المغرب العربي والتطبيع مع اسرائيل: النأي بالنفس مقابل السلام

اتّسمت ردود فعل دول المغرب العربي على اتفاق كل من دولة الإمارات العربية المتّحدة ومملكة البحرين على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وصولًا لتوقيع إتفاقيات تنص على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بالحذر، كان واضحا انتقاء الألفاظ والعبارات استجابة لمطالبات شعبية متصاعدة لحكام دول المغرب العربي وحكوماتها بمواقف واضحة في ما يتعلّق بعملية التطبيع.

وفي ماعدا موريتانيا التي أعلنت مساندتها الخطوة الإماراتية من خلال بيان أصدرته وزارة خارجيتها وعبّرت فيه عن ثقتها بأن دولة الإمارات ستراعي مصالح الأمة العربية والشعب الفلسطيني في كل موقف تتّخذه، وشق خليفة حفتر في ليبيا الذي صمت عن التصريح رسميًا بموقفه من التطبيع رغم ما يروج عن نية حكومة طبرق بالسير على نفس الطريق الإماراتي والبحريني، بدت باقي الحكومات المغاربية متململة في إعلان مواقفها.

إحراج المواقف الاستباقية

ساهمت مسارعة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمؤثّرون على شبكات التواصل الإجتماعي في إحراج الموقف الرّسمي المغاربي ودفعه إلى الإعلان عن موقف حاول من خلاله أن يتجنّب غضب كل الأطراف، الإمارات، الولايات المتحدة والشعوب المغاربية.

في تونس، وعلى الرغم من استقبال الرئيس قيس سعّيد سفير دولة فلسطين بتونس هايل الفاهوم بقصر قرطاج وتأكيده على موقف تونس الثابت من الحق الفلسطيني وأن “الحقّ ليس صفقة ولا بضاعة ولا مجرّد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح”، على الرغم من ذلك اتُّهم سعيّد بالتّلكؤ في إعلان موقف واضح من عمليّة التّطبيع وبتجنّب التّصادم مع الإمارات خصوصا بعد تصريحه قائلا “إننا لا نتدخل في اختيارات بعض الدول ولا نتعرض لها، ونحن نحترم إرادة الدول، فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها، ولكن لنا أيضًا مواقفنا التي نعبر عنها بكل حرية، بعيدًا عن إصدار بيانات للتنديد بهذا الموقف أو ذاك.”

موقف الرئيس التونسي أثار انتقادات عدّة، خصوصا وأنه اكتسب جزءا كبيرا من جماهيريته إبان الانتخابات الرئاسية من مناهضته لإسرائيل ومناصرته للقضية الفلسطينية.

سعيّد الذي بدا كمن يحاول المحافظة على توازنه وهو يمشي على حبل رفيع نجح نسبيًا في تجنّب التصادم مع مختلف الأطراف في هذه المسألة، إذ بدا واعيا بأن الانحياز إلى طرف دون آخر من شأنه أن يكلّفه الكثير في ظلّ ظرف إقتصادي وسياسي دقيق تعيشه تونس.

الموقف المغربي جاء على لسان رئيس الوزراء المغربي، سعد الدين العثماني، الّذي يتولى منصب الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” ذي التّوجهات الإسلامية. العثماني أكد رفض بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل وانتظر إلى حين انعقاد الملتقى الوطني الـ16 لشبيبة حزب “العدالة والتنمية” في الـ٢٣ من شهر أغسطس/ آب ليعلن الموقف الرسمي المغربي من عملية التطبيع قائلا أن “موقف المغرب ملكًا وحكومة وشعبًا من الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض كل عملية تهويد والتفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين، وعلى عروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف”.

في المقابل، تردّد اسم المملكة المغربية كثيرا ضمن قائمة الدّول العربية المرتقب أن تطبّع علاقاتها مع اسرائيل وتستند التقارير الإعلامية التي روّجت لهذا الموضوع إلى جملة من المعطيات أهمّها أن المغرب يسمح فعليا للسياح الإسرائيليين بالدخول إلى أراضيه بالإضافة إلى وجود علاقات تجارية مشتركة. على أن أكثر ما يعزّز مصداقية هذه الترويجات هو التأكيد بأن المغرب يفاوض على الإعتراف بسيادته على إقليم الصحراء مقابل تطبيع علاقاتها مع اسرائيل ما يرجّح أن العمليّة قد تتأخّر إلى حين الوصول إلى توافق بخصوص الشرط المغربي ولن تكون المملكة المغربية التالية على قائمة التطبيع، في ظلّ وجود دول عربية أبدت جاهزيتها.

أما في ما يتعلّق بالموقف الجزائري، فلم يخرج عن الخطاب المألوف من نصرة للقضية الفلسطينية، حيث أكّد وزير الإعلام الجزائري والناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية، عمار بلحيمر،أن القضية الفلسطينية من الثوابت للسياسة الخارجية للجزائر وأن الجزائر على المستويين الشعبي والحكومي مع الدولة الفلسطينية “ظالمة أو مظلومة”.

الموقف الجزائري الرسمي لم يعلنه بلحيمر خلال مناسبة سياسية أو إعلانا رسميا بالموقف الجزائري من عملية التطبيع الإماراتي ولكنه كان في خضم إجابته عن سؤال بهذا الخصوص في حوار أجراه الناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية مع وكالة “سبوتنيك” الروسية. 

أما الحكومة الشرعية في ليبيا فقد التزمت الصمت هي الأخرى ولم يسجّل لها ردّ فعل إلا ماجاء على لسان عضو المجلس الرئاسي للحكومة الليبية محمد عماري والذي أكّد فيه أن اتفاق التطبيع يمثل “خيانة غير مستغربة من الإمارات” لكنه تصريح منفرد لم يرق إلى مستوى التصريح الرسمي الممثّل للسلطة الشرعية في البلاد.

سياسة النعامة 

الملفت أن هذا التراخي في إبداء موقف رسمي من عمليات التطبيع، ولو كان تنديدا، وهو ما دأبت دول المغرب العربي على إعلانه على امتداد سنوات طويلة، كانت فيها القضية الفلسطينية أم القضايا والاشتراط الأول في مختلف الصفقات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الملفت أن هذا الموقف عبّرت عنه أيضا دول المغرب العربي أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب من خلال رفض مشروع قرار فلسطيني يدين الخروج عن مبادرة السلام العربية وهو ما اعتبر تخلّيا من جامعة الدول العربية عن واجبها تجاه القضية الفلسطينية وذلك خلافا لما حصل عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد العام ١٩٧٨ بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات والرئيس الإسرائيلي مناحم بيغن عندما أعلنت المقاطعة العربية لمصر وتعليق عضويتها في الجامعة العربية ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس.

وللإشارة فإن مبادرة السلام العربية صاغتها المملكة العربية السعودية وتم إطلاقها سنة ٢٠٠٢ وتبنّتها جامعة الدول العربية وتنص على إقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل بعد انسحابها من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

على أن سياسة النأي بالنفس وتجنّب التصادم مع الإمارات وأمريكا خصوصًا، راعي معاهدات السلام مع إسرائيل، التي اعتمدتها الدول المغاربية تعكس مدى حذرها من الدخول في صراعات خصوصا وأن أغلبها يعاني من صعوبات إقتصادية وقد يكلّفها إعلان موقف معارض أزمة إقتصادية جديدة، أقلّها طرد العمالة المغاربية في البحرين والإمارات وربما باقي دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تستقطب هذه الدول أكثر من نصف مليون عامل بحسب احصائية أجراها مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والإستراتيجية سنة ٢٠١٩. 

وعلى ما يبدو أن دول المغرب العربي المحكومة بضغوطات إقتصاديّة وإجتماعيّة ومالية داخلية زادتها جائحة كورونا حدّة، وبضغوطات السياسات والتحالفات الإقليمية، اختارت لنفسها سياسة النعامة في التعامل مع ملف التطبيع العربي مع اسرائيل محاولة الإبتعاد عن الإصطدام مع أي طرف على الرغم من أن الشعوب المغاربية وعلى عكس الحكومات ماتزال على عهدها في دعم الفلسطينيين ورفض التطبيع.

للسياسة قوانينها وإملاءاتها، ولذلك، يعتبر الكثيرون مواقف دول المغرب العربي المتأرجحة حول ملف تطبيع الإمارات والبحرين مع اسرائيل خطوة أولى في إتجاه تقبّل هذا الواقع الجديد في المنطقة، خصوصًا وأن مختلف الدول المغاربية جمعتها بإسرائيل علاقات غير معلنة سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي.

منشورات أخرى للكاتب