العنف ضدّ المرأة في الدراما الخليجية: بين الواقع المُرّ والمعالجة الركيكة

يتلخّص نقد الدراما الخليجية في الغالب في موضوع مبالغتها في معالجة القضايا الاجتماعية، وبالخصوص  القضايا المتعلقة بالمرأة. بل إن المرأة كانت دائما ولا تزال المحور الرئيسي في كل عمل درامي، معالجة وتمثيلا. لم يختلف الوضع خلال الموسم الرمضاني للعام الجاري 2019م، واكتسحت النّساء الشاشة سواء في أدوار البطولة أو عدد النساء المشاركات في كل عمل درامي، وحتى على مستوى الكتابة والإخراج والقضايا المطروحة أيضًا.

وتعتبر مشاهد العنف المرتبطة في أغلبها بالعنف تجاه المرأة من أبرز المآخذ التي توجّه أصابع الإتهام إلى المنتجين والمخرجين على حدّ السواء. إذ يعتبر كثيرون أن الإعتماد على هذه المشاهد نقطة ضعف في مختلف الأعمال الدرامية، وهي آلية ينتهجها كتاب السيناريو والمخرجون لتأثيث المسلسلات وخلق الإثارة الفرجوية، وفي المقابل يذهب بعض النقاد إلى أن هذه المشاهد محاكاة للواقع وإحالة على سلوكيات واقعية لابد لمثل هذه الاعمال الفنية أن ترصدها وتنقلها في محاولة لتسليط الضوء عليها.

ماراثون المسلسلات الرمضانية لهذه السنة لم يتخلّ عن هذا التقليد، وكانت مشاهد العنف ضدّ المرأة حاضرة وبارزة في أحيان كثيرة. ففي” الديرفة” لم ينفكّ زوج بثينة الرئيسي(فاطمة) عن ضربها، وفي مسلسل”وما أدراك ما أمي” تسبب زوج هنادي الكندري في عاهة في عينها جرّاء التعنيف المتواصل، وبالمثل تعرّضت ابنة هيا الشعيبي إلى الضرب على يد والدها لمخالفتها أوامره. وفي “موضي قطعة ذهب” قام داوود حسين بتعنيف زوجة ابنه.

مشاهد تعنيف كثيرة تضمّنتها مختلف الأعمال الدرامية، فهل هذه الصورة النّمطية للمرأة المعنّفة سواء من قبل زوجها أو أبيها أو أخيها في المسلسلات الرمضانية، مبالغ فيها أم أنها ظاهرة مجتمعية؟

تؤكّد الأكاديمية السعودية الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف في بحث قدّمته لمنتدى التنمية الخليجي في الكويت في شهر فبراير 2019 أن نسبة من يتعرضون للعنف الأسري في بعض البلدان الخليجية يتراوح بين 25 و40%، ففي البحرين مثلا تشير الإحصائيات إلى أنّ عدد النساء المعنفات المسجلات في دور الايواء والإرشاد الأسري بلغ ٥٠ ألف حالة خلال عشر سنوات (٢٠٠٧ -٢٠١٧)، بمعدل ٥٠٠٠ معنفة سنويّا، و في الكويت وصلت نسبة المعنّفات إلى 53%، أما في المملكة العربية السعودية فيؤكّد مختصون في شؤون المرأة والطفل ارتفاع معدل العنف ضد المرأة بنسبة تصل إلى 87.6 %، فيما بلغت نسبة العنف ضد الطفل 45 % وذلك بحسب تقرير نشرته جريدة “الرياض”. كما ما تنفك قصص هروب الفتيات من المملكة تكشف الكثير من حالات العنف الأسري ضد المرأة.

ارتفاع نسب العنف الأسري في بلدان الخليج يحيل على ظاهرة مجتمعية بل يمكن اعتبارها قضية إجتماعية ملحّة، إذ أن هذه الظاهرة وعلى قدمها في المجتمعات العربية لاتزال تسجّل نسبًا عالية من الضحايا على الرغم من اختلاف التركيبة المجتمعية التي من المفترض أنها سجّلت نسب تمدرس عالية، وبالتالي وعيا وثقافة وسلوكيات أرقى مما كانت عليه.

الإشكالية الأفظع تكمن في القوانين فهي إما قوانين محدودة الفاعلية على غرار القانون البحريني الذي صدر سنة 2015م والذي يعتبر الخبراء القانونيون ومنظمات المجتمع المدني أنه قانون لا يرقى إلى الطموحات لما يحتويه من نواقص وهنات تتعلّق بنصّ القانون في حدّ ذاته ذلك أنه لا يحدّد عقوبات على جرائم العنف الأسري.

في عمان، وعلى الرغم من توفر كل وسائل الإبلاغ إلا أن الجانب القانوني ما يزال دون المأمول  اذ لا توجد قوانين تمنع العنف الأسري والاغتصاب الزوجي، فقانون الجزاء العماني يستثني الاغتصاب الزوجي صراحة ولا يجرم التحرش الجنسي.

وفي الإمارات يبدو الوضع أكثر سوءًا إذ يسمح القانون بالعنف الأسري وتتيح المادة 53 من قانون العقوبات تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء ومن في حكمهم للأولاد القصر ما دام الإعتداء في حدود الشريعة الإسلامية كما لا يعدّ الاغتصاب الزوجي جريمة أيضا.

في المملكة العربية السعودية تمت الموافقة على نظام الحماية من العنف والإيذاء في عام 2013 وعلى نظام حماية الطفل في عام 2014 ولكن يبقى التعامل مع حالات العنف ضدّ المرأة مرهونا بتوثيق الحالات لدى المستشفيات ومراكز الشرطة.

أما في قطر فتؤكّد منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها لسنة 2018 أنه وعلى الرغم من وجود قانون خاص بالأسرة والأحوال الشخصية يمنع الأزواج من إيذاء زوجاتهم جسديا أو معنويا، إلا أنّ الإغتصاب الزوجي والعنف المنزلي لا يعدّان جريمة هناك.

الكويت أيضا لم تسنّ قانونا يحظر العنف المنزلي أو الاغتصاب الزوجي وكان قانون إنشاء محاكم الأسرة لعام 2015 قد أسس مركزا للتعامل مع حالات العنف المنزلي ولكنه فرض عليه إعطاء الأولوية للمصالحة على حماية ضحايا العنف المنزلي. وتنص المادة 153 من قانون العقوبات الكويتي على أن الرجل الذي يجد والدته أو زوجته أو أخته أو ابنته تقوم بفعل الزنا ويقتلها، يعاقَب بغرامة بسيطة أو فترة سجن لا تزيد على 3 سنوات، كما جاء في التقرير العالمي للعام 2018 لمنظمة “هيومان رايتس ووتش”. في السياق ذاته، كشفت النائب الكويتية «صفاء الهاشم»، عن أن قانون مكافحة العنف الأسري، سيتم إنجازه قريباً وأنه يتضمن عقوبات بالسجن تتراوح بين سنة وسبع سنوات بحق مرتكب العنف الأسري ووفق كل حالة على حدة.

بالإستناد إلى مختلف هذه الإحصائيات المتلعلّقة بالعنف ضدّ المرأة وإلى تشخيص الوضع القانوني، هل يمكن الحديث عن مبالغة الدراما الخليجية في التعامل مع العنف المسلّط على المرأة وهل تروّج هذه الدراما لثقافة العنف ضدّ المرأة؟

في البداية لابدّ من العودة إلى تعريف المهمة الرئيسية للفن وهي “الكشف عن حقيقة الموجود” وذلك بحسب ما يذهب إليه الفيلسوف الوجودي الألماني «هيدجر» و”كشف الحقيقة وتمثيل ما يجيش في النفس البشرية تمثيلًا عينيًا مشخصًا” كما يعرّفه “هيجل”. وعليه فإن ما تعالجه المسلسلات من قضايا لا يتناقض مع المهمة الرئيسية للفن ولا يقدّم صورة بعيدة عن الواقع.

تكمن الإشكالية إذن في كيفية المعالجة الدرامية التي من شأنها أن تخدم القضية دون إسفاف، ذلك أن معالجة المشكلة دراميًا من شأنها أن تحدّد إن كانت تروّج للعنف ضدّ المراة أو أنها تفضح ممارسات إجتماعية يجب التصدّي لها. وتخضع المعالجة الدرامية إلى أكثر من متدخّل إلا أن تدخّل جهات الإنتاج يعدّ الأسوا والأكثر ضررا، ذلك ان المنتجين عادة ما يفرضون أسلوب المبالغة حرصا منهم على تحقيق نسب مشاهدة عالية وتحقيق المكاسب المادية غير مبالين بما تحمله هذه المشاهد من رسائل خطيرة ومن تكريس لسلوكيات مرفوضة.

وعليه فإن ميثاقا أخلاقيا لتناول الدراما لقضايا العنف الأسري وتعزيز صورة المرأة في الإعلام، يبدو مطلبا ملحا في ظلّ هذا الكمّ الهائل من الانتاج الدرامي التلفزيوني وفي ظلّ التنافس المحتدم على تحقيق نسب مشاهدة عالية بما يفرض أساليب فرجويّة قد تحيد في أحيان كثيرة عن الدور الحقيقي للدراما وللفنّ عموما، وللإشارة فإنّ هذا الميثاق كان مقترح ملتقى”العنف ضدّ المرأة في الإعلام والدراما” الذي انعقد في الدوحة سنة2017 لكنّه بقي مجرّد مقترح ولم يرق إلى مستوى تفعيله على أرض الواقع.

منشورات أخرى للكاتب