عُمان هيثم بن طارق والتغيير المنشود

لم يفصل بين إعلان وفاة سلطان عُمان السابق قابوس بن سعيد (10 يناير 2020م) وتشييعه ودفنه وفتح وصيته إلا بضع ساعات ليخلفه ابن عمه هيثم بن طارق آل سعيد، بحسب وصية كتبها السلطان الراحل الذي حكم عُمان لخمسين عاماً.

خلال سنوات حُكم قابوس استطاعت سلطنة عُمان أن تختط لنفسها سياسة خارجية مغايرة لما هي عليها بقية دول الخليج العربية، وهو ما جعلها تنأى بنفسها عن الحروب والنزاعات السياسية والطائفية والتدخلات العسكرية في المنطقة.

سلطان جديد ودولة جديدة

من هو السلطان الجديد؟ وما الذي ينتظره على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ وما التغيير الذي سيسعى اليه والمطلوب منه بعد رحيل “السلطان الحكيم”؟

في لقاء مع أحد الأكاديميين العمانيين المتابعين للشأنين المحلي والإقليمي (فضل عدم ذكر أسمه) يصف الأكاديمي السلطان هيثم برجل “الثقافة والتاريخ والتراث وأنه يحمل فكر السلطان الراحل في السياسة الخارجية” وبالتالي، “ينظر له العمانيون بأنه سلطان مكمل للمرحلة الثانية من مسيرة النهضة العمانية التي بدأها السلطان الراحل في 1970م وفي كل مسيرة هناك محطات تحتاج إلى مراجعة ونحن نتوقع بأنه سيبدأ في إحداث تغييرات كبيرة على الصعيد التشريعي والقانوني والاقتصادي والمالي”.

العُمانية نادية آل سعيد، مدير البرامج ومساعد خاص لنائب الرئيس بمعهد السلام الدولي في نيويورك ترى أن التحديات التي تواجه السلطان الجديد تتمثل في السياسة الخارجية من خلال صناعة السلام وعدم التدخل واحترام سيادة الدول الأخرى، بمعنى “ليست عدوًا لأحد وصديقة للجميع” وهو الأمر الذي أشار له السلطان هيثم في خطابه الأول “السير على نهج السلطان قابوس”، رغم أن هذا النهج المتمثل في الحياد الإيجابي يخضع لضغط كبير وخاصة من الدول المجاورة”.

المستشار السياسي البحريني أحمد الخزاعي يلخص تطلعات الخليجيينلعصر ما بعد قابوس في الطريقة التي سيدير فيها السلطان الجديد “ملف سياسات السلطنة الخارجية، يتسلم السلطان هيثم مقاليد الحكم في فترة حرجة جدا من الصراع الإيراني الأمريكي، فيما يظل على الضفة الأخرى الملف الخليجي القطري والذي لعبت فيه سلطنة عمان دورا محوريا في التهدئة بشكل محايد ومستقل، بالإضافة للحفاظ على الهدوء في مضيق هرمز “.

ويضيف الخزاعي: “تنصب التطلعات بشكل أساسي على استمرارية سياسة التوازن الوسطي ولعب دور الوسيط، للوصول إلى حلول وتسوية خلال عام 2020 في العلاقات الخليجية القطرية، وهو ما سيعطي السلطنة والسلطان معا مكانة وثقة الأطراف كلها”. 

ويشاركه في الرأي الكاتب البحريني خليل بوهزاع: “الأمل بأن تواصل القيادة الجديدة في عمان سياساتها الحيادية والمتزنة تجاه ما تمر به المنطقة من أحداث وأزمات. فقد أثبتت عمان خلال سنوات مضت على إنها وسيط فاعل ومقبول وأيضاً محايد لنزع فتيل أي انفجار قد يحدث. كالموقف العماني من التوتير الإيراني الخليجي والإيراني الأمريكي، والنزاعات في عدد من الدول العربية مثل سوريا واليمن”.

الإقتصاد أولاً

تصل نسبة البطالة في عُمان إلى 50٪ بين الشباب فيما يبقى 70% من الإناث في السلطنة خارج سوق العمل حسب احصائيات العام 2018م. معدلات مرتفعة وتعتبر الأعلى في المنطقة، ما يجعل من البطالة أزمة اقتصادية واجتماعية كبرى في السلطنة.

وعليه؛ يبدو أن تطوير اقتصاد البلاد الكلاسيكي الطابع تحدياً جدياً أمام السلطان هيثم بن طارق خصوصاً مع ارتفاع معدل الدين العام للبلاد والانخفاض في معدل الاحتياطي العام للسلطنة، في هذا السياق تعتبر نادية آل سعيد أن “نجاح السلطان في تجاوز هذا التحدي مهم للحفاظ على الاستقرار الداخلي؛ خاصة فيما يتعلق بالشباب. إن لخبرة السلطان هيثم الممتدة على مدار  20 عامًا في السياسة الخارجية بالإضافة إلى أنه شغل منصب رئيس لجنة مسؤولة عن تنفيذ خطة تطوير مدتها 20 عامًا، عُمان 2040، فهو يتمتع بخبرة وكفاءة مناسبة لدفع الاقتصاد العماني إلى مستوى جديد”.

ويشير أحمد الخزاعي إلى أن “السلطان هيثم شخصية اقتصادية ولكنه يواجه تحدي السيطرة على الدين العام، خصوصا أن مصادر أكدت بأن السلطنة بصدد اقتراض ملياري ريال (5.2 مليار دولار) لدعم العجز المتوقع في ميزانية 2020 والمقدر ب2.5 مليار ريال في 2019. كما أن المحافظة على سعر صرف الريال العماني سيكون من أهم التحديات”.

إن أي تغيير حقيقي في أداء الحكومة العمانية سواءاً في مجال تسهيل الاستثمار أو مواجهة البطالة أو تحسين مالية الدولة وخفض الإنفاق على القطاعات غير المنتجة اقتصادياً يتطلب إحداث تغيير حقيقي في الوجوه والكابينة الحكومية، وهو ما قد يكون متعذراً الذهاب اليه سريعاً، خصوصاً وأن السلطان سيحتاج الى الكثير من الوقت ليبدأ فعلاً في صناعة تغيير حقيقي في بنية الدولة وهيكلتها. 

الحريات والسياسة الداخلية

لسلطنة عُمان سجل حقيقي متأرجح، وقبالة عديد الإشادات بسياسة التسامح والتعايش بين مختلف المكونات الاجتماعية في البلاد خلاف الاحتقان الطائفي السائد في دول الجوار، تؤكد منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها الصادر مطلع العام 2020، أن الأجهزة الأمنية، ولا سيما جهاز “الأمن الداخلي” مستمرة في استهداف النشطاء المطالبين بالإصلاح، وذلك غالبا بسبب وجهات نظر عبروا عنها على منصات التواصل الاجتماعي. 

حكمت المحاكم على نشطاء بالسجن باستخدام قوانين فضفاضة تحدّ من حرية التعبير، بما فيها جرائم مثل “إهانة السلطان” و”تقويض هيبة الدولة”.

عن ذلك تقول مديرة جمعية منَا لحقوق الإنسان ايناس عصمان: “عُمان هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي لم تصدق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا على اتفاقية مناهضة التعذيب. فلم يكن السلطان قابوس ملتزمًا بتحسين سجل حقوق الإنسان في بلده، عبر عدم الانضمام لهاذين العهدين الدوليين الأساسيين لحقوق الإنسان”.

وتؤكد عصمان “أن وجود مجتمع مدني محلي قوي ومتمكن ضروري للنهوض بالحقوق والحريات في البلد: يجب اتخاذ العديد من التدابير، بدءًا من تعديل قانون الجمعيات المدنية، للسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية واستقلالية، لن يكون هناك حوار بناء إذا كانت الأصوات المعارضة السلمية تعيش خوفًا من التعرض لأعمال انتقامية ومضايقات قضائية، لذلك يجب على السلطات العمل على تعديل أحكام قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية اللذان قوضا حق المواطنين العمانيين في حرية الرأي”.

مدير المركز العماني لحقوق الإنسان (لندن) نبهان الحنشي لا يتفاءل كثيراً في طبيعة التغيير الذي قد يحدث، لكنه في التوقيت نفسه يؤكد أن تغييراً (ما) ستشهده السلطنة. يقول: “لا يمكن التنبؤ بالتطلعات الشعبية للعمانيين حيث أن العمل المدني خاصة المتعلق بالجانب السياسي أو الحقوقي ممنوع في عمان (…) استنادًا لخطاب التنصيب، وعد السلطان هيثم أن يتبع خطى سلفه ولم يلمح لأي تغييرات سياسية، لكن ومن خلال التواصل مع بعض الناشطين والباحثين في داخل عمان، الكثير يتوقع أن يكون هناك تغييرات في شكل النظام السياسي ولكنه سيحدث لاحقا”.

من جانبه يرى رئيس المنتدى الخليجي لمنظمات المجتمع المدني أنور الرشيد أن “تطور سلطنة عمان سياسياً أصبح أمراً ضرورياً لتتماشى مع تطورات المجتمعات الإنسانية، أتمنى أن يكون عهد السلطان هيثم عهد الحُريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”.

تشير العديد من التوقعات في هذا السياق الى احتمالية أن يعمد السلطان هيثم بن طارق (في هذا العام أو العام المقبل) إلى توسيع صلاحيات مجلس الشورى في محاسبة السلطة التنفيذية. مثل هذا التغيير سيستجيب إلى واحدة من التطلعات المهمة للعمانيين، كذلك هو توسيع مساحة حرية التعبير والرأي.

يعتقد نبهان الحنشي العماني الذي يعيش في المهجر، أن من أهم الملفات المتعلقة بالإصلاح السياسي في السلطنة هي “دمقرطة المؤسسات وإنشاء محكمة دستورية واستحداث منصب رئيس الوزراء وغيرها من الإصلاحات. أما في الجانب الحقوقي، فأتمنى أن نشهد حماية للنشاط الحقوقي والسماح بالحراك المدني عبر تأسيس الأحزاب”.

خاتمة

سيحتاج السلطان هيثم بن طارق لكثير من الوقت حتى يبدأ فعلياً في احداث تغييرات جوهرية، سواءاً في طبيعة مؤسسات الدولة وهيكلتها أو في ما يتعلق بالوجوه الحكومية من داخل الأسرة المالكة وخارجها. وهو ما يعني أن تغييراً سياسياً لن يكون سريعاً في السلطنة، لكنه في التوقيت نفسه، لن يتأخر كثيراً. 

أما فيما يتعلق والأزمة الاقتصادية، لا شك أن السلطان الجديد سيكون مجبراً على التعامل وبشكل مباشر فيما يتعلق وملفات تشجيع الاستثمارات ومواجهة العجز في الموازنة المالية للدولة وتحريك الاقتصاد وصولاً لصناعة المزيد من فرص العمل للعمانيين. 

أما فيما يتعلق والسياسات الخارجية للسلطنة يبدو أن ثمة اتفاقاً داخل السلطنة وخارجها، بأن الخيار الأفضل أمام السلطان هو الإبقاء على هذه السياسات القائمة كما هي، وهو ما تعهد به فعلاً.

منشورات أخرى للكاتب