السعودية والإمارات: ما الذي يقف وراء الخلاف؟

أثار غياب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، عن قمة الشرق الأوسط في أبو ظبي يناير 2023 وغياب رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن القمة الصينية العربية في الرياض، تساؤلات وتكهنات عدة حول حقيقة العلاقات بين البلدين.

برز الخلاف العلني للسطح أول مرة عندما رفضت الإمارات اتفاق خفض الإنتاج الذي اقترحه تحالف أوبك بلس في عام 2021، وتسبب حينها في توقف المفاوضات بين دول التحالف ودفع أسعار النفط إلى الارتفاع.

يُعتقد أن الخلاف بين البلدين بشأن أوبك هو جزء من تنافس أوسع، وفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” في يوليو 2021 بعنوان “الإمارات والسعودية في صراع على النفوذ في أوبك”.

تعدد صحيفةُ “وول ستريت جورنال” الأمريكية في 3 مارس 2023 أسباب الخلاف بين البلدين في:

أولا:

تبني الأمير محمد بن سلمان سياسات قائمة على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، واتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه، وإقامة مدينة “نيوم” على البحر الأحمر شمال المملكة لتكون منافسة لمدينة دبي في كل شيء. وكذلك إصدار السعودية قرارًا بضرورة نقل المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية العاملة في الخليج والشرق الأوسط إلى المملكة بحلول عام 2024، وهو ما اعتبرته الإمارات تحديًا لنفوذها في المنطقة.

ثانيًا:

رغبة الإمارات التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي، بلعب دور أكثر بروزًا في المنطقة وتوسيع قدراتها العسكرية، بما في ذلك الحصول على أنظمة أسلحة متقدمة من الولايات المتحدة واستثمارها الرئيسي في مشاريع البنية التحتية حول العالم أثار استياء الرياض التي ترى أن أبو ظبي تحاول أخذ مكانتها.

ويرجع “معهد ولسن” في دراسة ديفيد أوتاواي المنشورة في 20 يوليو 2021 الخلاف السعودي الإماراتي إلى رفض الإمارات التوقيع على اتفاق عام 2009 لإنشاء بنك مركزي مشترك لمجلس التعاون الخليجي، الذي تهيمن عليه السعودية. وعلى الرغم من تجاوز البلدين تلك الأزمة خلال وصول الملك سلمان إلى الحكم إلا أن سحب الإمارات لقواتها من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عام 2019، أعاد بعث الدوافن من جديد. ثم تطورت الخلافات في مجالات عدة حيث لدى البلدين وجهات نظر مختلفة حول عدد من القضايا، بما في ذلك إنتاج النفط، وحرب اليمن، والعلاقات مع قطر، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2020.

اليمن محطة اختبار لهذا التنافس

تأسس التحالف بين السعودية والإمارات في عام 2015، وذلك في إطار تدخلهما العسكري في اليمن. هذا التحالف الذي حظي بدعم الولايات المتحدة، كان قائمًا على أسس مشتركة من الأهداف، منها القضاء على جماعة الحوثيين ومنع إيران من التوسع في المنطقة. ومع تصاعد التنافس على النفوذ في اليمن، جاء الانكفاء العسكري الإماراتي في عام 2019، وتحول تركيز أبو ظبي على دعم القوات الموازية اليمنية، ما أسهم في زيادة الخلافات مع الرياض.

يلخص صالح الجبواني وزير النقل اليمني السابق، في منشور له على منصة إكس، سياق تطور الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن. فبعد استعادة عدن من قبضة الحوثيين في عام 2019، توصل معين عبد الملك، رئيس الحكومة اليمنية، إلى اتفاق مع ولي العهد السعودي لسحب السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي لصالح عبد الملك. في نفس العام، تم توقيع اتفاق الرياض الذي أدى إلى إقصاء بعض “الشخصيات الوطنية” وإدراج المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك في الحكومة.

في يوليو 2019، أعلنت الإمارات تخفيض وإعادة نشر قواتها في اليمن دون تنسيق مع السعودية، مما أثار جدلًا وغضبًا. ومع بداية عام 2021، حثّت السعودية الرئيس هادي على تغيير محافظ شبوة. بعد تعيين محافظ جديد بفترة زمنية قصيرة، سيطر المجلس الانتقالي على محافظة شبوة وأصبح أكثر من 70% من الجنوب تحت سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا.

في أبريل 2022، تمّ تشكيل مجلس قيادة رئاسي يضم أعضاءً من “الشرعية” والمجلس الانتقالي برعاية من السعودية والإمارات. كما وقعت الإمارات اتفاقًا أمنيًا مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في ديسمبر 2022 يسمح للقوات الإماراتية بالتدخل في البلاد في حالة وجود تهديد وشيك، وتدريب القوات اليمنية في الإمارات، وتعميق التعاون الاستخباراتي مما أثار استياء السعودية، ولا سيما مع سعي الامارات إلى بناء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. رداً على ذلك، نشر السعوديون قوات سودانية من التحالف العسكري العربي في مناطق قريبة من العمليات الإماراتية، وفقا لما تورده صحيفة وول استريت جورنال في تقريرها. كما بدأت في التقارب مع إيران. ثم في عام 2023، ذهبت إلى مسقط، طالبة منها رعاية ملف المفاوضات بينها وبين الحوثيين.

بموازاة العمل الدبلوماسي، عملت السعودية في يونيو 2023 على تشكيل مجالس إدارية في الجنوب اليمني مثل مجلس حضرموت الوطني ومجلس عدن الوطني حيث تهدف هذه المجالس إلى تعزيز فكرة اليمن الموحد في تناقض مع تطلعات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالية.

ويزداد التنافس بين البلدين على النفوذ في المناطق الاستراتيجية. يتجلى الأمر في مناطق مثل عدن وحضرموت وسقطرى، حيث استحدثت السعودية مؤخرًا ما يُعرف بـ “قوات درع الوطن” بهدف تعزيز وجودها في اليمن وإحلالها مكان القوات الموالية للإمارات.

وبعد أن شهدت عدن وأبين وسقطرى وشبوه تداخل الصراعات والتوترات، يبدو أن محافظة حضرموت الإستراتيجية تأتي كمسرح محتمل للنزاع المتصاعد، حيث تنوي السعودية بناء خط أنابيب يمتد من المملكة إلى بحر العرب عبر محافظة حضرموت، بما في ذلك إقامة ميناء بحري في العاصمة المكلا، وفقًا لتقرير صحيفة وول ستريت جورنال.

الخاتمة

يكشف الخلاف بين البلدين أن التحالف السعودي الإماراتي كان قائمًا على أساس ضعيف نسبياً، وأنه تطور نتيجة تغييرات إقليمية ودولية، حيث يتنافس البلدان على النفوذ في عدد من المجالات الرئيسية، بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. ويعتقد خبراء من معهد تشاتام هاوس في لندن أن المملكتين الخليجيتين تُظهرانِ المزيدَ من القوة في المنطقة، وأن اليمن هو فقط الخط الأمامي الأول لهذا التنافس.

ويرجع البعض حدّة الخلافات إلى طموحات الرجلين الحاكمين في أبو ظبي والرياض، حيث تنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أمريكي قوله: “هذان شخصان طموحان للغاية يريدان أن يكونا لاعبين رئيسيين في المنطقة”. أما صحيفة التلغراف البريطانية فتنقل في يوليو 2023 عن السير جون جنكينز، سفير المملكة المتحدة السابق في المملكة العربية السعودية، قوله إنه “ليس من المستغرب أن تحتدم الخصومة، لكن هذا لن يؤدي بالضرورة إلى انفجار كبير بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان الذي يريد تحويل السعودية في بعض النواحي إلى نسخة فائقة الأفضلية من الإمارات”.

منشورات أخرى للكاتب