رؤية 2030 بعد مرور عام

* هذه المقالة مترجمة من اللغة الإنجليزية.

بعد عام من المقابلات التي استقطبت الأضواء والوعود الجريئة لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فيما أُطلق عليه “رؤية 2030″، لم يقدم الرجل إلا القليل حتى الآن في إطار دعوته إلى إصلاح جذري للاقتصاد السعودي. وبالرغم من نجاحه في الاستئثار بمزيد من السلطات وتقويض آمال ولي العهد الأمير محمد بن نايف بدرجة كبيرة، إلا أن أهم مكونات استراتيجيته لم تخرج كثيراً عن كونها مجرد وعود على الورق.

وبحسب ما نصّت عليه الوثيقة الأصلية، فإن جوهر الرؤية هو: “السعودية… العمق العربي والإسلامي… قوة استثمارية رائدة… ومحور ربط القارات الثلاث.” كما تم الإعلان عن ثلاثة محاور ينبني عليها نجاح هذه الرؤية: “المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح”.

بالطبع يستحيل  تناول المحورين الأول والثالث كمّياً لذا دعونا نركز على الثاني. لا يمكن وصف الاقتصاد السعودي بأنه مزدهر، بل الوصف الأكثر دقة أنه اقتصاد مترهّل.

والواقع أن جميع المؤشرات تشير إلى اقتصاد يتباطأ بدرجة كبيرة. فالنمو في الناتج المحلي الإجمالي تخطى بالكاد 4% مقارنة بالعام 2015. وفي العام الماضي –ومع استمرار الهبوط في أسعار النفط- انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 2%. انخفض الإنفاق الاستهلاكي كنتيجة مباشرة لخفض الإعانات المالية في سبتمبر في العديد من القطاعات وكذلك الاستقطاعات الشاملة من رواتب موظفي القطاع العام وبدلاتهم، والتي بلغت في بعض الحالات 40% من صافي الأجور التي يتلقونها. ومن ثم فليس من المستغرب أن يتلقى الإنفاق الاستهلاكي تلك الضربة الكبيرة في بلد يعمل ثلثا موظفيه لدى الحكومة.

كانت هناك احتجاجات كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي مع بدء تأثر العوائل بهذه الاستقطاعات وفي متصف أبريل ردت الحكومة بإعلان متوقع وإن بدا -وبذات الدرجة- غير بديهي إزاء نيتها المعلنة لرؤية 2030 للحد من الإنفاق الحكومي مع تمكين القطاع الخاص. تم إسقاط الاستقطاعات عن العلاوات والمكافآت الخاصة بالخدمة المدنية، وفي أثناء زيارته للقوات المسلحة، قام محمد بن سلمان بصرف مكافأة قدرها شهرين للجنود المشاركين في حرب اليمن.

فماذا كانت النتيجة؟ زيادة ضخمة في فاتورة الإنفاق العام مع تأرجح سعر النفط حول 50 دولاراً للبرميل. أعلنت الحكومة عن قدرتها على تحمل تلك الزيادة، بفضل ما أشارت إليه بأنه “عدد من إجراءات الإصلاح المالي تم اتخاذها خلال العامين الماضيين مما أدى إلى تحسن كبير في الوضع المالي”.

على أي حال، هذا مجرد تفسير واحد، ولكن الواقع يقول بأن أولى محاولات محمد بن سلمان لكبح جماح القطاع العام المتضخم بشكل كبير في المملكة كانت مرتعشة وانتهت بالتراجع السريع.

يومئ المراقبون للشأن السعودي على المدى الطويل مؤكدين، “لقد توقعنا كل ذلك من قبل”. وعلى الرغم من نية ولي ولي العهد المعلنة عن تحرير الاقتصاد السعودي وخطته الأخيرة من الاعتماد على الهيدروكربونات، يظل النفط هو الأساس.

بينما كان يجري الإعداد لرؤية 2030 انخفضت أسعار النفط إلى دون 28 دولاراً للبرميل، وبمجرد الإعلان عنها انتعشت الأسعار مرة أخرى لتصل إلى حوالي 50 دولاراً للبرميل حيث تظل تتأرجح منذ ذلك الحين. خفف ذلك بعض الضغط عن مسعى الإصلاح الرئيسي الذي قد يحدث تغيراً كبيراً في الاقتصاد السعودي، ألا وهو التقويض الصارم للقطاع العام في الوقت الذي تم فيه تنشيط القطاع الخاص عبر “تنمية الفرص للجميع من روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى”، على حد قول الوثيقة.

فلنأخذ أحد المجالات كالمساكن ميسورة التكاليف مثلاً والتي يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها بنشاط. نشرت صحيفة فايننشال تايمز أن وزارة الإسكان قد أقرت بالحاجة إلى إنشاء 3,3 مليون وحدة سكنية على مدى العشر سنوات المقبلة. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل فرصة عظيمة للقطاع الخاص، إلا أنه –في الوقت ذاته- يمثل إدانة كبيرة للأسرة الحاكمة التي لم تهتم إلا بمصالحها ومصالح أصدقائها من نخبة رجال الأعمال وأهملت مشاريع الإسكان التي يحتاج إليها المواطنون. تم تسهيل منح الرهون العقارية ولكن إذا لم تكن بغرض بناء المنازل فلا حاجة إذن إليها.

وبينما تم فرض الرسوم على ما يسمى بالأراضي البيضاء والممتلكات الحضرية الخاضعة لسيطرة العائلة الملكية أو الممنوحة لأصدقائها وتظل خالية من المباني بينما تزداد قيمتها، إلا أنه لم يتم تطبيق الرسوم فعلياً. فالإسكان ميسور التكاليف يتطلب أرضاً ميسورة التكاليف، ولكن الأراضي القابلة للبناء تظل بدرجة كبيرة غير مستغلة.

يتمتع محمد بن سلمان بصفته رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بصلاحيات تمكنه من استغلال الأراضي البيضاء، ولكنه تردد مرة أخرى بهذا الشأن خشية أن ينفر منه باقي أفراد الأسرة الحاكمة.

كما شدَّد ولي ولي العهد بصفته رئيساً لشركة أرامكو السعودية على بيع نحو 5% من حصة عملاق منتجي المواد الهيدروكربونية كجزء من خطته الرامية إلى تغيير جذري في طريقة عمل الاقتصاد السعودي. هو يعتقد أن أرامكو تقدر بنحو 2 تريليون دولار أمريكي، لكن خبراء الصناعة النفطية غير مقتنعين بالرقم ويقدرونه بين تريليون و تريلون ونصف. وإذا ما ثبتت صحة تقديرات الخبراء، فإنه ستكون هناك فجوة كبيرة في العائدات المفترض تخصيصها بغرض ضخها في القطاع الخاص من أجل تنشيطه.

يرتدي الابن المفضل لدى الملك سلمان قبعة أخرى، فهو وزير الدفاع السعودي والمسؤول الأول عن الحرب في اليمن، تلك الحرب التي تكلف المملكة المليارات، ناهيك عن آثارها المروعة على الشعب اليمني. في أبريل من العام الماضي، تحدث في مقابلة مع بلومبرغ عن “تقدم كبير في المفاوضات” مضيفاً “نعتقد أننا أقرب من أي وقت مضى إلى حل سياسي”. وها هو عام قد انقضى ولا نرى حلولاً سياسية تلوح في الأفق، ولا تزال حملات القصف والحصار البحري تقضي على الأخضر واليابس في واحدة من أفقر بلدان العالم.

سوف تخبرنا الأيام ما إذا كانت الطموحات السامية والخطابات البليغة لرؤية 2030 سوف تجلب هذا النوع من التحول الذي يعتقد محمد بن سلمان مخلصاً –وبلا شك- أن البلاد بحاجة إليه. ولكن بعد مضي عام، ولا تزال الأيام تمضي، تتزايد الشكوك حول قدرة الأمير الصغير على تحويل هذا الخطاب البليغ إلى عمل على الأرض.

* بيل لو هو محلل بقضايا الشرق الأوسط ومختص بشؤون الخليج. يغرد على @billlaw49.

منشورات أخرى للكاتب