تخفيف حدّة التّوتر بين إسرائيل وإيران

تستمر لعبة القط والفأر بين إسرائيل وإيران على نحوٍ تصعيدي خطير كانت آخر أحداثه الانفجار التي شهدته مُنشأة نطنز النووية الإيرانية في الحادي عشر من إبريل/نيسان. دفع ذلك وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى تحذير إسرائيل التي “خاضت رهاناً بالغ السوء إذا ظنَّت أن الهجوم سوف يُضعف موقفها في المحادثات النووية.” يأتي ذلك في أعقاب اغتيال محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث يعتقد كثيرون أن وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) هي التي تقف وراء الهجومين.

بعد انفجار نطنز، رفعت إيران من مستوى التصعيد بإعلانها البدأ في تخصيب اليورانيوم إلى 60٪؛ الأمر الذي يعني تعزيز قدرتها على امتلاك أسلحة نووية. وفي 13 أبريل/نيسان، تعرضت سفينة إسرائيلية لهجوم من طائرة بدون طيار أو صاروخ إيراني قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة، وهو الهجوم الثالث من نوعه خلال شهرين.

في هذه الأثناء، تواصل إسرائيل صراعها منخفض الحِدّة مع إيران والذي يدور على ثلاثة محاور. يهدف المحور الأول إلى إحباط طموح إيران النووي، بينما يهدف المحور الثاني إلى تدمير القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا عن طريق الضربات الجوية، والثالث من خلال استهداف السفن بهدف منع وصول النفط والأسلحة الإيرانية إلى نظام بشار الأسد.

وعلى الرغم من أن الأمر يبدو وكأن الإسرائيليين لهم اليد العليا، إلا أن هجوماً جوياً شنّته إسرائيل داخل سوريا في الساعات الأولى من يوم 22 أبريل/نيسان أكد أنهم أيضاً معرضون للخطر على الرغم من تطور دفاعاتهم المضادة للصواريخ. كانت قوات الأسد قد أطلقت صاروخاً روسياً من طراز إس 200 استهدف مقاتلات إسرائيلية شنت هجوماً في مرتفعات الجولان ولكنه انفجر في الجو بالقرب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في جنوب البلاد.

سارع الإسرائيليون إلى القول بأنهم لا يعتقدون أن مفاعل ديمونا كان مستهدفاً، كما سارعوا بالإعلان عن تحقيق في سبب عدم اعتراض الجيش الإسرائيلي للصاروخ. إلا أن الحادث سيمنح الإيرانيين إحساساً بالرضا حيث يتحدى صورة السماء التي لا تُقهر التي تسعى إسرائيل إلى الترويج لها.

كل هذه السجالات بين الطرفين تؤكد حقيقة أن أياً من الطرفين لا يريد حرباً شاملة عالية المخاطر. ولكن في ظل هذا الجو المحموم المتوتر يلعب قانون العواقب غير المقصودة دوره. فمجرد سوء تفسير  لموقف أو حماس مُفرط من أحد الأفراد أو خطأ بشري بسيط؛ يمكن لهذه العوامل مجتمعة أو لأي منها منفرداً أن تكون له نتائج كارثية.

ويخيّم على ذلك كله خطة العمل الشاملة المشتركة. فالرئيس بايدن مُصمّم على إعادة أمريكا إلى الاتفاق الذي يُحجّم الطموح الإيراني في امتلاك سلاح نووي. فالإسرائيليون -وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- نظروا إلى اتفاق عام 2015 الذي انسحب منه الرئيس ترامب في عام 2018 بمنتهى الريبة والشك. ومن جانبهم، يرغب الإيرانيون في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لضمان رفع العقوبات التي تستمر في شل اقتصادهم.

 يزيد الأمر تعقيداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقاتل ليس فقط من أجل حياته السياسية ولكن لتجنب السجن إذا ما أُدين الآن بتُهم عدّة أمام المحاكم. وفي ظل الرفض الشعبي الواسع في إسرائيل لخطة العمل الشاملة المشتركة قد يلجأ نتنياهو إلى خيار التصعيد لصرف الانتباه عن الصعوبات السياسية والقانونية التي يواجهها.

يشعر الإيرانيون -فيما قد يثبت أنه سوء تقدير خطير- بضَعف جهود بايدن لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وهذا الاعتقاد يجعلهم يشعرون بأنه يمكنهم الاستمرار في التمسك بمطلبهم بعودة الولايات المتحدة دون شروط مسبقة، كموافقة إيران على مناقشة القيود على قدرات صواريخها الباليستية وتقليص طموحها الإقليمي في العراق وسوريا واليمن.

بينما تحدّق إسرائيل وإيران ببعضهما البعض، ما هي احتمالات تخفيف حدّة الصراع وتقليل مخاطر العواقب غير المقصودة؟ في هذا المنعطف لا نتوقع الكثير. ولكن انطلاقاً من مبدأ أن أياً منهما لا يريد حرباً شاملة، فمن الممكن رؤية ضوء في نهاية النفق. وما يدعم القضية أيضاً أن الولايات المتحدة عادت إلى ساحة الدبلوماسية التي تخلى عنها دونالد ترامب عن عمد وبشكل هدّام. يوجد في البيت الأبيض الآن دبلوماسيون كبار يتفهمون ويقدرون تعقيدات الشرق الأوسط التي تعامل معها ترامب بمنطق الصفقات والغطرسة والاستخفاف.

قد يكون الأمر أن إيران أدارت ظهرها قليلاً إلى المتمردين الحوثيين في اليمن لتؤمّن لنفسها مكاسب كبيرة إلى حدٍ ما؛ اتفاق لبدء تخفيف العقوبات على مراحل. من ناحية أخرى، تستطيع الولايات المتحدة تحريك الأمور عبر تقديم اللقاحات وأشكال الدعم الأخرى –دون شرط- لمساعدة إيران في مواجهة جائحة كورونا. بالطبع سيتعين على الأمريكيين أيضاً إقناع إسرائيل بالكف عن محاولاتها لتهميش خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي أزمة يزيدها تفاقماً حقيقة أن البلاد لا تزال في حالة شلل انتخابي حيث يواصل نتنياهو حِيَله اليائسة للبقاء على قيد الحياة، ومن بين تلك الحِيَل تسليح الجهات المعارضة للاتفاق.

لا يزال فن الدبلوماسية -والذي يستعيد رونقه الآن بعد سنوات ترامب- هو لعبة التسويات المتبادلة ومهارة تحديد المواقع التي تُتيح لجميع أطراف اللعبة الإشارة إلى انتصاراتهم بغض النظر عن حجم تلك الانتصارات. إلا أن الجائزة الكبرى، التي هي بالطبع شرق أوسط آمن وسلمي، لا تزال بعيدة المنال، وقد يستحيل الوصول إليها. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال الإعراض عن السعي والمحاولة، خاصة أن خطة العمل الشاملة المشتركة تُعدُّ نقطة بدء جيدة.

منشورات أخرى للكاتب