المرأة العراقية: من محمول سياسي يفرضه الدستور الى فاعلية قارة وشراكة حقيقية في الدولة
لم يبح المشهد الإنتخابي في العراق بأسراره كاملة بعد، لكن قراءة أولية في قوائم التحالفات المعلنة تكشف غياب المشاركة النسائية الواضحة والفاعلة ضمن هذه التحالفات.
الإنتخابات البرلمانية العراقية التي تقرّر إجراؤها في الثاني عشر من شهر مايو المقبل لم تسجل حضور المرأة، وهنا نقصد الحضور الفاعل، في معمعة التحالفات التي سبقت إعلان المحكمة العليا في العراق رفضها طلب بعض الأحزاب السياسية تأجيل الإنتخابات لمدة عام. وفي ما عدا النائب حنان الفتلاوي التي أعلنت ترشحها للإنتخابات البرلمانية ضمن حركة إرادة التي ترأسها، لم يسجل إلى حدّ الآن ترشّح أي إمرأة أخرى.
ولئن كان الحديث عن أسماء المترشحين للإنتخابات البرلمانية القادمة سابقا لأوانه، خصوصا وأن التركيز كان منصبا على تحديد موعد إجراء الإنتخابات وقوائم التحالفات، إلا أن التساؤل عن دور المرأة ضمن هذه التحالفات يبدو مشروعا، خصوصا وأن تجربة المرأة العراقية في المجال السياسي تعدّ من أعرق التجارب على المستوى العربي.
قد يكون النظام الإنتخابي في العراق الذي يضمن للمرأة نسبة حضور تعادل 25%من عدد الأعضاء، مبررا لضعف مغالبة المرأة للرجل في السباق الإنتخابي، ذلك أنه وبموجب الدستور يعتمد العراق نظام الكوتا الذي يضمن وجود ما لا يقل عن ربع الأعضاء من النساء تحت قبة البرلمان لتتحوّل المرأة بسبب الممارسات الحزبية السيئة والتي يسيطر عليها موروث ذكوري متأصل في المجتمع العراقي، من شريك فاعل إلى مجرد محمول سياسي تفرضه سلطة القانون الإنتخابي.
وتعتمد بعض البلدان نظام الكوتا لفرض المشاركة النسائية في الحياة السياسية بقصد فرض ثقافة مشاركتها في مواقع صنع القرار، خصوصا في البلدان التي تتّسم بطبيعة إجتماعية وثقافية ودينية خاصة تقصى فيها المرأة من المشاركة في الشأن العام للبلاد. وعليه فإن اعتماد نظام الكوتا يهدف أساسا إلى إرساء ثقافة تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار والمشاركة في الحياة السياسية والعامة للبلاد.
ويعتمد العراق ما يمكن تسميته بنظام الكوتا القانونية أو الدستورية، إذ يحدّد القانون نسبة الوجود النسائي في البرلمان، وهو ما يعطي انطباعا، وذلك بالنظر إلى غياب المرأة عن مراكز القيادة في قوائم التحالفات، بأن استخدام نظام الكوتا خلق حالة من الإتكال إذ أن السّباق الإنتخابي للناشطات ضمن الأحزاب السياسية المترشحة قد انتهى قبل أن يبدأ، خصوصا وأن نظام “سانت ليغو” المعدل الذي ينتهجه العراق في توزيع المقاعد النيابية يدعم بطريقة أو أخرى نظام الكوتا النسائية.
وبمقتضى نظام “سانت ليغو” المعدل ليس من الضرورة أنّ كل النواب الفائزين بمقاعد في البرلمان العراقي قد تمكنوا من الفوز في الإنتخابات وإنما قد يعود الفضل في صعودهم منصة البرلمان إلى حصول الكتلة السياسية التي ترشّحوا عنها على فائض من الأصوات استفادوا منه في الحصول على مقعد نيابي. وبالتالي فإن تواطؤ نظام سانت ليغو مع نظام الكوتا قد خلق هذه الحالة من الإتّكال لدى المرأة العراقية التي تضمن بطريقة أو أخرى وجودها تحت قبة البرلمان العراقي، لكن هذه الحالة من السلام النفسي ليست الهدف الرئيسي من إعتماد النظامين، ذلك أن الهدف الرئيسي هو تكريس حضور المرأة وتشجيعها على الحضور الفاعل في الحياة السياسية وليس منحها حصتها وحسب.
وحتى لا نكون مجحفين في حق المرأة العراقية، قد لا تكون هذه حالة إتّكال بقدر ماهي إقصاء من القيادات الرجالية التي تسيطر على الأحزاب والتحالفات والحياة السياسية عامة، للمرأة وتحديد المجالات التي يسمح للمرأة العراقية التحرك ضمنها.
إن غياب المرأة العراقية عن مواقع القيادة في الأحزاب والتحالفات العراقية لا يعكس بالمرة النضج السياسي الذي يفترض أنها بلغته، طبعا فيما عدا حنان الفتلاوي التي يبدو أنها مصرة على الخروج عن السّرب وتأكيد نضجها السياسي، بل إننا قد نذهب إلى القول بأن الفتلاوي تمثل التّطور المطلوب والمتوقع والمرجوّ من المرأة العراقية على إثر النتائج التي حققتها في انتخابات سنة 2014 والمقصود هنا هو فاعليتها السياسية وتطويرها لتجربتها السياسية وجرأتها في خوض المغامرات بغض النظر عن توجهاتها وايديولوجيتها.
وللإشارة فإن انتخابات العام 2014 عرفت حصول 22 امرأة على مقاعد نيابية دون الإستعانة بنظام الكوتا وذلك من أصل 83 مقعدا مخصصا للمرأة يمثل نسبة 25% من مجموع أعضاء مجلس النواب العراقي الذي يبلغ 328عضوا.
المفارقة التي عرفتها هذه الإنتخابات تمثلت في حصول ثلاث مرشحات على أصوات أغنتهنّ عن اللجوء إلى أصوات القائمة الإنتخابية وتتصدر حنان الفتلاوي قائمة هذا الثلاثي النّسائي الذي نافس قادة القوائم الإنتخابية وزعماءها وتفوق على الكثير منهم بل وساهم في حصول عدد من الرجال على مقاعد في البرلمان.
فتحت هذه النتائج التي حققتها المرأة العراقية خلال الإنتخابات السابقة أبواب التفاؤل بمشاركات نسائية أكثر فاعلية وحضورا نسائيا أكثر نضجا في السّباق الإنتخابي، إلا أن واقع الحال لا يعكس هذه التفاؤلات بل على العكس تماما، لا يبدو المشهد العام مبشرا بإنجازات تفوق انجازات العام 2014، على الرغم من أن هذه الإنتخابات عكست وعي الناخب العراقي وتطوره في التعامل مع العملية الإنتخابية.
ولئن اضطر البرلمان العراقي خلال دورات برلمانية سابقة إلى أن يولي اهتماما أكبر للقضايا الأمنية بالنظر إلى الحروب والفلتان الأمني الذي عانى منه البلد إلا أن القضايا التي تهم المرأة ومن بينها زواج القاصرات والحق في الإجهاض الآمن وتمكين المرأة سياسياً واقتصادياً وغيرها من الملفات التي تتعلق بالمرأة، والتي لم تلق الإهتمام الكافي من قبل برلمان تشكّل ربع أعضائه النساء، لابدّ أن تكون إحدى أولويات النواب من النساء حتى لا يكون وجودهن تحت قبة البرلمان مجرّد استكمال للمشهد كما هو الحال في الإنتخابات.