إشكاليات العمل السياسي في الخليج: مجلس الأمة الكويتي مثالاً

يتفاوت مستوى العمل السياسي ومشاركة الشعب في صنع القرار في دول الخليج العربي تفاوتا كبيرا. فمن دستور الكويت الذي ينص على أن “الأمة هي مصدر السلطات جميعا ونظام الحكم ديمقراطي”، إلى النظام الأساسي للحكم في السعودية الذي ينص على أن “دستور المملكة هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله”، وما بين النصين والتجربتين تتفاوت دساتير الدول الخليجية الباقية في تمكين شعوبها، وفي إشراكهم في صناعة القرار والحكم في دولهم.

وما بين ما يُكتب في الدساتير وما هو مُطبق بشكل كامل على أرض الواقع فارق. كويتياً، يسجل لنا الأرشيف السياسي تزوير الانتخابات البرلمانية عام 1967م، وحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري في 1976م و 1986م. كما يسجل التاريخ اعتراض القوى والنشطاء السياسيين على مثل هذه الاختراقات بطرق احتجاجية مختلفة تعددت وتباينت على مدى السنين ونضج التجارب. بعد تزوير الانتخابات 1967م قامت مجموعة من الشباب الكويتي آنذاك بإلقاء متفجرات صوتية احتجاجا على الحدث. وفي 1985 أقيمت تجمعات دواوين (الإثنين) رغم تحذيرات الحكومة.

في يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2011 اقتحم مئات المتظاهرين مبنى مجلس الأمة الكويتي ودخلوا قاعة عبد الله السالم لبضع دقائق وخرجوا بعد التقاط الصور وإلقاء النشيد الوطني ولم يتركوا خسائر مادية تذكر. أرادوا بذلك أن يُسجلوا اعتراضهم على استمرار وجود الشيخ ناصر المحمد في منصبه رئيساً للوزراء، ومُطالبين برحيله وبإحالة قضايا الفساد المالي وتضخم الحسابات البنكية لخمسة عشر عضوا في مجلس الأمة إلى النيابة.

استاء سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد من الحدث وأطلق عليه “الأربعاء الأسود”. وعلى الرغم من أن عدد المقتحمين بالمئات إلا أن النيابة حددت أسماء سبعين شخصاً فقط ليتم توجيه التهم لهم. أبرز المتهمين نواب سابقون وحاليون في مجلس الأمة الكويتي كانوا يقودون المظاهرات المطالبة برحيل رئيس الحكومة. ومنذ ست سنوات ونيف، تقع قضية دخول المجلس في درجات التقاضي المختلفة من المحاكم، ومن المتوقع أن يصدر الحكم النهائي فيها شهر يوليو القادم.

 

الربيع العربي

المشهد الاحتجاجي السابق كان الأول من نوعه في الكويت وأتى متزامناً مع مسيرات ومظاهرات شبيهة في الأقطار العربية الأخرى. وقتئذ؛ كانت شهية التغيير مفتوحة لدى الاخوان المسلمين المنتشرين في مختلف الدول العربية بما فيها الكويت. وعلى الرغم من اشتراك أفراد من توجهات عديدة في هذه المظاهرات إلا أن بصمة الإخوان كانت واضحة ما أدى إلى انقلاب الحكومات على هذه الجماعة في أغلب الدول، وتم التضييق عليهم، وصدرت بحق قياداتهم قرارات بمنع الدخول لدول رأت فيهم تهديداً للأنظمة الحاكمة.

نشطت أعين الولايات المتحدة الأمريكية لمّا يحدث في دول الخليج متأملةً حدوث تغييرات شبيهة بثورات الربيع العربي إلا أن الواقع المعيشي في أغلب دول الخليج العربي – بما فيها الكويت – بعيدٌ ومختلف عنه في اليمن أو مصر أو تونس. يُذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أكدت في كتابها “اختيارات صعبة” أن “التوجه الوحيد المنظم والقادر على حمل لواء الدولة في الأقطار العربية هي جماعة الإخوان المسلمين”، وعلى الرغم من رغبة الولايات المتحدة في التغيير إلا أنها كانت متوجسة من جماعة الإخوان المعادية لإسرائيل. لذلك تم استخدام الجماعة في بعض الأقطار لإحداث التغيير المطلوب ثم تم التخلص منهم بطرق مختلفة على حسب الدول التي ينتمون إليها.

انتبهت الحكومات الخليجية للتهديد القادم لها من بعض مواطنيها فقامت بتشديد العقوبات على المغردين والشخصيات المؤثرة وبعض رجال الدين سواءاً بالسجن أو غيره من العقوبات مثل سحب الجنسيات، كما حدث في البحرين والكويت وبما يشمل إغلاق بعض الصحف وتفعيل الملاحقات القانونية للناشطين.

 

صراعات الشيوخ

تحكم دول الخليج مشيخات (أسر حاكمة). ويقدم التاريخ السياسي لدولة قطر على سبيل المثال نموذجاً لصراعات أبناء الأسرة الحاكمة على السلطة، ومنها أحداث 1972 و1995 حيث يستولي الابن أو ابن العم على الإمارة في انقلابات بيضاء تدل على الصراع الدائم بين أبناء هذه الأسر الحاكمة.

في الكويت، وبعد حادثة مجلس الأمة بسنتين اثنتين قدم الشيخ أحمد الفهد إلى النيابة العامة الكويتية ما أطلق عليه (بلاغ الكويت) اتهم فيه كلاً من ابن عمه الشيخ ناصر المحمد ورئيس مجلس الأمة آنذاك المرحوم جاسم الخرافي بخيانة الدولة والتآمر عليها. بعد عدة أشهر صدم الشارع الكويتي باعتذار مقدم البلاغ الشيخ أحمد الفهد علناً على شاشات التلفزيون على الإساءات التي تضمنها بلاغه الذي كان يستند إلى مستندات غير واضحة المعالم. كان اعتذاره كمن يصب الماء البارد على الشعب الذي صدق ادعاءاته وتفاعل معها.

 

روشتة الاستقرار السياسي: المشاركة

المجتمعات الخليجية لم تعد مجتمعات جاهلة أو منقطعة عن العالم. تصلها المتغيرات التي تحدث من حولها وتؤثر على الأجيال الحالية والمقبلة. وعلى ذلك نقول إن استقرار دول الخليج يتطلب توسعة آفاق العمل السياسي المتاح للمواطنين بإشراكهم الفعال في القرار، وترتيب الأمور داخل الأسر الحاكمة حتى لا يتم إستغلال الشارع في صراعات الطامحين في الحكم.

لا شك أن المُستقبل الخليجي ينتظر أكثر من مجرد تغييرات شكليَة مثل افتتاح دور سينما بالسعودية أو إنشاء مدينة الحرير في الكويت. تتطلب النهضة الحقيقة إقامة أسس الحياة الديمقراطية التي ترتكز على المبادئ الأساسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما فيها حرية التعبير والتنقل والكرامة الإنسانية والمشاركة الفعالة للمواطنين في تحديد شكل الحياة التي يطمحون إليها. ولا يتأتى ذلك دون ضمان الحد الأعلى من حرية الصحافة والتعبير بشكل عام. إضافة إلى إعطاء الشعوب المزيد من الحقوق السياسية مما يتطلب تقليص صلاحيات السلطات السياسية المعتادة. إن قمع المواطنين لن يضمن مستقبل أفضل للدول بل إشراكهم في صنع القرار والعمل الجاد على القضاء على الفساد والعبث بالأموال العامة.

منشورات أخرى للكاتب