الصراع اليمني: تؤكد السعودية أن حزب الله يوفر الأسلحة والتدريب والدعم العسكري المباشر للمتمردين الحوثيين في اليمن، مما يطيل أمد الصراع المدمر ويشكل تهديدًا للأراضي السعودية ويُمكنُ وكيل إيراني مباشرة على حدودها. وينفي حزب الله هذه الاتهامات إلى حد كبير، ويصورها على أنها محاولة سعودية لتشويه صورة الجماعة وتبرير أفعالها في المنطقة.

تحاشي النقد لا يعني التحسن

مع عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان في أبريل/ نيسان 2022، وتوسع التفاهم الإيراني السعودي عقب المصالحة التي توسطت بها الصين في مارس/ آذار 2023، يعمل حزب الله على تحاشي النقد المباشر للسعودية. ضمن هذا السياق في تخفيض التوتر في الإقليم، قال نصر الله في خطاب في أغسطس / آب 2022، بمناسبة الذكرى الأربعين لنشأة حزب الله أنّ “ليس لدينا مشكلة في علاقات لبنان مع الدول العربية وخاصة دول الخليج، وأن تتطور هذه العلاقات وتقوى”. وعلى ما في تصريح نصر الله من بعد إيجابي بشكله الظاهري، إلا أنه يعكس واقعًا مكرسًا ومعلومًا عند العارفين بشؤون الحزب مفاده أن أي تقارب بين الحكومة اللبنانية والمملكة لا يعني حكمًا تحسن العلاقات بين حزب الله والرياض، فالعلاقة منفكة تمامًا. ولو كان الأمر ضرورياً لكان من باب أولى أن تتحسن العلاقة بين الحزب والسعودية كترجمة مباشرة لتطور العلاقات الإيرانية السعودية. وهذا لم يحدث.

إن تحسن العلاقات الإيرانية السعودية لم يلمس منه أي تأثير إيجابي على العلاقة المتوترة بين الحزب والرياض وأن خفت حدة النقد، حيث نأى الحزب بنفسه أو تحاشى اظهار النقد المباشر للسعودية، آملا أن يحمل التفاهم الإقليمي الرياض على التوجه شرقا بدل الارتماء التام في أحضان الغرب، وأن تتخلى السعودية عن مشروع السلام مع إسرائيل. هناك محاولة واحدة يتيمة، تقدمت بها السعودية لحل خلافاتها مع الحزب واستمالته عقب عدة شهور من انتهاء الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في يوليو/ تموز 2006 فقد أجرى ملك السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في 4 يناير/كانون الثاني 2007، مباحثات مع نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، والمسؤول بالحزب، الوزير الأسبق محمد فنيش، في أول اتصال من نوعه بين الرياض والحزب. استمرت زيارة الرجلين إلى السعودية لمدة ثلاثة أيام، بهدف تخفيف التوتر بين الطرفين إلا أن شيئاً في تلك العلاقة المتوترة لم يتغير.

لعل الخلاف بين حزب الله والسعودية لا يقبل المساومة، لا تنظر السعودية إلى الحزب كدولة، وبالتالي، هي ليست مضطرة إلى بناء علاقات معه على أسس من المصالح كما هو الحال مع إيران مثلاً، ولا حزب الله يرى نفسه مضطراً للمساومة مع الرياض على ما يراه مبادئ لا تقبل التفريط حين يتطلب الأمر تنازلات على شاكلة تلك التي تطالب بها الرياض. بالنتيجة، يجد لبنان، الدولة والمجتمع، نفسه ضحية هذا التجاذب. وهكذا، تعتبر العلاقة بين حزب الله والسعودية واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا وعداءً في الشرق الأوسط. ونظراً لجذور عدم التوافق الأيديولوجي والصراعات الإقليمية على السلطة والتوترات الطائفية، فإن التنافس بينهما يلقي بظلال طويلة على أي إمكانية للتحسين. وما لم يكن هناك تحول جذري في الديناميكيات الإقليمية، فمن المرجح أن تظل العلاقة بين حزب الله والمملكة محددة بالعداء وتوليد الأزمات.

منشورات أخرى للكاتب