فيروس كورونا وتعميق الممارسات التمييزية ضدّ الأجانب في دول الخليج

عرّت جائحة كورونا عنصرية متغلغلة في الثقافة الخليجية، وبعيدا عن الممارسات الشعبية المعتادة تجاه الأجانب والتي يعتبر فيها المواطنون أن الأجانب فئة أقل، فإن انتشار فيروس كورونا كشف أن العنصرية في دول الخليج تبدو في بعض الآحايين ثقافة متأصّلة ومتغلغلة في المجتمعات الخليجية خصوصا وأنها تتأتى هذه المرة من النخبة السياسية والمثقفة. وما الدعوات المطالبة التي شهدناها في الكويت بعدم إرجاع المصريين إليها إلا دليل على التمييز ضد هذه الفئة.

وتأججت هذه الظاهرة خصوصا مع بداية انتشار فيروس كورونا في دول الخليج، إذ سريعا ما توجّهت أصابع الإتهام إلى العمالة الأجنبية وكأنها المسؤولة عن انتشار الوباء، وتعالت الأصوات المطالبة بتسفير العمال الوافدين. في الكويت، لم توفر النائب الكويتي صفاء الهاشم جهدًا في حربها المستمرة والمسعورة ضدّ العمال الأجانب وبالخصوص المصريين منهم، فقد سارعت الهاشم إلى المطالبة بـ"تطهير" البلد من العمالة المخالفة عبر ترحيلهم دون أيّة التزامات مادية على اعتبار أنهم وبحسب رأيها" الأقل اهتماما بالتعليمات الصادرة عن حكومة الكويت" بل وطالبت أيضا بفرض "الحظر الجزئي على جميع مناطق الوافدين"!

الفنانة الكويتية حياة الفهد، أثارت هي الأخرى البلبلة بعد تصريحات عنصرية ضدّ العمالة الأجنبية والتي دعت فيها إلى إخراجهم من البلاد أو"رميهم بالبر" كما ولو أنهم بضاعة رخيصة منتهية الصلوحية يتوجّب التخلّص منها. مجلس النواب البحريني لم يخل هو الآخر من المطالبات التمييزية والعنصرية تجاه الأجانب في البلد، فقد طالب النائب محمود البحراني بترحيل العمالة الأجنبية التي ليس لديها عمل في الوقت الحاضر جرّاء تعطّل العديد من المؤسسات وعجزها عن سداد أجور موظفيها.

ويتكرر المشهد ذاته والمطالبات نفسها على لسان العامة والنخبة في مختلف دول الخليج وخصوصا على مواقع التواصل الإجتماعي، في إدانة واضحة للعمالة الاجنبية لا تنمّ إلا عن نظرة دونية تجاههم، ما يشي بأنّها حملة ممنهجة تستهدف هذه الفئة، على الرغم من مسارعة المسؤولين في دول الخليج إلى التأكيد على أن فيروس كوفيد-19 لا يخص جنسا أو جنسية أو طائفة دون أخرى. الملفت في مختلف هذه السلوكيات والتصريحات المكللة بالكره والعنصرية ضدّ الاجانب أنّ مردّديها يكسونها بثوب الوطنية وحب الوطن والغيرة على مصلحته.

العمالة الأجنبية في دول الخليج

تمثّل العمالة الوافدة أكثر من ثلثي إجمالي عدد القوى العاملة في المنطقة ويتجاوز عددها الـ15مليون عامل دون اعتبار أفراد أسرهم، كما أنها تمثّل غالبية السكان في اربع دول خليجية هي الإمارات والبحرين والكويت وقطر. وتعتبر العمالة المتدنّية الكلفة، إحدى أهم تمظهرات الرفاهية التي توفّرها الحكومات الخليجية لمواطنيها فالعامل الذي يضع المشتريات في أكياس والعامل الذي يجرّ عربة التسوّق ويوصلها إلى السيارة بدلا عن المواطن بالإضافة إلى عملة المنازل وغيرها من القطاعات المبتكرة، ماهي إلا عنصر من العناصر التي توفّر الرفاهية للمواطن الخليجي. كما تشكّل هذه الفئة من العمالة أحد أهم قواعد التنمية في مختلف دول الخليج خاصة وأنها تتكفّل بالعمل في القطاعات التي تعزف العمالة المحلّية عن العمل فيها. ويرجع الخبراء النمو السريع في مشاريع القطاع الخاص والإنتعاش الإقتصادي في المنطقة منذ تصحيح أسعار النفط في منتصف السبعينات من القرن الماضي وإلى اليوم، إلى العمالة الرخيصة أو المتدنية الكلفة التي اعتمد عليها القطاع الخاص.

إلا أن هذا الانتعاش الإقتصادي الذي كانت العمالة الوافدة أحد أهم مسبباته، لم يخل من تداعيات سلبية لعلّ أبرزها انتشار الجريمة والإنحراف خصوصا وأن هذه الفئة تفتقد إلى المؤهلات العلمية كما أنها وبالنظر إلى تدنّي رواتبها والتزاماتها في بلدانها الأصليّة فإنها عادة ما تقيم في مساكن جماعية تفتقد ﻷبسط المقوّمات الصّحية وربّما حتى الإنسانية.

ولقد عرّت هذه التخمة من اليد العاملة الرخيصة، خلال أزمة جائحة كورونا، لا فقط العنصرية المجتمعية تجاهها ولكن أيضا التهاون الحكومي في احترام إتفاقيات العمل الدولية بل وتغاضيها عن الخروقات في جلب هذه الفئة من العمالة إلى دول الخليج وفي طرق التعامل معها.

ويعتبر المدافعون عن حقوق العمال في دول الخليج أن نظام الكفالة الذي تعتمده دول الخليج سواء في استقطاب العمالة الأجنبية أو في التعامل معها، يعد خرقا صارخا لكل اتفاقيات العمل الدولية بل إنه يمثل تمظهرا لنظام العبودية الحديثة والذي خلق بدوره نوعا جديدا من التجارة يتمثل في تجارة الإقامات والتي أنتجت بدورها ظاهرة العمالة السائبة أو الهامشية.

لابد أن تنامي خطابات الكراهية والعنصرية ضدّ الأجانب ماهو إلا نتيجة تراكمية لسياسات الحكومات التمييز بين المواطنين والمقيمين والتي كانت هذه الحكومات تهدف من خلالها إلى توفير كلّ مسببات الرفاهية للمواطن الخليجي وإن كان على حساب انتهاك حقوق الإنسان وخرق المعاهدات الدولية.

يبدو من الواضح اليوم أن جائحة كورونا ستدفع دول الخليج إلى تعديل سياساتها في ما يتعلّق باستقطاب العمال الأجانب، خصوصا وأنها فضحت فشل القوانين الحالية في تنظيم هذا القطاع كما فضحت الممارسات اللاقانونية سواء في جلب العمالة أو التعامل معها، مما أغرق السوق بعمالة مخالفة سبّبت صعوبات في تطويق انتشار فيروس كورونا مما عمّق الأزمة. ففي تصريح صحفي أكّد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء الكويتي، أن تجارة الإقامات حمّلت الدولة أعباء كثيرة، ما أدى إلى زيادة تعميق الأزمة الصحية مشيرا إلى أنه تم خلال الفترة الماضية، إحالة مسؤولي 24 شركة كويتية إلى النيابة العامة بتهمة الإتّجار بالبشر والإقامات.وفي السياق ذاته أوضح رئيس مجلس الوزراء الكويتي، أن التّحدي القادم للكويت يتمثّل في عكس التركيبة السكانية لتكون 70% للكويتيين و30% للوافدين.ولا يبدو التّحدي خاصا بدولة الكويت وحسب وإنما يشمل مختلف دول الخليج التي تنكبّ على محاولة تعديل التركيبة السكانية، إذ ساهمت السياسات القديمة في توفير كل مسببات الرفاهة للمواطن في فرض واقع مشوّه لا فقط على مستوى اختلال التركيبة السكانية وإنما أيضا في تولّد ثقافة التّرفّع عن العمل في القطاع الخاصّ بالإضافة إلى انتشار الممارسات العنصرية تجاه الأجانب.

منشورات أخرى للكاتب