العلاقات القطرية البحرينية: ما المشكلة؟
تقف العلاقات بين قطر والبحرين على مخزون تاريخي هائل من الصراعات والتقلبات. ويتضمن الأرشيف البريطاني ملفات ضخمة من تفاصيل النزاعات بين البلدين، بعض تلك التفاصيل تتجاوز أبعاد الصراع الجغرافي أو الحدودي الذي رسخته إتفاقية 1913. والحال أن النزاعات الحدودية بين دول الخليج العربي كانت وما زالت عنصرًا من عناصر التوتر بين مشيخات تلك الدول لكنها في الحالة البحرينية القطرية تبدو أكثر تعقيدًا من كونه صراعًا حدوديًا فقط.
كشفت الأزمة الأخيرة التي شهدها مجلس التعاون لدول الخليج العربي منذ منتصف 2017 وحتى قمة العُلا في 2021، عن بعدٍ شخصي بين العائلتين الحاكمتين في قطر والبحرين، وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة عند مراجعة الفضائين الإلكترونين القطري والبحريني وما تنشره الصحف المحلية، ما يصل حد الانتقام والتشفي والافتراء في بعض الأحايين.
بُعيد إتفاق العلا (يناير 2021) الذي أنهي مظاهر الأزمة بين قطر ودول الخليج الثلاث (السعودية/ الإمارات/ البحرين)، لم يكن متوقعاً أن تُنهي البحرين أزمتها مع قطر، في الوقت نفسه كان السلوك القطري واضحًا في أهدافه التي تركزت على المصالحة مع الجانب السعودي فقط دون اكتراث لبقية الدول المشاركة في الأزمة. الجانب السعودي كان بحاجة لإنهاء الأزمة مع قطر بالدرجة الأولى دون أن يعنيه بقاء الأزمة مع الدول الأخرى لأسباب قيل وقتها أنها تتصل بالرغبة السعودية في إنهاء ملف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بالتنسيق مع الجانب التركي، وقتئذ، بدت الأمور وكأنها صفقة بين قطر والسعودية، أغضبت هذه الصفقة أبوظبي والمنامة حيث ظلت الأمور شبه مُعلقة، وفي حين استطاعت الإمارات تجاوز عزلتها مع قطر، بقيت البحرين وحيدة ومنبوذة قطريًا رغم كل المحاولات التي سعت إليها حكومة البحرين لإنهاء الأزمة والاستفادة من المصالحة القطرية، وعلى وجه الخصوص الاستفادة الاقتصادية من بطولة كأس العالم التي تستضيفها الدوحة آواخر العام الجاري.
تُشير تسريبات تتداولها وسائل الإعلام إلى أن المطلوب من البحرين، بالنسبة للقطريين، هو القيام بزيارة رسمية إلى الدوحة كشرط من شروط تعليق الأزمة والعودة إلى ما قبل 2017. بدورها، تعمل البحرين على شرعنة موقفها وتحويل موضوع إنهاء الأزمة إلى لجان ومباحثات ورسائل رسمية للضغط على الجانب القطري ومحاولة إحراجه عربيًا وعالميًا، وهو الأمر الذي لا يبدو أن الدوحة تكترث له إذا ما قيس مع حجم القوتين السياسية والاقتصادية للقطريين. الأمر الذي تحول لدعاية سلبية على البحرين التي تظهر وكأنها تتوسل الحوار والمصالحة مع الدوحة. يمكن وصف التكتيكات البحرينية بالمترهلة دبلوماسياً، فالجانب القطري يتخذ موقفًا حازما إزاء بعض الاستفزازات التي قامت بها البحرين وفي مقدمتها قيام 4 طائرات عسكرية من قوة سلاح الجو البحريني بالتحليق في سماء الدوحة إبان الأزمة الخليجية، الأمر الذي اعتبرته قطر سلوكاً عدائياً، كذلك مصادرة أكثر من 100 عقار تعود ملكيتها لأفراد من عائلة المسند (عائلة الشيخة موزة المسند والدة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والشخصية الأكثر نفوذا في قطر).
تبدو الأزمة البحرينية القطرية عصيّة على الانتهاء، وترتكز اليوم على محفزات انتقام وتصفية حسابات تقودها قناة الجزيرة التي ظلت إلى ما قبل الأزمة ترفض التعاون مع المعارضة البحرينية ونجدها اليوم تفتح أبوابها بصورة واضحة للمعارضة البحرينية، كذلك تفعل صحيفة الوطن البحرينية المقربة من الديوان الملكي، حيث تنشر حلقات عن ملكية العائلة الحاكمة لمنطقة الزبارة القطرية.
ولا تخلو الأزمة القطرية البحرينية من تنافس شبه معلن حول ملف التطبيع الذي قررت البحرين والامارات أن تكونا صاحبتا العلامة التجارية لإتفاقيات ابراهام في المنطقة، على خلاف المسلك السعودي والقطري والكويتي الذي يبدو متحفظاً. وهذا الأمر، رغم كونه معقدًا وله مسارات سرية، إلا أن تبني المنامة لمسار التطبيع وممانعة الدوحة له يزيد من حدة التنافس بين العاصمتين.
مؤخرا على هامش قمة جدة التقى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بالأمير تميم بن حمد آل ثاني، وكانت البحرين قد رفعت حظر السفر إلى قطر والعودة للعمل بنظام التنقل بالبطاقة الشخصية بين دول الخليج كافة بما يشمل المواطنين القطريين. تجاهلت وسائل الإعلام القطرية اللقاء ولم تتحدث عن إجراءات البحرين الخاصة الإيجابية، تريد الدوحة التأكيد على أن مسار إنهاء الأزمة واضح لديها وهو زيارة رسمية من البحرين إلى الدوحة ورفض أي مسار آخر مهما كان إيجابياً.
لا تمتلك البحرين ما تواجه به امبراطورية قطر الإعلامية ولا القوة السياسية الصاعدة للدوحة سواء في الملفات الإقليمية المشتبكة او في تحولها لخزان تسوية أزمات إقليمية كبرى كاجتماعات الملف النووي الإيراني أو دورها في تبريد العلاقات الإيرانية الخليجية. ومن ما تقدم يبدو أن الأزمة بين العائلتين لا تجد طريقها إلى الحل على غرار ما حدث مع السعودية أو الامارات ومصر، وعليه، يمكن النظر للأزمة بين قطر والبحرين باعتبارها أزمة “عائلية” بين بيوتات الحكم أكثر من كونها خلافات سياسية أو حدودية.