الأم الخليجية: مواطنة ناقصة إذا تزوّجت أجنبياً

لفت القانون الجديد الذي أعلنته دولة قطر مؤخراً والذي يمنح فئات من المقيمين بطاقة إقامة دائمة تساوي بينهم وبين القطري في الخدمات الطبية والتعليم والتوظيف، لفت الانتباه إلى ملف شائك، مهمّش ومسكوت عنه، يتعلق بالتمييز الجندري ليس في قطر وحسب وإنما في أغلب بلدان الخليج، ما خلا الإمارات العربية المتحدة.
تعيش المرأة الخليجية المتزوجة من أجنبي رعباً يومياً مستمراً يستهدف عائلتها، فمع كل قرار يصدر ويتعلّق بموضوع الجنسية، تتوقع أن تتفكك أسرتها وتتشتّت، خصوصاً إذا ما بلغ أولادها سن الرشد، ذلك أنه وبمقتضى قوانين الجنسية في بلدان الخليج لا يحق لأبناء المرأة الخليجية المتزوجة بأجنبي الحصول على جنسية والدتهم. وبمقتضى هذه القوانين أيضاً فإن الأجانب يحتاجون إلى كفيل من السّكان المحليين من أجل العمل أو مزاولة عمل تجاري.
ولئن كانت قوانين دول مجلس التعاون تكفل التعليم والخدمات الصحية لأبناء الخليجية المتزوجة من أجنبي، فإن بلوغهم سن الرشد يحذفهم أمام معضلة معاملتهم معاملة الأجانب.
القانون الذي شمل أبناء المرأة القطرية المتزوجة بأجنبي، منحهم بطاقة الإقامة الدائمة لكنه لم يحسم هذا الملف، على الرغم من أنه قدّم حلولاً لمشاكل المئات من العائلات التي تعاني الأمرين من وراء هذه التفرقة والتمييز الذين يرعاهما القانون.
القوانين القطرية قبل صدور هذا القانون كانت صارمة في ما يتعلق بملف المرأة القطرية المتزوجة من أجنبي والتي تمنع منح الأمّ جنسيتها لأبنائها بل ومعاملتهم معاملة الأجانب إذ يمنعون من العمل في المؤسسات الحكومية كما أنه لا يحق لهم حتى ميراث والدتهم إذا كانوا يحملون جنسية غير خليجية.
ولكن وبحسب القانون الجديد، فإنه سيكون من حق حاملي هذه البطاقات التملك العقاري وممارسة الأنشطة التجارية دون شريك محلي، فضلاً عن التقدم للوظائف العسكرية والمدنية في الدولة.
قضية منح الجنسية لأبناء الخليجية من أب أجنبي، قضية شائكة ومعلقة في أغلب الدول الخليجية، فالملف يفتح أحياناً ويركن في الأدراج أحياناً أخرى دون حلول.
ففي البحرين مثلاً تطالب منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد النسائي منذ سنوات بتعديل قانون الجنسية وتضمينه حق أبناء المرأة البحرينية في الحصول على جنسيتها باعتباره حقاً أصيلاً وهو ما ينسجم مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها مملكة البحرين وتحقيقاً للعدالة والمساواة في المواطنة. إلا أن القوانين البحرينية الخاصة بالجنسية تتعارض مع ما جاء من أحكام في الدستور البحريني الذي ينص على أنه لا تمييز بين المواطنين لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة كما أنها تتعارض مع اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من المواثيق الدولية.
مشروع القانون بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية البحرينية للعام 1963، المحال منذ 12 يناير/ كانون الثاني للعام 2014، لم يجد طريقه حتى الآن إلى مجلس النواب لدراسته والتصويت عليه ليبقى أمل هذه الفئة من البحرينيات رهين مكرمة ملكية يمنح بمقتضاها أبناؤها الجنسية البحرينية.
في الكويت لا يختلف الوضع كثيراً فعلى غرار القوانين البحرينية، يحرم أبناء الكويتية المتزوجة من أجنبي من الحصول على جنسية والدتهم أسوة بالرجل الكويتي الذي يمنح أولاده وزوجته الحق في الحصول على الجنسية الكويتية.
الملفت في القوانين الكويتية هو أنها وضعت استثناءً في هذا الملف، إذ أنه وفي حالة كان الأبناء مجهولي الأب أو لم يثبت نسبهم إلى أب يحق لهم الحصول على جنسية والدتهم كما يمكن لوزير الداخلية منح الجنسية لأبناء الكويتية المحافظين على الإقامة فيها حتى بلوغهم سن الرشد إذا كان والدهم أسيراً أو طلّق والدتهم طلاقاً بائناً أو توفى عنها. وعلى الرغم من تكريس هذه الاستثناءات لقناعة بأن الأب هو الحاجز أمام حصول الأبناء على الجنسية إلا أنها قد تكون سبيلاً لحل هذه المعضلة وربما وسيلة للالتواء عليها.
وبحسب الإحصائيات الرسمية فعدد الكويتيات المتزوجات من أجانب بلغ نحو 20 ألفاً وهو عدد كبير خصوصاً إذا ما اعتبرنا أن كل امرأة أنجبت ما معدّله ولدين وهو ما يحيل على حجم معاناة هذه العائلات التي تتعلّق كل آمالها بإقرار قانون يمنح الجنسية لأبناء الكويتيات المتزوجات من أجانب، وهو قانون أقرته اللجنة التشريعية في مجلس الأمة الكويتي منذ شهر يناير 2017 ويقضي بقانونية تعديل المادة الثانية من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 الخاص بقانون الجنسية بحيث تمنح الجنسية لكل من له أب كويتي أو أم كويتية، بعد أن كانت المادة مقتصرة فقط على من له أب كويتي.
ولكن يبقى الطريق طويلاً كما تبقى معاناة هذه الفئة من العائلات الكويتية قائمة ومستمرة إلى أن يتم إصدار هذا القانون الذي من شأنه أن ينسجم مع تشديد الدستور الكويتي على مبدأ المساواة بين المواطنين الكويتيين.
في السعودية تشير الإحصائيات إلى أن ما يزيد عن 700 ألف سعودية متزوجة من أجنبي أي ما يقارب الـ10% من عدد السعوديات. ويختلف قانون الجنسية في المملكة عن باقي دول الخليج، إذ يسمح لأبناء السعودية المتزوجة من غير سعودي أن يتقدموا بطلب للحصول على الجنسية السعودية إذا ما بلغوا سن الـ18 بالنسبة للذكور وفي صورة الزواج من سعودي بالنسبة إلى البنات ولكن وفق معايير مختلفة، ذلك أن المملكة تعتمد نظام النقاط.
وبحسب هذا النظام يجب على المتقدم للحصول على الجنسية السعودية أن يجمع 7 نقاط كحد أدنى لتتم دراسة الطلب من خلال لجنة مختصة، تقوم برفعه بعد ذلك إلى وزارة الداخلية المخولة بإصدار قرار منح الجنسية وفي صورة لم يتمكن المتقدم من إتمام النقاط المطلوبة يحفظ الطلب.
ويتوجّب في هذا الخصوص على ابن المواطنة السعودية إثبات أنه أقام إقامة دائمة في السعودية عند بلوغه سن الرشد ليحصل على نقطة واحدة، وفي حال كان يحمل مؤهلاً دراسياً لا يقل عن الشهادة الثانوية يحصل على نقطة واحدة أيضاً، وإذا كان والد الأم وجدها لأبيها سعوديين فيحصل على ست نقاط لكن إذا كان والد الأم فقط سعودي الجنسية يحصل على نقطتين، وإذا كان لصاحب الطلب أخ أو أخت فأكثر سعوديون يحصل على نقطتين.
ويصنّف هؤلاء الأبناء تحت بند العمالة الوافدة ويخضعون لقوانين الإقامة المطبّقة على الأجانب، حتى أنه يطلق على الابن صفة “وافد خاص” في وزارة العمل ويعامل معاملة الأجانب فلا يحق لوالدته توكيله عنها كما أنه لا يقبل في برنامج الابتعاث وفي صورة حصوله على عمل يتم استقطاع نسبة 2% من راتبه بعنوان نظام الأخطار المهنية أسوة بالعمال الأجانب. كما لا يحق له وراثة ما تمتلكه والدته من عقار.
وفي السعودية أيضاً رفع أعضاء في مجلس الشورى، مقترح مشروع لتعديل نظام الجنسية السعودية يقرّ منح أبناء السعودية المتزوجة بغير سعودي حقهم في التمتع بالجنسية السعودية ولكن المقترح لم يجد طريقه إلى النور بعد.
في سلطنة عمان، يبدو التعامل مع هذه القضية أكثر تشدّداً، إذ ينص القانون العماني صراحة على عدم منح الجنسية لابن العمانية المتزوجة من غير عماني، ذلك أنه وبحسب مرسوم أصدره السلطان قابوس سنة 2014 لا أحقية للمرأة العمانية المتزوجة من غير عماني في منح أبنائها الجنسية العمانية والاستثناء الوحيد هو السماح للقصّر من الأبناء بالحصول على الجنسية في حالة مرور عشر سنوات كاملة على طلاقها أو ترمّلها. ولا يسمح للمحاكم البتّ في هذه القضايا فوحده وزير الداخلية المؤهل لمنح وسحب الجنسية العمانية.
ولكن وعلى الرغم من المطالبات بإعادة النظر في هذا الملفّ، لا توجد بوادر لحلحلته وذلك على خلاف باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي.
وإجمالاً فإن ملف تجنيس أبناء الخليجيات المتزوجات من أجنبي من خارج دول المجلس، يعدّ من أكثر الملفات تأكيداً على التمييز الذي تعامل به السلطات في دول الخليج المرأة، ما عدا دولة الإمارات العربية المتحدة التي حسمت هذا الملف وأقرت منح الأم جنسيتها لأبنائها وقامت بتفعيله على أرض الواقع.
لا مفرّ من التأكيد على أن هذه الملفات تجاوزت كونها حالات منفردة لتصبح قضية تمس آلاف العائلات التي تتوقع الاستيقاظ يوماً على كابوس الترحيل أو تشتّت العائلة.
ولا يمكن أيضاً إنكار أن الحلول الجزئية التي اتبعتها بعض البلدان الخليجية، على غرار القانون القطري بمنح أبناء المرأة القطرية المتزوجة من أجنبي بطاقة للإقامة الدائمة أو كفالة الأم السعودية لأبنائها وزوجها الأجنبي، بإمكانها توفير نوع من الاستقرار العائلي لكنها، وعلى أهميتها، لا تمثّل حلاً للمشكلة ولا تمنح هذا الابن حقوقه كاملة كما أنها تكرّس “المواطنة المنقوصة” في حق الأم الخليجية. مبادرات الحلول موجودة ولا ينقصها سوى نفض الغبار عنها، التفعيل والجدّية في التعامل مع هذه الملفات المسكوت عنها من شأنه أن ينهي مآسي عائلات كثيرة.

 

منشورات أخرى للكاتب