المرأة العمانية وفرص التمكين السياسي 

أعاد مقترح أحد أعضاء مجلس الشورى في سلطنة عمان باقتصار منح الأراضي على الرجال أو الأسرة واستثناء النساء منها، إلى الواجهة ملف حقوق المرأة في السلطنة. فعلى الرغم من ردود الفعل المنددة بهذا المقترح لم يستطع نفي حقيقة الوضع المحيّر للمرأة العمانية، والتي يبدو مسار تحقيق مكاسبها السياسية والمجتمعية ثقيل الخطى.
يتناقض هذا المقترح التمييزي والعنصري مع ما تروّج له السلطنة من تكافؤ الفرص والمساواة بين المكونين الرئيسيين للمجتمع، إذ يجدر التذكير، في هذا السياق بأن السلطان قابوس، حاكم البلاد، كان أصدر في سنة 2008 مرسوماً منح بمقتضاه المرأة الحق في الحصول على أراضٍ حكومية أسوة بالرجل.
رغم ذلك، تبدو التجربة العمانية في تمكين المرأة رائدة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يرجع منح المرأة حق الترشح والانتخاب في سلطنة عمان إلى عام 1994، مع ذلك لا يمكننا الجزم بأنها تجربة مثمرة بالنظر إلى النتائج التي حققتها المرأة من مشاركة في الحياة السياسية واستثمار لهذا الحق.
ففي ثاني انتخابات بلدية نظمت للفترة 2017 — 2020 بالاقتراع العام عززت النساء تمثيلهن في المجالس البلدية من 4 إلى 7 مقاعد وذلك من أصل 202 مقعداً، وكانت 23 امرأة –لا غير- قد ترشحن لعضوية هذه المجالس البلدية.
ولا يبدو التمثيل النسائي في مجلس الشورى العماني بأحسن حالاً من تمثيلهن في المجالس البلدية ففي الفترة الثامنة أي الفترة الحالية 2015 ـ 2019 احتفظت بمقعد عضوية المجلس امرأة واحدة وهي نعمة البوسعيدي من بين (20) امرأة دخلن الانتخابات مقابل نحو 600 مرشح.
ووحده مجلس الدولة المعيّن يبدو أحسن حالاً إذ يضمّ 13 امرأة من مجموع 84 عضواً.
التمثيل المتواضع في المجالس المنتخبة يحيل على مجموعة من المشاكل المتعلقة بدرجة أولى بمدى إقبال المرأة العمانية على المشاركة في الحياة السياسية والأهم بمدى وعيها بأهمية هذه المشاركة وفاعليتها في النهوض بوضع المرأة، وهو ما يبدو مفقوداً بالنسبة إليها، وذلك بالاستناد إلى نسب المشاركة الضئيلة والتي ما انفكت تتراجع من دورة انتخابية إلى أخرى. كما يمكن إرجاع هذا التراجع في التمثيل النسائي إلى خيبة الأمل التي خلّفتها النتائج الضئيلة للمشاركة النسائية في الانتخابات وهو ما ولّد لديها، سواء المرأة الناخبة أو المرأة المترشّحة، القناعة بعدم جدوى المشاركة.
وتفرض مسألة ضعف التمثيل النسائي في المجالس المنتخبة في سلطنة عمان، التفكير الجدّي لدى عديد المراقبين في اعتماد نظام الكوتا كإجراء ضروري من أجل ترسيخ تقاليد العمل السياسي النسوي في البلاد، وتكريس وجود المرأة ضمن هذه المجالس باعتبارها عنصراً فاعلاً وفعّالاً في المجتمع، ذلك أنه من المؤسف أنه لم تتمكن المرأة في سلطنة عمان من أن تحقق نتائج رائدة توازي ريادتها في دخول الحياة السياسية.
ولعلّ غياب التجربة الحقوقية في سلطنة عمان التي تمنع تكون الأحزاب السياسية، يمثّل السبب الرئيسي في عدم نضج التجربة السياسية للمرأة وذلك باعتبار عدم خوضها معارك حقوقية حقيقية من شأنها أن تكسبها الخبرة والوعي السياسيين.
الإشكالية الثانية تتعلق بالقوانين ومدى التزام السلطنة بتفيذ توصيات الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، ذلك أن بعض القضايا ما تزال مطروحة إلى اليوم على الرغم من أن السلطنة ما فتئت تؤكّد التزامها بتنفيذ بنود الاتفاقية، وتتصدّر قضيّة السماح للمرأة العُمانية بنقل جنسيتها لأطفالها أسوةً بالرجل العُماني قائمة القضايا المطروحة، إذ تعاني العمانيات المتزوجات من أجانب من مشكلة تتمثل في معاملة أبنائهن معاملة الأجانب وحرمانهم من كل حقوق المواطن العماني.
لا يكاد اثنان يختلفان في ما يتعلّق برصانة المواقف السياسية لحكومة سلطنة عمان على مستوى المنطقة، فقد نجحت السلطنة خلال السنوات الأخيرة في صنع مواقف متفرّدة تؤكّد رجاحة قرارات مؤسسة الحكم ومكّنتها من تبوأ دور سياسي محوري في حلحلة المشاكل الإقليمية، الشيء الذي يفرض بالضرورة توقّع أن تسير السياسة الداخلية للسلطنة على المنوال ذاته، إذ ليس من المقبول أن تتلخّص المشاركة النسائية في الحياة السياسية بعد أكثر من عشرين سنة من إقرار حق المرأة في الترشح والانتخاب في إمرأة واحدة في مجلس الشورى و7 نساء في المجالس البلدية.
النتائج على أرض الواقع لا تتماشى مع ما تروّج له السلطنة من إقرار المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في مختلف المجالات. يوجد خلل واضح في التعامل مع ملف المرأة وأياً كان مكمن الداء فمن الجدير معالجته

من العمق.

منشورات أخرى للكاتب