السفور ليس انحلالا وحرية المرأة لا تريد إخواناً ولا إيران

على مدى الأيام القليلة الماضية انشغل المجتمعان السعودي والكويتي بموضوع الحجاب وتعالت الأصوات المتصارعة حول حجاب المرأة. جدير بالذكر هنا أن السعوديين يقصدون بالحجاب “غطاء الوجه” أما عند الكويتيين فالمتعارف عليه في الحجاب هو غطاء الشعر والرقبة والذراعين والساقين.

ظهرت هيا العواد وكيلة وزارة التعليم لشؤون البنات في السعودية دون غطاء الوجه التي اعتادت ارتداءه سابقا ما أدى إلى حملة من الانتقادات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” ضدها ولكأنها – بحسب من هاجموها – قد فعلت شيئا مخالفاً للقانون.

وفي الكويت، أثارت لافتات اشهارية وزعتها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الشوارع تحمل صورة فتاة محجبة مكتوب عليها “حجابي .. به تحلو حياتي”، موجة من ما بين الاستهجان والتأييد والصراع حول الحجاب ودور الدولة الديني.

 

المرأة أولوية

خليجياً، في كل مرة يلفت موضوع يخص المرأة انتباه المجتمع تخرج أصوات تستهجن ما يعتبرونه انشغالاً بموضوع جانبي وغير مهم في ظل الفساد السياسي، وتأخر عجلة التنمية، وغيرها من المواضيع التي يعتقد البعض أنها أكثر أهمية من موضوعات المرأة.

وفي الحقيقة، أن القضايا المتعلقة بالمرأة كانت دائما مهمشة في أغلب الفلسفات السياسية. ومثال ذلك؛ تلك الانتقادات على نظرية جون رولز (فيلسوف وسياسي أميركي توفي في 24 نوفمبر 2002) في العدالة وكيفية تطبيق هذا المفهوم داخل الأسرة وهي تحديداً المكان الذي تعاني فيه بعض النساء أغلب مظاهر وصور الظلم. لكن وعلى أي حال، تبقى النظرية الليبرالية تحت التطوير دائما لأنها بالنهاية عمل إنساني يقبل التطوير والتعديل ولا يدعي العصمة.

 

العالم الإسلامي

لدينا نموذجان لفكر إسلامي منظم: نظام ولاية الفقيه الذي طبقه قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني سنة 1979 في إيران، ونظام آخر لم يتمكن حتى الآن من تأسيس دولة ولكنه سيطر على العديد من النقابات والمؤسسات في العالم الإسلامي وأقصد به تنظيم الإخوان المسلمين الذي أسسه وكان أول مرشد له رجل الدين المصري حسن البنا ونقحه سيد قطب قبل نحو تسعين عاماً وانتشر في العديد من الدول العربية والإسلامية.

بغض النظر عن الخلافات المذهبية بين النموذجين إلا أنهما يشتركان في رغبتهما إقامة (الدولة الإسلامية) التي تطبق فيها الشريعة والقيم الإسلامية. ومن أجل هذا الهدف يشترك الإثنان في تجنيد الناس عن طريق بث أفكار من قبيل: الانتخابات الحرة، العدالة، الحرية، حرية التعبير، الاستقلالية، السيادة الشعبية وتطبيق أحكام الدين. وهي شعارات تثير عواطف الناس الذين صدقوا الهدف الأسمى: إقامة دولة الإسلام.

 

أين الحرية؟

تعمل هذه الأنظمة بطريقة شمولية، أي أن الجميع مشتركون في المجتمع من أجل تحقيق الهدف الأسمى ولكل فرد موقعه بحسب جنسه، فالمرأة أساس الأسرة وهي الأم والزوجة، أما الرجل فهو رب الأسرة ووليها وصاحب الرأي النهائي فيها، بالتالي يحق له حرمان زوجته من العمل أو السفر إذا رأى ذلك (هذا على سبيل المثال فقط).

الحقيقة أن لا حرية للجميع في هذه الأنظمة فحتى الرجل مجند لخدمة الهدف الذي لم يختره أصلا بل – على الأغلب – تمت برمجته بالشعارات وإثارة العواطف بإعادة أمجاد الإسلام السابقة. إلا أن كارثية هذه الأفكار على المرأة أكبر وأخطر، ذلك أنها وبالإضافة إلى غياب حريتها في اختيار الهدف الأسمى لمجتمعها هي أيضا منقوصة الحرية في أمور حياتها اليومية، وما حصل في موضوع الحجاب مؤخرا شاهدٌ على ذلك تحت دعاوى الإلزام والتفسيق والتعدي على الحريات الشخصية.

لكن هل تستطيع –  في أي مجتمع من المجتمعات – أن ترفض الدور أو الشكل الذي يفرضه ويتوقعه منك مثل هذا النظام؟ الطريق ليس سهلا على الإطلاق. نشاهد بين فترة وأخرى مطالبات المجتمع الإيراني بإلغاء الحجاب الإجباري، وفي كل مرة يتم قمع هذه المطالبات من قبل السلطة. والحقيقة أن قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي يقول في حسابه على تويتر “إطار الحرية في بلادنا هو دستور البلاد وقوانين البلاد وهي كلها مستلهمة من الشريعة الإسلامية” (8 ابريل 2018). ومثل هذه العناوين بالذات ما يجعل طريق نيل الحريات صعباً ووعراً، إذ كيف لك أن تطالب بالتغيير أو بالمزيد من الحريات – خصوصا للمرأة – في ظل أنظمة تعتقد بأنها تطبق شرع الله؟

مفردة الحرية في هذه الأنظمة لا تعني حرية الفرد باختيار ما يريد بل تعني أن لا سلطة أجنبية على الجماعة! حيث تنعدم الحرية الفردية في ظل أنظمة تقرر سلفا شكل حياتك ومعتقداتك بل وهدفك الأسمى في الحياة. أما الاستقلالية فلا تعني عندهم أنك فرد مستقل بأفكارك وكيانك بل تعني أن الجماعة/ الدولة لا تخضع لسلطة دولة أجنبية! أما الفرد فهو مجرد (رقم) لكنه لا يعلم ذلك، بل يدافع عن هذا النظام الذي يمده بهدف لحياته المسروقة منه سلفاً.

 

الكويت مرة أخرى

يرفع الإخوان المسلمون شعار “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” على مدى عقود من الزمان في الكويت كلما طرح موضوع حقوق المرأة السياسية، ووقفوا ضد هذه الحقوق. بل حتى وزارة الأوقاف أصدرت فتاوى سابقة بعدم جواز مشاركة المرأة في القرار السياسي، ثم تدرجت إلى التصويت فقط دون الترشح ثم بجعل الموضوع راجع لتقدير ولي الأمر.

وفي موضوع الحجاب مؤخرا، شحذ الإخوان كل طاقاتهم النقابية والسياسية والفردية لمحاربة ظاهرة خلع الحجاب وعمل ندوات لنشر الحجاب وتفنيد الآراء التي لا ترى وجوبه. أما النتيجة فقد كانت معاكسة، نلاحظ أن مستويات وعي المرأة بحريتها في ازدياد، وأعداد من خلعن النقاب أو الحجاب أيضا في ازدياد. والسبب أن أصحاب المشروع الإسلامي لم يقدموا تفسيراً مرضياً للمرأة ينافس ما تقدمه لها نظريات ومفاهيم الأنظمة والأيديولوجيات اللادينية.

 

رمز للطاعة

الحقيقة التي يعرفها الجميع في العالم الإسلامي أن الحجاب لا علاقة له بتقوى القلوب، ولا علاقة له بالأخلاق. ولن أعطي أمثلة على ذلك لأنني متأكدة بأن كل قارئ باستطاعته أن يجد أدلة على ذلك لو تفكر قليلا. إن من أهم الأسباب التي جعلت موضوع الحجاب هاماً ومحورياً لإيران وللإخوان المسلمين هو أن الحجاب رمز لطاعة النظام السياسي القائم أو لنظام المجموعة التي تنتمي المرأة إليها، وفي خلعه تهديد لسيطرة النظام على الجماعة. وربما كشفت ظاهرة خلع الحجاب القدر الحقيقي لسيطرة هؤلاء، فالسفوّر – وهي توصيف يطلق على المرأة التي لا ترتدي حجاباً في دول الخليج العربية – ليس انحلالاً أخلاقياً بل هو مؤشر انحلال سيطرة الإخوان المسلمين على مجتمعاتنا.

منشورات أخرى للكاتب