نهاية التدين التعبوي في السعودية

شهر يونيو المقبل سيكون موعداً مميزاً وفارقاً في تاريخ المرأة السعودية التي ستتمكن بعد طول انتظار من قيادة السيارة. المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تمنع النساء من قيادة السيارة. وأبدع فقهاؤها منذ عقود مضت في بيان أثر قيادة السيارة على انتشار الانحلال واختلال المبايض.

جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمجموعة من القرارات ليواكب القرن الواحد والعشرين؛ فتح المجال لإقامة حفلات غنائية بجمهور مختلط، وأعلن السماح للمرأة بقيادة السيارة، كما ظهر أحد المشايخ ليعلن بأن العباءة ليست ضرورية للباس المحتشم، واللون الأسود ليس شرطا لها.

المرأة كانت دوماً رمزاً لتوجه المجتمع حيث أبقاها المجتمع السعودي عقوداً حبيسة النظام الأبوي الذي يعطي الولاية الكاملة للرجل على المرأة، ليس فقط في تزويجها، بل أيضا في سفرها وعملها. وأتوقع مع التوجه الجديد للمملكة أن يتغير وضع المرأة نحو المزيد من الاستقلالية الذاتية والحرية الشخصية.

الجدير بالذكر أن التسجيلات والصور الفوتوغرافية للمرأة السعودية في الستينات من القرن الماضي تظهر المرأة كقريناتها في الدول الخليجية من حيث حرية اختيار الملبس والعمل بالإعلام رغم التزاوج التأسيسي للمملكة بين الحكم والتشدد الديني كما نشره محمد بن عبد الوهاب و تلاميذه. فما الذي استجد على الساحة الخليجية وأرجع التشدد التأسيسي بعد مائتي سنة؟

الصحوة

انتعشت الصحوة الدينية من جديد في الخليج منتصف السبعينيات وضُربت أجراس الإنذار بحصار مكة حينما استولى جهيمان العتيبي و أنصاره على الحرم المكي وأدخلوا السلاح مما اضطر المملكة الاستعانة بالخبرات الأجنبية لفك حصار الحرم والقضاء على حركة جهيمان. إلا أن الخوف من ردة فعل المجتمع السعودي الذي تأسس على الأفكار المتشددة جعل السلطات تستجيب لهذه الصحوة رغم قتل جهيمان وأصحابه. بعد عام 1979 قلّ ظهور الإعلاميات السعوديات على الشاشة واندثرت كل المظاهر التي كانت المرأة السعودية تشارك فيها قريناتها الخليجيات، إذ تتمتع المرأة في دول الخليج الأخرى بالسفر دون إذن وليها سواء للدراسة أو العمل أو السياحة، كما أن الدول الخليجية الأخرى لا تفرض لباساً معيناً على النساء، وتعطيهن الحق بقيادة السيارة.

كان صدى الصحوة على المجتمع السعودي قاسياً إذ سيطرت فتاوى تحريم الموسيقى والغناء والتصوير والستلايت والانترنت وغيرها من ثمرات العلم الحديث على المجتمع. وبطبيعة الحال كانت المرأة الخاسر الأكبر إذ عانت مما يعانيه الرجل، إضافة إلى موقعها الثانوي الخاضع في التراث المحلي، مما جعلها تحرم من دراسة تخصصات معينة بحجة أنها لا تناسبها وحرمت من التنقل دون إذن ولي أمرها الذي قد يكون ابنها الذي خرج من رحمها ويصغرها بثلاثين عاما.

تصدير الصحوة

الحدود بين دول الخليج جغرافية فقط إذ تربط الشعوب صلات عائلية ونسب وثقافة، حتى أن بعض أنصار جهيمان كانوا من جنسيات مختلفة بينها خليجية وكويتية على وجه التحديد. دخلت الأفكار المتشددة دول الخليج ولاقت انتشارا بين الشباب، وتزامن ذلك مع ازدهار فكر الإخوان المسلمين في مصر وانتشاره في دول الخليج أيضا عند نفس الفئة العمرية. كان التوجه الديني الجديد يقتات على أفكار مشابهة للآتي:

  1. هزمنا الغرب عندما تركنا إسلامنا الصحيح.
  2. هناك شكل واحد صحيح للإسلام وعلينا أن نحارب مظاهر الشرك كالتمسح بالقبور.
  3. الدنيا فانية، فلنعمل للآخرة.
  4. سلبت منا فلسطين وفيها القدس الشريف.
  5. سقوط الخلافة العثمانية جرح في قلوب المسلمين وعلينا إعادة الأمجاد.
  6. الشباب ذكورا وإناثا هم جند هذه الأمة.

لوجستيات

بني هذا التدين على التعبئة الذهنية وتجاهل الجانب الروحي من الدين. ولإبقاء العزم متقداً انتشرت الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى والتي تمجد الفكرة الاخوانية في الدين وتدعو إلى الجهاد، اذكر منها:

“أخي سوف تبكي عليك العيون

وتسأل عنك دموع المئين

فإن جف دمعي سيبكي الغمام

يرصع قبرك بالياسمين”

جل تركيز هذه الأناشيد هو التذكير بالنصر القادم وتمجيد الشهادة. انتشار الحجاب أيضا بين الفتيات في ذلك الوقت سانده نشر التفسير المتشدد للنصوص الدينية، وكثرت البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تقرر للمرأة كيف تعامل زوجها؟ وكيف تمشي؟ وكيف تلبس؟ كان الحجاب رمزاً لهيمنة فكر الإخوان على المجتمع.

الضربة التي تلقاها الإخوان المسلمين في الربيع العربي إضافة إلى التغييرات الاجتماعية التي يتزعمها محمد بن سلمان أدت إلى اهتزاز عرش الصحوة الدينية بشقيها السلفي والإخواني. من مظاهر هذا التراجع في التدين التعبوي هو انحسار موجات الحجاب بل انتشار خلعه وانتشار الصور بما فيها صور شيوخ الدين الذين كانوا يتسابقون قديما على تحريم التصوير، أصبحت لديهم الآن حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، ويشاركون في البرامج التلفزيونية. ويضاف لذلك انتشار التفكير النقدي بين الشباب الذي لم يعد يقبل التعبئة الذهنية العمياء، متسائلاً حول أصل الأشياء ومحكماً العقل في مبادئ الحياة ومطلعاً على وجهات النظر الأخرى حول القضايا السياسية والاجتماعية.

لا شك أن التصادم بين ما كان قائما وما هو في طور التكوين قادم لا محالة، إلا أن هذا التصادم أمر لابد منه في سبيل التغيير المجتمعي.

منشورات أخرى للكاتب