الكويت 2035: أوان التغيير والخيارات الصعبة

تسوق حكومة دولة الكويت منذ عام 2008 لما يعرف بـ “مشروع رؤية دولة الكويت 2010-2035″، وهو مشروع نهضوي شامل يهدف إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي وتطوير الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل. كما يهدف إلى تطوير التعليم لتوفير كفاءات بشرية، وأيدي عاملة ويركز على الاهتمام على القيم الأخلاقية وتعزيز الوطنية.

وتطرح الرؤية فكرة ذكية بربط أمن المنطقة بالتطور الاقتصادي وازدهار الأعمال كما هو منتظر من مشروعي مدينة الحرير وتطوير الجزر الشرقية. فهي مشاريع تهدف إلى إنعاش الاقتصاد وربط الكويت بجيرانها العراق وإيران بروابط اقتصادية، وخلق فرص عمل وسكن مما يحمي المنطقة من الاضطرابات السياسية لأنها ستكون موقع استثماري ضخم لرؤوس الأموال الخليجية والعربية والعالمية.

إحباط

الصورة التي ترسمها رؤية الكويت 2035 أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع بالنسبة للمواطن الكويتي الذي ترسخت لديه القناعة بالفشل الحكومي في إنجاز المشاريع. ومنها مشروع توسعة مطار الكويت الدولي ومبنى جامعة الكويت الجديد وغيرها من المشاريع التي كان من المفترض أن تنجز منذ سنوات، ولكن العجز في الإدارة الحكومية جعل التأخير والتعطيل وتأخر الإنجاز هو سيد الموقف.

هذه الرؤية هي ترجمة لرغبة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، إلا أن الغريب في الأمر هو استمرار إسناد الحكومة لرؤساء وزراء لا يبدو أنهم قادرين على تفعيل هذه الرؤية. رئيس الوزراء الحالي مثلا -ومع كل الاحترام والتقدير لشخصه – أخفق في ملفات إدارية عدة في قيادة مسيرة الكويت 2035، ينعكس ذلك في اختياره لفريقه من الوزراء، إذ منهم من هو مؤهل ومنهم من هو خلاف ذلك. هذا بالتأكيد يؤثر على الإنجاز بل ويحبط العناصر المتفوقة منهم. في المحصلة، لا يبدو أن الحكومة الكويتية اليوم قادرة أو تستطيع توجيه خطاب مقنع للشعب فهل يعقل أن يتفاءل الكويتيون في ظل حكومة عاجزة؟

بصيص من النور

يتطلع الكويتيون في أن يكون الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح قائداً جديداً في السلطة التنفيذية. ورغم أن الشيخ ناصر لم يكن لاعبا “ظاهرا” على الساحة السياسية قبل توليه لمنصبه الحالي وزيراً للدفاع إلا أن اسمه برز في السنوات الماضية “قائدا في الظل” في الأحداث الساخنة التي مرت بها الكويت تزامناً مع الربيع العربي.  

ظهر الشيخ ناصر في الإعلام عدة مرات متحدثا باللغتين العربية والإنجليزية، متحدثا عن رؤية الكويت 2035 ومستعرضاً للمشاريع المستقبلية وأهم المعوقات. يتميز الرجل بمهارات التحدث ومواجهة الجمهور والثقة بالنفس وتسويق الأفكار وهي مهارات بديهية لأي شخصية قيادية، ولقد عانت الكويت لعقود من شح القيادات القادرة على القيادة والتحدث ومواجهة الجمهور والإقناع. يضاف الى رصيد الشيخ ناصر علاقاته الطيبة التي تربطه برموز المعارضة السابقة ومن تبقى منهم، وهو ما يعني أنه شخصية قد لا تُواجَهُ بشراسة أثناء تنفيذ مشروع الكويت الجديدة، وتتأمل بعض شخصيات المعارضة التفاتةً حانيةً من الشيخ ناصر، خاصة وهم ينتظرون أحكاماً قضائية قريباً.

الكويت الجديدة

ثمة عدة نقاط تنذر بمواجهة محتملة بين الشيخ ناصر الصباح والمعارضة فيما يخص رؤية الكويت الجديدة. ومنها؛ ملف الخصخصة، إذ تعتمد رؤية 2035 على تسريع الخصخصة وهو موضوع يجابه بقوة في كل مرة يطرح فيها إذ يعتقد الناس أن الرابح الوحيد من الخصخصة هم فئة التجار، وأن التخصيص هو دعوة لبيع الكويت لمجموعة من كبار التجار. لذلك يحتاج الشيخ ناصر إلى فريق قادر على إقناع الجمهور بفوائد التخصيص وكيف سيكون لكل مواطن القدرة والحق بالمشاركة في المشاريع.

التحدي الآخر هو الانفتاح الثقافي الذي سيستجد ويتصاعد في المجتمع الكويتي عند تنفيذ مشروعي تطوير الجزر ومدينة الحرير. وبحسب التصريحات فإن المنطقة ستكون استثمارية وسكنية ومنطقة تجارة حرة. هذا بالتأكيد يحتاج إلى هدنة مع التيار الإسلامي والمحافظ في مجلس الأمة والذي سيقف ضد الانفتاح الذي تتطلبه المنطقة الحرة، وهنا ستدخل المقايضات السياسية والتي من المرجح أن يلعب فيها الشيخ ناصر دوراً فعالاً ومحورياً.

ساعة الصفر

يترقب الكويتيون في الأسابيع القليلة القادمة تغييراً جذرياً يتسلم فيه الشيخ ناصر رئاسة الوزراء وتتغير معه العديد من الوجوه الوزارية. ومن المرجح أن يواكب ذلك حلاً دستورياً لمجلس الأمة. أما بالنسبة للمعارضة فهم في وضع قلق بسبب تراكم القضايا المرفوعة ضدها، خصوصا قضية دخول المجلس التي تنتظر حكم محكمة التمييز في 16 مايو المقبل.

ثمة العديد من الخيارات التي يمكن الاستعانة بها من أجل تحقيق الصورة “الطموحة” التي تقدمها رؤية الكويت 2035، فقد أشار الشيخ ناصر في أحد اللقاءات إلى أن الدول التي يقودها فرد من السهل أن يفرض ذلك الفرد رؤيته وأن يطبقها دون مواجهة من أحد، لكن الكويت بنظامها الديمقراطي ولتنفيذ مشاريع بهذا الحجم تحتاج الى تشريع قوانين، أي تحتاج أغلبية برلمانية راغبة في تحقيق “الكويت الجديدة”.

أخيراً؛ كيف ستكون الحكومة القادمة؟ وما هي التشكيلة البرلمانية لصناعة الكويت 2035؟

منشورات أخرى للكاتب