المرأة في انتخابات البحرين 2018: نضج سياسي أم ظروف مواتية؟
تدحض نتائج الانتخابات النيابية والبلدية في البحرين ما ذهبت إليه دراسة أعدتها د. ضوية العلوي العام 2008 عن “تجربة المرأة البحرينية في الانتخابات النيابية – دراسة مقارنة 2002 و2006”. تؤكّدت العلوي في دراستها أنّه لا يمكن لمرأة أن تنجح في الانتخابات إذا ما ترشّحت كمستقلة، وأنّ على المرأة البحرينية الراغبة في الترشح للانتخابات النيابية الانضمام للجمعيات السياسية مع ضرورة تضمينها فى القوائم الانتخابية للجمعيات السياسية في الدوائر التي تمتلك فيها شعبية وحضورا قويين، مشدّدة في الآن ذاته على ضرورة اجراء عمليات التشبيك والتحالفات مع الجمعيات السياسية الفاعلة إلى جانب حثّ الجمعيات السياسية على تضمين النساء ضمن قوائمها الإنتخابية، وفي دوائر مضمونة من منطلق مسؤولية هذه الجمعيات في ما يختصّ بتمكين المرأة من الوصول إلى المجلس التشريعي.
لكن، وإثر فوز فوزية زينل بمنصب رئيس المجلس النيابي البحريني، تكون انتخابات العام 2018 دورة التميّز للمرأة البحرينية، دورة حققت فيها نتائج غير مسبوقة في تاريخها السياسي، سواء كان ذلك على مستوى عدد المترشحات والذي بلغ 39 سيدة من أصل 293 مترشحا لإنتخابات مجلس النواب، أو على مستوى عدد الفائزات بمقاعد بالمجلس النيابي والذي وصل إلى 6 نواب من النساء، أي ما يعادل 15% من مجموع مقاعد المجلس، وهو الرقم الأعلى منذ بدء الانتخابات النيابية في العام 2002.
تضاعف عدد التمثيل النسائي في مجلس النواب البحريني (6 نواب من النساء مقابل 3 في المجلس السابق) وفي المجالس البلدية ( 4 مقابل 1 في الانتخابات البلدية السابقة) بالإضافة إلى ترأس سيدة المجلس النيابي، كلها إنجازات لا يمكن لأحد أن يبخسها حقها في ظل مجموعة من المعطيات العامة والخاصة التي لا تزيد المرأة البحرينية إلا فخرا بما حققته من نجاحات في هذه الدورة الإنتخابية.
ولكن هل تعتبر هذه النتائج دليلاً على نضج التجربة السياسية في البحرين؟ أو بعبارة أخرى نضج النّاخب البحريني ووعيه بأهمية دور المرأة في الحياة السياسية؟
في تصريح صحفي شددت هالة الأنصاري، الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين، على أن جميع السيدات اللاتي وصلن إلى المجلس لا ينتمين إلى الجمعيات السياسية وإنما ترشّحن بشكل فردي، كما لم تدرج جميع أسماء المرشحات في هذه الدورة على قوائم الجمعيات السياسية. بمعنى أن كل الفائزات كن مستقلات وغير مدعومات من الجمعيات السياسية، وهو ما يشير إلى تغيّر في المزاج العام للتصويت في المملكة باتجاه المساواة بين المترشحين ليكون البرنامج الإنتخابي هو الفيصل في الإختيار. كما يكرّس هذا المعطى أن النتيجة غير المسبوقة التي حققتها المرأة البحرينية في هذه الدورة الإنتخابية، لم تكن وليدة الصدفة بل إنها كانت نتيجة وعي البحرينين بقدرة المرأة على تقديم الإضافة والدفاع عن حقوق المواطن وكفاءتها التي لا تقل عن كفاءة الرجل في إدارة الملفات الحاسمة، وهو ما يبرز من خلال اختيار زينل رئيسة للمجلس النيابي بـ25 صوتا.
تألق المرأة البحرينية في هذه الدورة الانتخابية، هل هو وليد الصدفة؟ لا يمكننا البتة الجزم بذلك، فالمترشحات سواء في الانتخابات البرلمانية أو البلدية قمن بمجهودات كبيرة خلال حملاتهن الانتخابية وجاهدن في سبيل الحصول على مقاعد في المجلسين، وهي مجهودات متواصلة منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لملك البلاد الذي أقر ترشح المرأة للإنتخابات ومشاركتها في التصويت.
هل تغيرت نظرة الشارع البحريني للمرأة؟ لا يمكن إنكار ذلك كما سبق وأشرنا إليه، خصوصا وأن كل الفائزات نجحن دون دعم من الجمعيات السياسية وبالنظر إلى المجهود التوعوي والتثقيفي بأهمية دور المرأة في المجتمع البحريني.
إذا، ماذا تغيّر ليرتفع منسوب ثقة الشارع البحريني في كفاءة المرأة ويؤدي إلى تضاعف حضورها في المجلسين النيابي والبلدي؟
في واقع الأمر ولئن كان لوعي الناخب البحريني وثقته في كفاءة المرأة البحرينية دور في ما حققته من مكاسب إلا أن الظروف التي جرت فيها هذه الدورة الإنتخابية النيابية والبلدية في البحرين، ساهمت وإلى حد كبير في فسح المجال أمام العنصر النسائي. فخلافا للدورات السابقة غابت وغُيبت عن هذه الدورة قوى الإسلام السياسي التي كان تأثيرها فارقا في نتائج الدورات السابقة، كما أن هذه القوى ذاتها لم تكن تساند العنصر النسائي فهي لم تدرج خلال الدورات السابقة أي عنصر نسائي ضمن قوائمها الإنتخابية سواء منها النيابية أو البلدية فيما عدا مرة وحيدة قامت فيها قائمة “تجمّع الوحدة الوطنية”، بتضمين مرشحة واحدة في انتخابات المجلس النيابي والبلديات لسنة 2014.
كما كان لقرار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة منع قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية المنحلة من الترشح لعضوية مجلس النواب أثره في تحقيق هذه النتائج، حيث غاب المرشحون المكتسحون من المؤثرين في الشارع البحريني، بالإضافة إلى أن هناك رغبة حكومية، لا يمكن إغفالها، في جعل النساء يضطلعن بمناصب بارزة في الدولة، وهو ما يبرز من خلال عدد النساء اللاتي يتمّ تعيينهن في مجلس الشورى فقد تم تعيين 9 نساء في المجلس الذي يعتبر الغرفة الثانية للبرلمان.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار أن ما حققته المرأة البحرينية في هذه الإنتخابات، يعدّ إنجازا على غاية من الأهمية إلا أنه لا زال لا يرقى إلى الطموحات فنسبة 15% لا تعتبر كافية بالنظر إلى ما قدّم للمرأة الإماراتية على طبق من فضّة وبخاصة بعد القرار الأخير برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) للدورة الانتخابية المقبلة من 22.5% إلى 50% وذلك بهدف تعزيز دور المرأة في صنع القرار الوطني. وهو ما يعيد طرح مسألة “الكوتا النسائية”، المطلب الذي لطالما عملت ”جمعية المرأة البحرينية” على المطالبة به على اعتبار أنه السبيل الوحيد لوصول المرأة إلى مواقع صنع القرار من خلال رفعها شعار “الكوتا ضرورية” للتذكير بأهمية إيصال المرأة إلى مراكز اتخاذ القرار سواء في الانتخابات النيابية أو البلدية، وحتى في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وهو مطلب هام وتدبير تتطلّبه المرحلة الراهنة والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة لتمكين المرأة والنهوض بها.