قطر و”سيداو”: اتفاقية “موقعة” وتطبيق “معطل”
نتيجة لما تمر به المرأة حول العالم من انتهاكات حقوقية واضطهاد متفاوت على المستويين العام والخاص وعلى مستوى وضع القوانين والمكانة الاجتماعية للمرأة، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1979 معاهدة “سيداو” كوثيقة شاملة تهدف لإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من ممارسة كافة أدوارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون تمييز.
وقعت على الاتفاقية عشرون دولة عربية ومنها دول الخليج كافة، وأرفقت الدول توقيعها بعدد كبير من التحفظات، ونتيجة لذلك، فقد صرحت لجنة سيداو بقلقها تجاه تزايد التحفظات الخليجية على الاتفاقية.
وتستند دول الخليج على مبررات مختلفة، ولو تشابهت في طابعها التقليدي، في محاولة تبرير هذه التحفظات، وعلى الرغم من الطقس السياسي العكر في منطقة الخليج والعداوة السياسية الحالية بين قطر وبعض جيرانها من دول الخليج إلا أن موقف الحكومة القطرية من بنود اتفاقية سيداو يتماشى مع نسق هذه الدول، لا يبدو الخليج “واحداً” في هذه الأيام لكن أشكال الممارسة السياسية والتشريع “واحدة”، ما يعني أن السياسيات والقوانين التي تمس حقوق المرأة القطرية يتم غالبًا التحفظ عليها، فالمرأة الخليجية في نفس قارب القمع والتمييز ولو تفاوتت الفجوة الحقوقية بين الجنسين من دولة لأخرى.
التحفظات القطرية على “سيداو”
تنص اتفاقية سيداو على مبادئ المساواة والعدالة في كافة مجالات الحياة، ومع ذلك فإن ردود اللجنة القطرية تصادمت مع ما طالبت به “سيداو”، مثال ذلك (المادة 9) التي تنص على منح المرأة الحق في تمرير جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو حتى تغييرها، كما تنص المادة على ضمان بقاء جنسية الزوجة بغض النظر عن جنسية زوجها وما قد يطرأ من تغيير في جنسيته، تحفظت قطر على مادة المساواة في حق تمرير الجنسية للزوجة وذلك لأن المادة تتعارض مع أحكام قانون الجنسية القطرية، والتعارض في الحقيقة هو تعارض أحكام القانون القطري مع مبدأ المساواة في حق أصيل كحق تمرير الجنسية، فقانون الجنسية القطرية ينزه المواطن القطري وتقف حقوق المواطنة القطرية بسبب تعذر الوفد الحكومي بمواد القانون، وكأن الدولة لا يملك السلطة أو القوة كافية لاقتراح تغييرات على هذه القوانين وما يقف دون حصول المرأة القطرية على حق تمرير الجنسية، وعليه، يعتبر التعذر بمواد القانون القطري دون محاولة لتفسير هذه القوانين وعلى أي أسس وضعت ردًا تلقينيًا لا يقدم تعليلًا واضحًا لرفض الحكومة القطرية حق تمرير الجنسية. وفيما وافقت على هذا الحق أغلب دول العالم دون تحفظ، تجلس قطر بجانب ٢٦ دولة أخرى رفضت حق منح الأم الجنسية لأبنائها.
تمثل المواد التي تحفظت قطر عليها حقوقًا انسانية أصيلة، فتمرير الجنسية يساهم في حصول المواطنة القطرية وأبنائها على حياة كريمة دون تعقيد ويضمن حق الأبناء في امتلاك “هوية” و”جنسية” الأم أسوةً بالرجل.
وبجانب (المادة 9) تحفظت قطر على (المادة 15) التي تعتبر من أساسيات ضمان تمتع المرأة بحقوق مساوية لحقوق الرجل فيما يتعلق بالاستحقاقات الأسرية أي المسائل المادية كالميراث والنفقة أو الاشتراك في الألعاب والأنشطة الرياضية وفي الحياة الثقافية ككل.
التحفظات القطرية على (المادة 15) فيما يتعلق بمسائل الإرث والشهادة وردت باعتبار المادة مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، واستند التحفظ القطري رفض المساواة في المستحقات الأسرية المالية للمرأة مستندًا على أحكام الشريعة الإسلامية، الغريب فعلًا هو أن القوانين القطرية لا تتبنى أسس الشريعة الإسلامية في كل مجالاتها، فهي تنتقي ما يناسبها من تشريعات في مواضع محددة، كما أن هذا التحفظ يتعارض مع نص الدستور القطري الذي يؤكد في المادة 35 منه على أن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات.
يذهب بعض الباحثون الإسلاميون إلى أن الفتوى في منح المرأة نصف ما يرثه الرجل تعود إلى أن الواجبات الاجتماعية والاقتصادية سابقًا وفي العصر الذي صدرت فيه الفتوى كانت أكثر وأكبر من مسؤوليات وواجبات المرأة آنذاك، وبما أن الرجل ملزم بالنفقة فمن المنطقي أن تكون له نسبة أكبر من الميراث. اليوم، من المفترض أن تؤسس الحكومات نظامًا اجتماعيًا شاملًا welfare system يتكفل بالنفقة على من ليس لهم دخل مادي، ذكرًا كان أو أنثى، وبذلك، يُرفع واجب النفقة عن كاهل الرجل، وغني عن البيان القول بأن مسؤوليات وواجبات المرأة اليوم كبيرة، وأن لا مقارنة بين واجبات المرأة في عصر صدر الإسلام وواجباتها في القرن الواحد والعشرين.
المرأة: بين كيان الأسرة والحقوق المضيعة
في مورد آخر، أكدت قطر بأن مسألة “تغيير الأنماط” الواردة في المادة (5/1) ينبغي أن لا يُفهم منها تشجيع المرأة على التخلي عن دورها كأم ومربية مما يؤدي إلى خلخلة كيان الأسرة”. وعليه، بإمكاننا تتبع الأساس الذي تبنى عليه السياسيات والقوانين المعنية بالمرأة في قطر، ترى الحكومة أن من واجبها التأكيد على الصورة النمطية للمرأة، حيث أن اللجنة ذاتها صرحت بأن دور المرأة ينحصر (أو يجب أن يبقى ويلتزم) في كونها أمًا ومربية، وأن عدم التزام المرأة بهذه الوظيفة يترتب عليه “خلل” في تركيبة الأسرة.
حصرت المذكرة القطرية دور المرأة القطرية في الأمومة وأنها المسؤول في حال طرأ أي تغير على “كيان الأسرة”، والغريب هو أن هذه المرأة في الوقت ذاته، غير قادرة على تمرير جنسيتها لأبنائها ولا حق لها في الولاية على أبنائها، أيضًا، لا يمكن للمرأة القطرية إخراج وثائق رسمية لأبنائها أو حتى السفر معهم دون موافقة الأب.
لا تزال الحكومة القطرية تطبق قانون ولاية الرجل على المرأة، وفي الغالب، تعلل الدولة هذا النظام التمييزي بذات الحجج التي سردتها الحكومة في تحفظاتها على مواد اتفاقية سيداو. ولئن كانت هذه التحفظات مبنية على أسس تقليدية دون شرح منطقي وتعليل لهذا التحفظ، فإنها تؤكد أن قطر لا تملك الرغبة السياسية الحقيقية حتى الآن في تغيير منظومة الدولة القانونية التي تشرع التمييز ضد المرأة، وترعاه.