فاشينستات الكويت: فراغ قانوني أم تهاون في استيعاب الظاهرة؟

انشغل الرأي العام في دولة الكويت خلال الأسابيع المنقضية بقضية غسيل الأموال التي كان أبرز أبطالها “الفاشينستات” بالإضافة إلى مجموعة من المؤثرات والمؤثرين من مشاهير مواقع التواصل الإجتماعي. وعلى الرغم من مسارعة الفاشينستات المتهمات إلى نفي التهم والتأكيد على أنهن ضحايا شبكة لتبييض الأموال، إلا أن الرأي العام الكويتي والخليجي وقف وقفة المتشفي والمؤكّد لهذه التهم على الرغم من أن القضية ما تزال تخضع للتحقيق والتحريات.

في الواقع، تتزايد حملات التشهير والإنتقادات نحو “الفاشينستات” في المجتمع الكويتي خاصة حيث انطلقت الظاهرة لتنتشر بعد ذلك في مختلف دول الخليج والوطن العربي. تطوّرت الظاهرة من مجرّد فتيات هاويات تعرضن تجاربهن الخاصة في ما يتعلق بالتجميل والموضة لتشمل الفنانين والمشاهير ولتتحوّل الظاهرة إلى ما يشبه التسابق على عرض الممتلكات الثمينة واستعراض مظاهر الترف في الحياة الخاصة.

منذ بداية انتشارهن تواجه الفاشينستات ولسنوات معارضة شديدة وإتهامات بالتّسبب في انهيار القيم الأخلاقية والتخلي عن العادات والتقاليد وتأسيسهن لنمط حياة جديد وشاذ عن النمط المعتاد في المجتمع الكويتي والخليجي المحكوم بضوابط دينية وأعراف مجتمعية محدّدة. ذلك أن جزءًا كبيرًا من عملهن يقوم على تصوير الحياة الخاصة والعائلية واستعراض تفاصيل استهجنها المجتمع الكويتي والخليجي المحافظ.

وبالإضافة إلى ذلك تتّهم الفاشينستات بالترويج لنمط حياة مزيّف ومضلّل، فمن خلال نقلهن لجزء ضئيل من حياتهن اليومية، يذهب في ظن الكثيرين أن ما يتم عرضه هو مستوى الحياة اليومية العادية، مما تسبّب في مشاكل كثيرة خصوصا لدى فئة الشباب التي تفتقد إلى الحكمة في موازنة المواضيع والمتعطّشة إلى الثراء السريع. كما أن تمكّن الفاشينستات خلال فترات قصيرة من تحقيق أرباح خيالية وتصريحهن بالأجور العالية التي يتقاضونها مقابل خدمات الدعاية ، خوّلهن خلال السنوات الأخيرة، إلى أن تصبحن مثالًا يحتذى به، بصفة خاصة لدى فئة الشباب.

من المؤكّد أن انتشار الفاشينستات ماهو إلا تطوّر طبيعي لقطاع التّجارة الإلكترونية والذي فرضه انتشار وسائل التّواصل الإجتماعي وبخاصة منها الانستجرام والسناب شات. كما أنه لا يمكن إنكار أن مثل هذه المواقع فتحت المجال أمام العديد من الناس للعمل والإستثمار واستحدثت مواطن عمل كثيرة كما أنها تعدّ أيضا تطوّرا طبيعيا لوسائل التسويق في عصر يعيش فيه الإنسان يومه متنقلًا داخل جهاز هاتفه الذكي وفاق فيه الترويج للمنتوجات والبضائع على هذه المواقع الدعايات التلفزيونية.

الملفت في الأمر، أن الفاشينستات وعلى الرّغم من تزايد أعدادهن وانتشارهن المهول ودخولهن عالم الأعمال في الكويت وغيرها من دول الخليج وتحقيقهن لمداخيل مالية خيالية وتأكيد الدراسات الإجتماعية على حجم التأثير الذي تمثّله هذه الظاهرة/ المهنة الطارئة على متابعيهن في مختلف مواقع التواصل الإجتماعي وعلى منصة الانستجرام على وجه التخصيص، إلا أنه لازلن يعاملن معاملة الظاهرة وربّما الفقاعة التي ستزول قريبًا.

ولعلّ التّأخر في التّعامل مع” ظاهرة ” الفاشينستات، هو السبب الرئيسي في أن أصبحن لقمة سهلة في فم عصابات تبييض الأموال الذين استغلوا غياب نظام قانوني وضريبي ينظم هذا القطاع وغيره من القطاعات لإرتكاب هذه الجرائم، ذلك أن ضعف الرقابة المالية فتح الباب على مصراعيه أمام عمليات تبييض الأموال في بلد لا يسأل فيه أحد “من أين لك هذا”؟

 وهو ما يبدو أن وزارة الصناعة والتجارة الكويتية قد اقتنعت به مؤخرا بعد قضية غسيل الاموال، إذ تروج أخبار بأنها تعكف الآن على العمل على استحداث تراخيص تجارية جديدة تحت مسمى رخص لمزاولة تجارة إلكترونية، على أن الهنة الأكبر والتي تسببت في انتشار عمليات تبييض الأموال تكمن بالأساس في غياب قانون ضريبي يجبر الحاصلين على المال من تقديم تقارير مفصّلة عن مصادرها وقيمتها، كما هو الحال في أغلب الدّول الأوروبية وهو بالمناسبة إجراء من شأنه أن يدرّ مداخيل هامة على خزينة الدّولة وفي المقابل سيتمّ تنظيم هذه “الظاهرة” تلقائيًا، خصوصًا وأن عددًا كبيرًا من المتمصلحين منه لن يستفيدوا مستقبلًا من الأموال الطائلة التي تدخل حساباتهم البنكية دون رقيب ولا حسيب.

لابدّ أن الدّعاية من خلال مشاهير السوشيال ميديا والفاشينستات، أصبحت سوقًا منافسة لأسواق الدعاية التقليدية على المستوى العالمي إلا أنّ التعامل معها على أنها حالة طارئة والبطئ في استيعابها أسهم في وقوع البعض قصدًا أو دون قصد في شباك المتحيّلين. ولكن بقطع النظر عن أنه قطاع حديث فإن ذلك لا يبرر التأخر في إقرار نظام ضريبي يحمي المال العام ويجفّف منابع الفساد المالي، ذلك أن اعتماد وحدة للتحريات المالية لم يعد، على ما يبدو كافيا للتّصدي لمثل هذه الجرائم، على الرغم من أن هذه الوحدة هي من نجحت في التفطن لها، لكن من الأكيد أن منع ارتكابها أفضل من القبض على مرتكبيها.

منشورات أخرى للكاتب