إلغاء نظام الولاية في السعودية: انتصرت الـ”حرة” مؤقتاً

هل يعتبر أمر الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لجميع الهيئات الحكومية والخاصة السعودية بتقديم الخدمات للنساء دون اشتراط موافقة ولي الأمر انتصاراً للحملات المطالبة بإلغاء نظام الولاية على المرأة في السعودية؟

القرار صدر مشروطاً بأن الإلغاء لا يشمل الحالات التي تنص عليها القوانين والشّرع. وفي انتظار مهلة الثلاثة أشهر التي منحت للهيئات الحكومية لتقديم قائمة الإجراءات التي تستوجب موافقة ولي الأمر فإن الباب يبقى مفتوحاً أمام التأويلات، ففي الوقت الذي يؤكّد فيه البعض أن الأمر لا يشمل الموافقة على سفر المرأة إلى الخارج واستصدار جواز السفر والزواج، يقصر البعض الآخر الحاجة إلى موافقة ولي الأمر بما يقرّه الشّرع بمعنى أن الزواج وحده يتطلب موافقة ولي الأمر.

وفي صورة كان رأي الشقّ الثاني صائباً فستكون بالفعل انعطافة هامة وثورة على الأعراف والممارسات التي تكرّس دونية المرأة في المجتمع السعودي، كما أنها ستكون خطوة في طريق تمكين المرأة السعودية.

ومع ذلك وأيّاً كانت مخرجات مهلة الأشهر الثلاثة فإن سّعوديات اعتبرن أن الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان في الـ17 من شهر مايو2017 انتصاراً من “الحرة” على “الدرة”. وهما بالمناسبة أبرز طرفي النّزاع في هذه القضية، معسكران من السعوديات  تطالب فيه “الحرة” بإلغاء نظام الولاية الذي تعتبره تمييزاً وتعسفاً يحول دونها وممارسة حياتها بصفة طبيعية. وفي المقابل تقف بعض السعوديات ممن أطلقن على أنفسهن صفة “الدرة” في الجهة المقابلة معتبرات أن نظام الولاية لا يعدو أن يكون أسلوباً يضعها موضع اللؤلؤة المصانة التي يقوم الرجل بأمورها الحياتية.

يعدّ نظام الولاية في السعودية عائقاً أمام تمتّع المرأة بحقوقها وممارسة حياتها بصفة طبيعية، بل إن الغلوّ في تطبيق هذا النظام وصل إلى درجة مهينة، إذ يولّى الابن على أمه أو الأخ الأصغر على أخته الكبرى في صورة غياب الزوج أو الأب أو الأخ. ويتعيّن على المرأة تقديم تصريح من وليّ الأمر إلى الجهات المختصّة للحصول على الخدمات سواء كان السفر أو الزواج أو الاستئجار أو الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات.

على أنّ طلب تصريح ولي الأمر لخروج المرأة من السجن يعدّ أحد أكثر المشاكل التي نتجت عن تطبيق هذا النظام، ذلك أن عدداً كبيراً من المسجونات يجبرن على الإقامة مدّة إضافية في السّجن، فقط لأنه يمنع إخلاء سبيلهن من دون تصريح من ولي الأمر، وكأنّ ولي الأمر يوقع عليها عقوبة إضافية وفق أحكامه الخاصّة.

وفي واقع الأمر يبرز نظام الولاية في السعودية كنوع من التآمر بين الجهات الخدماتية وبين الأهالي، إذ تطوّرت الممارسات إلى حدّ تطبيقه في كل المجالات مثل الموافقة على العمل أو الحصول على خدمات صحّية وهي من الحقوق الأساسية للإنسان لا فقط المرأة، الشيء الذي زاد في التّضييق على حرية المرأة في المملكة.

ولذلك اعتبر توجّه الأمر الملكي بعدم حرمان النّساء من الخدمات الحكومية في غياب موافقة ولي الأمر، فرصة هامة لاجتثاث هذه الممارسات التعسّفية في حق المرأة التي تحول دونها ودون ممارسة دور فاعل داخل المجتمع السعودي.

إلا أنّه من الضروري التّنبيه إلى أن الإشكال الأساسي في نظام الولاية في السعودية يكمن في الاجتهادات الخاصة، فمثلاً لا يوجد نصّ قانوني يطالب بموافقة ولي الأمر حتى تتمتّع المرأة بالخدمات الصّحية سواء في المستشفيات العامة أو الخاصة لكن الأنظمة الداخلية لبعض المستشفيات تطالب بهذه الموافقة. كما أنّ الحكومة لا تطالب بإذن ولي الأمر على عمل المرأة لكنها في الوقت ذاته لا تفرض عقوبات على أصحاب العمل الذين يطلبون هذا الإذن.

ولذلك فإن الحرب الحقيقية في هذه القضية لا تتوجّه إلى القوانين بقدر ما تتوجّه إلى الاجتهادات الخاصة التي تغالي في تشديد الخناق على المرأة. وعليه فإن السلطات السعودية مدعوّة إلى إقرار عقوبات ضدّ كل من يخالف القواعد القانونية.

وللإشارة فإن القضاء على مثل هذه الممارسات المجحفة بحق المرأة السعودية والتي تتخفى خلف “ولاية الأمر”، يعدّ إجراءاً ضرورياً ينسجم مع ما جاء في رؤية 2030 والتي أكّدت على ضرورة دعم المرأة السعودية باعتبارها أحد العناصر المهمة من أجل بناء الوطن، حيث تشكل 50% من إجمالي مخرجات التعليم الجامعي. كما أنّه يهدم أهم حاجز في تنفيذ ما جاء في الرؤية المستقبلية للمملكة من رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.

وفي واقع الحال، لابدّ من الإقرار بأن صعوبات التّنفيذ على أرض الواقع، بالنّظر إلى طبيعة المجتمع السعودي الذي تتحكم به مؤسسة دينية متشددة، تهدّد تطبيق هذا القرار . وعليه، فإن الخطوات المحدودة في الإصلاح والتي قد تستهدف نظام الولاية في جوانب دون أخرى وعدم إقرار عقوبات صارمة للمخالفين والاستمرار في التغاضي عن مثل هذه الممارسات، لن ينتج عنه سوى استمرار انتهاك حق المرأة السعودية.

انتصار الـ”حرة” مازال رهين جدّية الحكومة في التنفيذ على أرض الواقع ومدى قدرتها على مواجهة أو ربما احتواء مؤسسة دينية متشددة لم تصدر حتى الآن موقفاً مناهضاً للتوجهات الملكية الجديدة.

منشورات أخرى للكاتب