ديمقراطية الكويت في مفترق طرق: بين تصحيح المسار أو اجراءات شديدة الوقع والحدث
حمل قرار ولي عهد الكويت ونائب أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، بحلّ مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة، عنوان “تصحيح مسار المشهد السياسي”، وبهذا الإعلان يكون الشيخ مشعل قد وضع حدًا لحالة الاحتقان السياسي التي لطالما صبغت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد.
وكان تعنّت كلّ من مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي والحكومة قد خلق حالة من الجمود السياسي وتسبّب في نشوء أزمة سياسية استمرت لأشهر طويلة، أزمة سياسية ألقت بظلالها على باقي القطاعات في الدولة وعطّلت عجلة التنمية فيها.
مشهد سياسي قاتم وممزّق
لطالما تباهى الكويتيون بممارستهم للديمقراطية سواء كان ذلك من خلال احتكامهم إلى صناديق الاقتراع أو من خلال أداء النواب تحت قبة البرلمان، ولطالما كانت أيضا قدرة مجلس الأمة الكويتي على تمرير قراراته ومواجهة وزراء الحكومة مضرب المثل، على المستوى العربي على الأقل. لكن نتائج السنوات الأخيرة من التجربة الديمقراطية في الكويت كانت، دون شك، مثيرة للتساؤل، خصوصاً عن ما إذا كانت التجربة قد تسببت فعلاً في تعطيل عجلة التنمية في البلاد وتقسيم الكويتيين إلى فسطاطين متحاربين. يمكن القول أن الممارسة الديمقراطية دفعت الكويت إلى عنق الزجاجة وخلقت حالة من الاختناق، وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة للخروج من هذه الأزمة التي لخّصها ولي عهد الكويت في الخطاب الذي ألقاه نيابة عن أمير البلاد بقوله “مازال المشهد السياسي تمزّقه الاختلافات وتدمره الصراعات وتُسيره المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن وتقدمه وازدهاره ورفاهية شعبه”.
ويعود تاريخ آخر فصول الخلاف والتوتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت إلى نهاية العام 2020 فبعد تشكيل أوّل حكومة بعد الانتخابات البرلمانية في شهر ديسمبر من ذلك العام، اضطرت حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح إلى الإستقالة، لتتكوّن بعدها مرتين وتستقيل كذلك لمرتين والسبب في المرات الثلاث يعود إلى استخدام أدوات قانونية ودستورية تخوّل للنواب استجواب الوزراء والتلويح بسحب الثقة عنهم، وعلى الرغم من استنزاف الحكومة من خلال الاستجوابات إلا أنها كانت في كل مرة تستميت في الدفاع عن بقائها ولكن الدعوة إلى استجواب رئيس الوزراء كان يدفعها إلى الاستقالة ويجهض محاولاتها للبقاء.
ولعلّ النقطة التي أفاضت الكأس هي اعتصام عدد من النواب تحت قبة عبدالله السالم منذ منتصف شهر يونيو/حزيران مطالبين بالإسراع في تشكيل الحكومة.
ولخّص الشيخ مشعل هذه الوضعية بتأكيده على: “ظهور تصرفات وأعمال تتعارض مع الأعراف والتقاليد البرلمانية، ولا تحقق العمل التنفيذي الحكومي المأمول باختيار الكفاءات، وغياب الدور الحكومي في المتابعة والمحاسبة وعدم وضوح الرؤية المستقبلية للعمل الحكومي، مما ترتب عليه عرقلة وتأخر مسيرة التنمية وعدم تحقيق تطلعات المواطنين وآمالهم المشروعة”.
وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن للكويت تاريخ حافل في ما يتعلّق بحل المجلس النيابي، فقد سبق أن تم حلّه ثمان مرات كان آخرها العام 2016.
تصحيح المسار
ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الجابر الأحمد الصباح حمّل مسؤولية إنقاذ البلاد من حمى التجاذبات السياسية إلى الشعب الذي سيحتكم إلى صندوق الإقتراع وراهن في ذلك على وعي المواطنين ووطنيتهم، مؤكّدا أن الهدف من هذا الحل الدستوري هو “الرغبة الأكيدة والصادقة في أن يقوم الشعب بنفسه ليقول كلمة الفصل في عملية تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد، باختيار من يمثله الاختيار الصحيح، والذي يعكس صدى تطلعات وآمال هذا الشعب.” ويراهن قادة البلاد في ذلك على حالة التذمر والغضب التي وصل إليها المواطن الكويتي والتي قد يكون انتبه من ورائها إلى أن الاختيار المحكوم بالانتصار للقبيلة والطائفة هو الذي أوصل الأمور إلى هذه النقطة الفاصلة.
إجرائيا لابدّ من تنظيم انتخابات برلمانية في غضون شهرين من صدور مرسوم رسمي بحلّ المجلس وذلك وفقا للمادة 107 من الدستور الكويتي وهي المادة ذاتها التي استند عليها أمير البلاد في قراره حلّ المجلس. لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة التي يبدو عليها، فولي العهد الكويتي كان حاسما في خطابه على قدر الشفافية التي تحدّث بها وقدّم جملة من الالتزامات في محاولة للسير قدما نحو حلحلة الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبالتالي خلق استقرار سياسي من شأنه أن يعود بالنفع على كل قطاعات الدولة.
واقع الأمر لا يبدو على هذا الحجم من التفاؤل، فالمشهد السياسي الكويتي أشد تعقيدا مما يمكن تصوره، مشهد تتحكم فيه القوى القبلية والطائفية ناهيك عن تغلغل الفساد فيه وصراعات يشاع أنها تشمل أطرافاً من داخل الأسرة الحاكمة ذاتها.
وعليه، لا يبدو أنه طرأت تغييرات في هذا المشهد المتكرر منذ سنوات. وللإشارة فالمسببات هي ذاتها التي أدّت إلى حلّ المجلس في كل مرة وكذلك الآليات ومكونات العملية الإنتخابية هي ذاتها، سيناريو تكرر لثمان مرات، فهل يعيد التاريخ نفسه لتبقى الكويت تدور في حلقة مفرغة لا تعود بالفائدة إلا على فئة تتمعّش من حالة الفوضى هذه؟
ومع استمرار حالة الاحتقان بين البرلمان والحكومة، تعالت بعض الأصوات المطالبة بمراجعة دستور البلاد، بل إنها اعتبرته ضرورة ملحّة، فيما طالب آخرون بتغيير النظام الانتخابي للقطع مع الإختيارات المبنية على أسس القبيلة والطائفة. ولسائل أن يسأل في هذا الخصوص، هل أن إجراء انتخابات خلال شهرين سيحدث تغييرًا جذريًا داخل البرلمان وفي العلاقة بينه وبين الحكومة التي سيتم تكوينها؟ والأهم من كل ذلك، هل يبدو المواطن الكويتي مؤهلاً لمواجهة ضغط القبيلة والطائفة؟
من الواضح ومن خلال ما أكّده الشيخ مشعل في كلمته، أن فشل مبادرة بيت الحكم هذه يعني الإنفتاح على سيناريوهات كثيرة وربما خطيرة لن تكون مختلف أطراف الأزمة قادرة على مواجهتها. فولي العهد الذي بدأ خطابه بالتأكيد على أن الدستور هو “شرعية الحكم وضمان بقائه” وأنه سيكون في “حرز مكنون”، عاد ليتوعّد بـ” اتخاذ إجراءات شديدة الوقع والحدث” في صورة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
سيناريوهات كثيرة تتبادر إلى الذهن تحاول أن تجيب على معنى ما أشار إليه الشيخ مشعل بـ “اجراءات شديدة الوقع والحدث”، فهل تتعلّق هذه الاجراءات بالدستور؟ أو بالنظام الإنتخابي؟ أم أنها تخص تعيين رئيس الحكومة؟ أو أنها إجراءات أمنية تستهدف محاسبة المتسببين في الفراغ السياسي وتعطل دواليب الدولة؟
لاشك أن انتخابات مجلس الأمة المقبلة ليست كأي انتخابات سبقتها. لا شك أيضاً، أن سوق التأويلات والتوقعات حول دستور الكويت والتجربة الديمقراطية مفتوح على سيناريوهات أقل ما يمكن أن نصفها به أنها ستكون تاريخية ومفصلية.