المغتصبون في دول الخليج: أصدقاء القانون

في رد فعل على التحفظ الحكومي على مقترحات مجلسي الشورى والنواب البحرينيين بإلغاء المادة 353 من قانون العقوبات البحريني التي تسقط العقوبة عن المغتصب متى ما تزوج من اعتدى عليها، أطلق الاتحاد النسائي في البحرين حملة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» منتصف أبريل 2017، تهدف إلى تحذير النساء في البحرين اللاتي تعرضن إلى الاغتصاب من الزواج من مغتصبيهم.
رئيس الاتحاد النسائي فاطمة أبو إدريس صرحت للصحف المحلية في البحرين بأن “الحملة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تأتي ضمن حملة الاتحاد النسائي “لا للمادة 353 من قانون العقوبات البحريني” لأن هذه المادة تحمي المغتصب، وتؤسس لعملية الإفلات من العقاب، ‏حيث أن هذه المادة ‏تساعد المغتصب على أن يفلت من العقاب حين ‏يتم الزواج بينه وبين الضحية، فهذا الزواج في نظرنا لا يقوم على الأسس الصحيحة المفترض أن تبنى عليها الأسرة”. على أن الملفت في تحفظ الحكومة البحرينية هو تأكيدها على أن زواج المجني عليها من الجاني “هو في حقيقته ميزة للمرأة وليس تمييزاً ضدها” معتبرة أن هذا الزواج من شأنه أن يقلل الأضرار الناتجة عن عملية الاغتصاب.
التحفظ الحكومي البحريني يؤكد أنه لا ارتفاع نسب التمدرس ولا حتى عدد خريجات الجامعات الكبير في دول الخليج، أفلح في تغيير النظرة المجتمعية التي تدين الفتاة المغتصبة وتحملها مسؤولية ما تعرضت إليه. ففي المجتمعات العربية يتفق الجميع علناً وسراً على إدانة الضحية، بل إن هذا المجتمع يذهب إلى حد انتزاع صفة الضحية منها وفي ما عدا ما يصرح به المعالجون النفسيون والاجتماعيون عن التأثيرات النفسية والجسدية لضحية الاغتصاب، باعتباره أسوأ أنواع العنف الذي يمكن أن تتعرض له المرأة، فإن جلد الضحية ديدنهم.
وعموماً تجد ضحية الاغتصاب نفسها، على ما لحقها من تعدٍ على جسدها ونفسيتها، في مواجهة جلد العائلة والمجتمع وربما جلد الذات أيضاً، خاصة عندما تتفاجأ بأن القوانين الجزائية تقف إلى جانب الجاني بل وتحميه في تواطئ وتنكيل شنيعين بكرامتها وإنسانيتها. وبالنتيجة، تُجبر ضحايا الاغتصاب على الاختيار بين خيارين أحلاهما مر: فإما أن تتزوج بالشخص الذي حطم نفسيتها ووجودها وأحلامها، درءاً للعار والفضيحة وهو ما يُعتبر تمييزاً ضد المرأة برعاية قانونية، أو أن تعيش منبوذة تتحمل عبء جرم لم ترتكبه.
وللإشارة فإنه وفي الكثير من الأحيان لا تُمنح الضحية حتى حق اختيارهذا الخيار المر وهو ما لا يمكن للقوانين أن تضبطه، فغالباً ما تُجبِرُ العائلات الضحية على القبول بالزواج من الجاني دون الأخذ برأيها. ولا تزال القوانين التي تقر زواج المغتصب من ضحيته مقابل إسقاط العقوبات عنه محل جدل ونقاش على الرغم من أن أغلبها يعود تاريخ تشريعه إلى بداية صياغة الدساتير في بلدان الخليج.
ففي شهر مايو من العام 2016 ناقش مجلس الشورى البحريني اقتراحاً بقانون يلغي المادة 353 من قانون العقوبات البحريني التي تنص على وقف الملاحقة القانونية أو تنفيذ العقوبة على من قام بفعل الاغتصاب في صورة زواجه من الضحية وانضم قانونيون ومحامون إلى المطالبين بإلغاء هذه المادة التي اعتبروا أنها “تحمل في روحها إجازة ضمنية بحق اغتصاب المرأة ونجاة الفاعل حال الزواج منها”. وأقر غالبية أعضاء مجلس النواب في البحرين إلغاء هذه المادة من قانون العقوبات البحريني، لكن هذه الجهود جوبهت بتحفظ حكومي حيث اعتبرت الحكومة البحرينية أن “المادة 353 جاءت لصون شرف الأسرة ودرء ما قد يمس شرف العائلة من أقاويل تؤثر في نظرة المجتمع للمجني عليها ولأسرتها، خاصة إذا تمت مواقعة الأنثى المجني عليها برضاها وحملت من الجاني، وأيضاً حفاظاً على حق الطفل في النسب والهوية وهي حقوق أصيلة نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل، فضلاً عن أن هذه المادة قد جاءت كذلك للتأكيد على مبدأ الردع حال عدم قبول المجني عليها بالزواج بالجاني”.
وعلى غرار المادة 353 من قانون العقوبات البحريني تؤكد المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي على أن المغتصب يمكنه تجنب العقوبة في حال زواجه من ضحيته.
في العراق يدين قانون العقوبات المغتصب بالسجن مؤبداً أو مؤقتاً كل من واقع أنثى بغير رضاها. وإذا لم تتم الـ 18 من عمرها، أو في حال كان الجاني من أصول المجني عليها تسلط عليه عقوبة السجن المؤبد. لكن المادة 398 من القانون توقف كل الإجراءات العقابية في حال تزوج الجاني ضحيته، كما أنها تمكن من إعادة رفع الدعوى في حال تم الطلاق قبل انقضاء ثلاث سنوات على وقف الإجراءات.
وفي المقابل، لا يتضمن القانون القطري أي نصوص تعفي المهتم من العقوبة في حال تزوج من ضحيته. فقد حددت المادة 198 من قانون العقوبات القطري عقوبة جريمة الاغتصاب بالسجن 10 سنوات، أما المادة 199 فحددت عقوبة جريمة اغتصاب أنثى تحت سن السادسة عشرة من عمرها بالسجن 14 عاماً. فإذا كان الجاني هو معلم المجنى عليها أو وصيها أو أي شخص عهد إليه تعليمها أو رعايتها فيعاقب بالحبس المؤبد. وفي قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة تشير المادة 354 إلى أنه يعاقب بالإعدام كل شخص استخدم الإكراه في مواقعة أنثى أو اللواط مع ذكر، كما يعتبر الإكراه قائماً إذا كان عمر المجني عليه أقل من أربعة عشر عاماً وقت ارتكاب الجريمة.
وفي المملكة العربية السعودية يبدو الوضع مختلفاً، إذ لا يوجد قانون عقوبات وهو ما يعني أنه لا يوجد تعريف للاغتصاب كما لا توجد عقوبة قانونية. وعليه، واستناداً للشريعة الإسلامية التي تعتمدها المملكة فإن العقوبة التي تسلط على من يدان بالاغتصاب تتراوح بين الجلد والإعدام.
ويفتح غياب قانون عقوبات واضح المواد في المملكة الباب واسعاً أمام التأويل في مثل هذه القضايا التي تحفُّ بها العديد من التعقيدات الثانوية والتي تؤدي إلى تشتيت القضية الرئيسية من ذلك التركيز على الموانع الشرعية مثل تحريم الخلوة بين المرأة والرجل ما لم يكن يجمعها رابط شرعي وإدانة الضحية، وهي متناقضات برزت في “قضية فتاة القطيف” التي أثارت حملة انتقادات دولية واسعة للقضاء السعودي على خلفية إصدار محكمة سعودية حكماً بالسجن والجلد 200 جلدة على الضحية لأنها كانت في سيارة شخص لا تربطها به قرابة وهو ما يعني أنها كانت في “خلوة غير شرعية” أدت إلى تعرضها للاختطاف والاغتصاب على يد سبعة رجال.
لكن وعلى الرغم من عدم وجود قانون يفرض زواج الضحية من مغتصبها كما هو حال البحرين والكويت والعراق فإن واقع الحال جعل مجموعة من القضايا التي لا تنصف الضحية، تطفو على السطح وخصوصاً في ما يتعلق باغتصاب عاملات المنازل وما يحيط بهن من تعاملات تهضم حقوقهن في التتبع القضائي للجانين.
وما بين التصريح القانوني للجاني بالإفلات من العقاب وما بين العرف المجتمعي الذي ينتصر للسيد على حساب العاملة، يبدو أن الطريق ما يزال طويلاً أمام إنصاف المرأة قانونياً وإنسانياً واعتبار الاغتصاب قضية لا يتهاون فيها المشرع، لا أن يعتبر زواج الضحية ممن اعتدى عليها حلاً مثالياً لإنهاء المشكلة متناسياً أن ما بُني على باطل فهو باطل بالنتيجة. ولا بد أن ضيق نظرة الحكومات إلى مثل هذه القضايا تجعلها تعتبر أن إقرار هذا الزواج “ميزة” لابد أن تبتهج لها الضحية بما أنها تمكنها من عقد قانوني يثبت صفة متزوجة التي تحميها من نظرة المجتمع متناسية أو متجاهلة إنسانيتها المغتصبة ومستقبلها المجهض عليه.
اللافت في القوانين التي تضمن للمعتدي الإفلات من العقاب في كل من البحرين والعراق والكويت هو أن هذا القانون لم يراعِ الخصوصيات المجتمعية لهذه البلدان التي تعتمد على العمالة من بلدان تختلف عقائدياً وتقاليداً، وفي ظل هذه الاختلاف كان من الأجدر أن ينظر بعين أكثر حكمة إلى مثل هذه القضايا التي لا يمثل الزواج فيها حلاً وإنما على العكس تماماً تصعيداً وتأزيماً لوضع هو في أساسه خاطئ. فالمغتصب حتى وإن كان يستجيب إلى كل شروط التكافؤ لا يمكن أن يكون زوجاً مناسباً ولا أباً فاضلاً ولا حتى صهراً مشرفاً.

* مصدر الصورة: صفحة الاتحاد النسائي البحريني على فيس بوك
https://www.facebook.com/bahwu.bahrain
من تصميم الطالبة @batoolalalawy

منشورات أخرى للكاتب